الإثنين 25 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

بات لزامًا علينا أن نحارب الإرهاب بالفكرة استكمالًا للمواجهة الأمنية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
بات الحديث عن ضرورة مواجهة فكرية شاملة للتنظيمات المتطرفة فى المنطقة العربية أمرًا ملحًا، وغاية ضرورية حتى تكون فاعلة وذات تأثير، فالمواجهة الفكرية استكمالا للمواجهة الأمنية، ولا يمكن لأحدهما أن تحل مكان الأخرى أو نستغنى بها مهما طال أمد المعركة.
المواجهة الفكرية تضم فى طياتها الدعوى والثقافى والإعلامى وعلى مستوى التعليم، بما يسمح بقدر من المواجهة الفكرية الفاعلة والمؤثرة فى ذات الوقت، فلا يمكن للمواجهة أن تكون ذات تأثير إلا إذا صاحبها فهم دقيق للتنظيمات المتطرفة ولا يمكن خلخلتها وتفكيك تماسكها إلا من خلال تصور معمق مبنى الجزء الأكبر منه على المواجهة الفكرية.
ويبدو أن هناك مشكلة لها علاقة بمواجهة التنظيمات المتطرفة فى محوريها العسكرى والفكرى، واعتقاد من يتصدرون هذه المواجهة بكفاءة المواجهة الأمنية وغناها عن أى صورة أخرى، فكلما قضوا على هذه التنظيمات فى عاصمة ما ظهر تنظيم جديد وحركة مسلحة أخرى بخلفية إسلامية فى عاصمة جديدة، وهو ما يؤكد أهمية المواجهة الفكرية فى عمومها مع المواجهة العسكرية والأمنية.
وقبل الحديث عن آليات المواجهة الفكرية للتنظيمات المتطرفة لا بد أن نفرق بين المواجهة الأيديولوجية، وبين مقاومة التنظيم ومكافحة أفكاره، فمن السهل مواجهة بنيان التنظيمات المتطرفة من الناحية العسكرية والأمنية وتحقيق نجاح فى هذه الزاوية، ولكن هذه المواجهة تبدو عبثية وبلا قيمة حقيقية طالما لم تكن مصاحبة للمواجهة الفكرية التى تقضى على أفكار هذه التنظيمات المسئولة عن توليد طاقات جديدة تُضاف لكيانه وتقاتل ضمن صفوفه، وهنا نقول إن تفكيك المنظومة الفكرية أهم وأولى من تفكيك المنظومة العسكرية، فأثر الأولى يرتبط باختفاء هذه التنظيمات أم الثانى فيرتبط بغيابه والذى لا ينفى وجوده.
من أهم صور هذه المواجهة للتنظيمات المتطرفة، أن يكون ذلك من خلال الفكر المستنير والعمل التشاركى داخل المجتمع الواحد، والدور التنويرى لا يقتصر على الخطاب الثقافى وتجديده ولا على الخطاب الدينى وتغيره، ولكن يمكن أن يكون للخطاب التنويرى دور، من خلال حركة التعليم داخل المجتمع كمًا وكيفًا، فاهتمام الدولة على وصول التعليم لكل فئات المجتمع أمر فى غاية الأهمية، والأهم منه جودة المنتج الذى يقدم للناس، فالعبرة ليست فى فتح المدارس والمعاهد العلمية، وإنما فى المنتج الذى يقدم للطلاب، فكم من مدارس تعليمية تعمل بشكل سلبى وتزيد من الظاهرة داخل المجتمعات من خلال تقديم منتج رديء يحفز أفكار التطرف داخل المجتمع، وقد تكون طريقة التلقى فيما يتعلق بمناهج التعليم داخل بعض المجتمعات التى تعتمدها طريقة محفزة هى الأخرى لظاهرة التطرف ونواة للإرهاب المحتمل، ولذلك من المهم وضع خطط تعليمية واعتمادها من خلال وسائل تُساعد على قيام هذه المؤسسات بدورها الإيجابى فى انتشال المجتمعات، بحيث يُصبح المجتمع طاردًا لأفكار العنف معالجًا لظواهره من خلال التعليم ومناهجه، فالوقاية الحقيقية تكون فى النشء، وتستطيع مواجهة أى انحراف يظهر على الشخصية من خلال التجديد فى الوسائل التعليمية ووضع مناهج تعليمية تتناغم مع سياق المجتمع بعد قراءته بشكل معمق، ووضع برامج تعالج ما قد يطرأ على المجتمع من أفكار يمكن تصنيفها بأنها أفكار متطرفة أو تهدد الأمن القومى للإنسان عمومًا، كما يجب أن تتم المواجهة وفق آليات مدروسة ومن خلال مؤسسات قادرة على ذلك، واستبعاد المؤسسات غير القادرة على الإنجاز أو المواجهة، فترتيب البيت من الداخل يُساعد فى مواجهة أكثر قوة وفاعلية، حتى ولو استلزم ذلك إنشاء مؤسسات جديدة تتوافر فيها صفات المواجهة الفكرية، قد يختلط الأمر بين المواجهة الفكرية ووجود وقوة واستقرار الدولة، فلا يمكن تحقيق مواجهة حقيقية وواقعية للتنظيمات المتطرفة إلا إذا كان ذلك منبعه دولة قوية ومستقرة فى ذات الوقت، الدول المستقرة هى الأقدر على المواجهة وتصدير خطاب قادر على هذه المواجهة، فدولة تعانى من تخبط داخلى على المستوى السياسى أو تعانى تحديات داخلية واختراق خارجى لا شك لن تكون قادرة على المواجهة، فالاستقرار السياسى مقدمة للمواجهة الفكرية التى يمكن أن تكون مؤثرة ومثمرة فى ذات الوقت، ولا يغيب عن الذاكرة القادرة على إبداع خطاب قادر على المواجهة الفكرية، وأحيانا تداخل أشكال المواجهة يفرض تصورًا لدى البعض بالفصل، فالدولة القوية والفكرة القوية أيضا قادران على المواجهة شريطة قوة الدولة التى تظهر فى نموها ونمائها، أما قوة الفكرة فإنها تظهر فى الآليات المستخدمة إزاء هذه الفكرة للتعبير عنها، وهنا ينشأ الخطاب الفكرى كأحد أهم صور المواجهة التى تغيب عن الحكومات والدولة، فيحصرون دوره معتقدين بضعف تأثيره وقلة حيلته مقارنة بالمواجهة العسكرية، وهذه النظرة سبب الطامة التى يعيشها المجتمع الدولى مع تنظيم الدولة الإسلامية، وربما يكون سبب عدم قدرته على المواجهة، فرغم الضربات العسكرية يزداد تنظيم الدولة قوة وبطشًا، كما يزداد اتساعًا سواء فى رقعته الجغرافية أو فى تأثيره على قطاعات أكبر من المواطنين مما يستلزم معه بحث أكبر لسبل المواجهة.