الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

مسوّدة الدستور .. قراءة أولية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
قبل ثلاثة أيام، وتحديدا في 21 / 11 / 2013، صدرت "المسوّدة الأولى لدستور لجنة الخمسين المعدّل، وبحسب تصريحات اللجنة، فهناك نحو 20 مادة أخرى ما زالت تحت الدراسة ولم يتم إقرارها، وبالطبع لم ترد فيها ديباجة الدستور الجديدة، والتي تحمل توجه المشرّع والإطار العام الذي يوضّح فلسفة الدستور، وهي لا تقلّ أهمية عن مواد الدستور، فهي تحسب جزءاً لا يتجزأ من وثيقة الدستور، ومنها يتعرّف المشرّع البرلماني - حين يسنّ قانوناً جديداً - على مقاصد الدستور في مواده المختلفة.
وبحسب التقارير الإخبارية المتابعة لأعمال اللجنة، فثمة خلافات تدور في أروقتها حول هوية الدولة، والتي تجد مقاومة عاتية من ممثلي حزب النور السلفي، للحيلولة دون النص على مدنية الدولة، بعد نجاحهم في عدم إيرادها في متن الدستور، وما زال الصراع قائماً حول تضمين الديباجة مضمون المادة 219 المثيرة للجدل، والمرفوضة من كل القوى المدنية، والتي تفتح الباب لمحاصرة المادة الثانية واختطافها إلى التفسير الفقهي المتشدّد، وتؤسّس للدولة الدينية، بالمخالفة لطبيعة وتكوين مصر التي تعيش التعدد والتنوع والوسطية.
وكما كان متوقعاً، فقد انعكست حالة الارتباك على منتج اللجنة، بدءاً من المادة الأولى التي تتحدّث عن دولة نظامها ديمقراطي يقوم على المواطنة وسيادة القانون، وهي الثلاثية التي تحدّد أطر وسمات الدولة المدنية، بينما تخفق في النص على مدنية الدولة، استرضاء لفصيل سياسي يقفز على آلية التصويت داخلها ضغطاً وترويعاً وتلويحاً بحشد الشارع ضدّ مشروع الدستور.
وفي حين تنجح اللجنة في المادة 11، في وضع ظهير دستوري يكفل للمرأة دعماً يستند إليه المشرّع في صياغته لقانون الانتخابات البرلمانية والمحلية، ويضمن تمثيلاً "مناسباً ومتوازناً" في المجالس المختلفة، دون أن يحبسها في مربّع الكوتة المثيرة للجدل، نجد اللجنة تصمت تماماً عن معالجة عوار غياب الأقباط، وكان من الأوجب أن تفرد لهم مادة مماثلة بنفس الصياغة المرنة التي لا تصطدم مع واقع المجتمع المخترق طائفياً، ولا تفرزهم خارج السياق الوطني، وقد يتّضح المعنى حين نعيد قراءة نص المادة: "تلتزم الدولة بتحقيق المساواة بين المرأة والرجل في جميع الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتعمل الدولة على اتّخاذ التدابير الكفيلة بضمان تمثيل المرأة تمثيلاً مناسبا ومتوازنا في المجالس النيابية والمحلية على النحو الذي يحدّده القانون، وتلتزم الدولة بحماية المرأة ضد كل أشكال العنف".
وفي حين انتفض المصريون بعد تجربة وصول الإخوان إلى السلطة والحكم، وما أنتجه من نتائج تصادمت مع الحسّ المصرى واعتداله، فكان رفض الشارع للسياقات التى أتت بهم، والتي تأسّست على السماح للتنظيمات الإسلامية بتكوين أحزاب على أساس ديني وبمرجعية دينية - وفقاً لنصوص دستور 2012 المُعطّل - نجد اللجنة تعيد إنتاج نفس النصوص، وتغفل حظر قيام أحزاب بمرجعية دينية، بينما تنصّ صراحة على عدم جواز ممارسة الحزب لأي نشاط عسكري أو شبه عسكري، لا تأتي على ذكر ممارسة الحزب لنشاط ديني أو شبه دينى!!، وقد شهدنا في ظل النصوص المثيلة في دستور 2012 - محل المراجعة -  كيف كانت الأحزاب الدينية تؤكد أنها مدنية، بينما واقعها وممارساتها وأدواتها دينية، نصوصاً وتأويلاً وتوجّهاً، وهكذا تضعنا المادة 54 أمام عودة مجددة للتيارات الدينية لمربع الأحزاب، إذ تنصّ على: "للمواطنين حق تكوين الأحزاب السياسية بإخطار ينظّمه القانون، ولا يجوز مباشرة أي نشاط سياسي، أو قيام أحزاب سياسية على أساس ديني، أو بناء على التفرقة بسبب الجنس أو الأصل، أو على أساس طائفي أو جغرافي، أو ممارسة نشاط معادٍ لمبادئ الديمقراطية، أو سرّي، أو ذي طابع عسكري أو شبه عسكري، ولا يجوز حل الأحزاب إلا بحكم قضائي".
وعلى الرغم من حتمية تفعيل وإقرار العدالة الانتقالية كآلية لتصفية كل متعلقات النظامين السابقين من أعمال إجرامية أحاقت بالمواطنين على مستويات متعددة، تهيئة للدخول إلى عصر جديد - وفق تجارب الدول التي شهدت ثورات مماثلة - فلم يأت ذكر في المسودة الأولى، ولم تلتفت إلى العمل الأكاديمي الفقهي الدستوري الذي تبناه نادي القضاة في مثابرة وجهد امتّد الأكثر من عامين، وأثمرا مشروع قانون متكامل عكف على إعداده وتأصيله المستشار عادل ماجد، نائب رئيس محكمة النقض، وطرحه للحوار المجتمعي والقانوني عبر جلسات ممتدة، وأرسله للجنة، ومعه دراسة تفسيرية مقارنة، وأرفق معه مقترحاً بنصّ دستوري يقول: "تنشأ مفوضية عليا للعدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية، تختصّ بالتصدي لإرث الانتهكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وإيجاد المعالجات العادلة والمنصفة لكل الآثار التي نجمت عنها، والعمل على تلافيها مستقبلاً، وجبر أضرار الضحايا، مع معالجة جذور وأسباب الانقسام في المجتمع، وصولاً إلى المصالحة الوطنية الشاملة، وذلك كله وفق القانون،
وتسعى المفوضية من خلال عملها إلى مكافحة سياسات التمييز، وترسيخ ثقافة حقوق الإنسان، وتعميق سيادة القانون، وينظم القانون طريقة تشكيل المفوضية، والشروط الواجب توافرها في رئيسها وأعضائها، ويبين اختصاصاتها، ونظام عملها، وضوابط المحاسبة والعفو، وتاريخ انتهائها من المهام المنوطة بها". 
قد يكون في المواد التي لم تعلن شئ من هذا، وإن كنت أشك في هذا، فمن يقاوم مدنية الدولة ويستميت لاختطاف الوطن عبر نصوص مخاتلة، لن يقف صامتاً أمام إقرار العدالة الانتقالية التي ستطولهم بالضرورة، وتقلم مخالبها وتسحب منهم أسلحتهم، على أن المسودة الأولى بها إضاءات تعيد الاعتبار للحريات والحقوق، وتعالج بعض من اختلالات الأنظمة السابقة، ففي المادة 46 مكرر: "يحظر التهجير القسري التعسفي للمواطنين بجميع صوره وأشكاله، ومخالفة ذلك جريمة لا تسقط بالتقادم"، وهي تأتي في مواجهة الأعمال الإجرامية التي استشرت في محافظات صعيد مصر، وكان النصيب الأوفر منها من نصيب مسيحيي مصر.
وأعادت اللجنة صياغة مواد المساواة، وأضافت إليها - كما جاء في المادة 38 - "المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم بسبب الدين أو العقيدة أو الجنس أو الأصل أو العرق أو اللون أو اللغة أو الإعاقة أو الموقع الجغرافي أو المستوى الاجتماعي أو الانتماء السياسي أو لأى سبب آخر.. وقد أضاف: التمييز والحض على الكراهية جريمة، يعاقب عليها القانون، وتلتزم الدولة باتخاذ التدابير اللازمة للقضاء على كل أشكال التمييز، وينظم القانون إنشاء مفوضية مستقلة لهذا الغرض".
وطرقت اللجنة باب التعليم الفني كمدخل لنهضة حقيقية في تقنين ما فطن إليه وإلى مصر في بدايات القرن الـ 19 "محمد علي باشا"، وما سعى إليه المصري الوطني "البابا كيرلس الرابع 1853 ـ 1962"، حين افتتح سلسلة من المدارس الثانوية الصناعية في ربوع مصر انطلاقاً من الحي الصناعي - وقتها - بولاق. 
فنصّ في المادة 18 مكرر على: "تلتزم الدولة بتشجيع التعليم الفني والتقني والتدريب المهني وتطويره، والتوسع في أنواعه كافة، وفقا لمعايير الجودة العالمية، وبما يتناسب مع احتياجات سوق العمل"، وهذا يعني الانطلاق إلى فضاء التصنيع المؤسّس على عناصر بشرية مؤهلة في قطاع العمال، بما ينعكس على جودة المنتج وتقليل الفاقد والمعيب، ومن ثمّ القدرة على المنافسة في الأسواق العالمية ودوران عجلة الاقتصاد.
وفي نفس السياق تأتي المادة 18 لتؤكد على طرق باب التعليم بقوة "التعليم حقّ لجميع المواطنين، هدفه بناء الشخصية المصرية والحفاظ على الهوية الوطنية، وتأصيل المنهج العلمي في التفكير، وترسيخ القيم الحضارية والروحية ومفاهيم المواطنة والتسامح وعدم التمييز، وهو مجاني في مدارس الدولة ومعاهدها، وتلتزم الدولة بتوفيره وفق معايير الجودة العالمية".
لكن السؤال القائم والدائم، ماذا عن تعدّد أنظمة التعليم وانعكاسها السلبي على وحدة وقومية التعليم وتضارب منتجاته؟، على أنه من اللافت أن تأتي المادة 47 لتؤكد على "حرية الاعتقاد مطلقة وتكفل الدولة حرية ممارسة الشعائر الدينية، وينظم القانون حق إقامة دور العبادة للأديان السماوية"، ثم نقرأ "هذه المادة لا تزال قيد المناقشة"، ولن أضيف تعليقاً، ولكن أفسح المجال لعلامات الاستفهام والتعجب.
هى مسودة أولية وسطورنا بدورها قراءة أولية، لكنها بالضرورة لن تكون كافية، ولن تكون أخيرة.