قالت الروائية التركية الشهيرة إن الهوية تمثل
معضلة في بلادها، متسائلة بالأصالة عن نفسها وبالنيابة عن الأتراك: "مَن نكون
بالضبط؟ هل ننتمي للشرق أم للغرب؟ للأبد نحن بين ثقافات متصارعة، إننا أمة حائرة".
وأضافت صاحبة (قواعد العشق الأربعون) –في مقال
نشرته الفاينانشيال تايمز- أنه منذ عهد الإمبراطورية العثمانية وحتى الآن والتاريخ
السياسي التركي يمكن قراءته كقصة صراع لا ينتهي بين معسكرين متضادين: التقدميون
على جانب والانعزاليون على الجانب الآخر.
ورأت شافاق أن الانعزاليين باتوا يسيطرون على كافة
أوجه الحياة اليومية من السياسة إلى الإعلام مرورا بالتعليم، ويقدمون إجابتهم على
أزمة الهوية قائلين إن تركيا تنتمي إلى الشرق.
ولفتت الكاتبة التركية إلى انحطاط العلاقات بين
بلادها وأوروبا، راصدة حثّ البرلمان الأوروبي في نوفمبر الماضي لحكومات الاتحاد
الأوروبي على تجميد نقاشات عضوية تركيا، ورّدًا على ذلك هددّ الرئيس التركي رجب
طيب أردوغان بإنهاء صفقة اللاجئين مع الاتحاد قائلا: "إذا ذهبتم إلى أبعد من
ذلك فإن بوابات الحدود ستُفتح على مصاريعها".
على الجانب الآخر، رصدت الكاتبة كيف كان التقدميون
يراقبون الوضع عن كثب بقلق متزايد، ومكمن الصعوبة في أن البرلمان الأوروبي لم يميز
بين الحكومة والشعب؛ إن المجتمع المدني التركي متشابك ومتعدد المستويات – والأمر
الأكيد أن تركيا هي أكثر من كونها المستر أردوغان ومؤيديه فقط وأن عدم تمييز ذلك
هو أمر خطير، كما أن إبعاد تركيا عن أوروبا إنما يقوّي جانب الانعزاليين على حساب
التقدميين.
ورأت شافاق أن وجهة النظر السائدة بين الانعزاليين
الأتراك هي أن مغامرة دخول الاتحاد الأوروبي قد انتهت، معتقدين أنه في زمن
الشعبوية والقبلية يحتاج الجميع إلى العودة لمنطقته.
وقالت الكاتبة إن الإعلام في تركيا –ومعظمه مؤيد
للحكومة- يدعم اقتراحات المستر أردوغان بأن البلاد في طريقها للانضمام إلى منظمة
شنغهاي للتعاون – وهو تكتل أمني واقتصادي يضم كلا من روسيا والصين وقيرغيزستان
وطاجيكستان وأوزبكستان وكازاخستان.
ورأت شافاق أن أحد القواسم المشتركة بين أعضاء
منظمة شنغهاي للتعاون يتمثل في تدني مستوى الديمقراطية، قائلة إن ذلك هو أمثل مكان
لحكام تركيا الذين لا يرغبون في أن يواجهوا انتقادا على سجلهم المظلم في حقوق
الإنسان وحرية التعبير.
وقالت الكاتبة التركية ، إن بلادها باتت أكبر سجن
للصحفيين متفوقة في هذا المضمار على الصين، وأنه منذ محاولة الانقلاب الدامية
والمريعة في يوليو الماضي، يقوم المستر أردوغان وحزبه الحاكم (العدالة والتنمية)
بتنفيذ عملية تطهير شاملة في كل أنحاء البلاد مستهدفة كل النقاد، حتى بات الجميع
اليوم يخشى رفع صوته مخافة اتهامه بالخيانة.
وبحسب الكاتبة، فإن ثمة وجهة نظر سائدة بين
الانعزاليين في تركيا مفادها أن العلاقات الدولية تشبه لعبة الشطرنج، وبحسب هذه
النظرية، فإن البلاد ليست في حاجة إلى ديمقراطية تعددية مناسبة وإنما هي بحاجة لاستراتيجية
أكثر ذكاء وإلى "أب" أكثر قوة – وهنا مكمن سرّ إعجاب النخبة التركية
بـروسيا.
وتابعت شافاق قائلة إن نخبة حزب العدالة والتنمية
الحاكم في تركيا تعتبر السياسة الخارجية بمثابة لعبة شطرنج الهدف منها هو إنزال
الهزيمة بالخصم مرة وإلى الأبد، وفي الخطابات الوطنية لتلك النخبة يتم تمجيد الإمبراطورية
العثمانية باعتبارها كانت نموذجا يحتذى استطاع جلب العدل والرخاء حيثما ساد، وأن
هذا كان عصرا ذهبيا اغتالته فجأة قوى خارجية.
وعادت الكاتبة بالأذهان إلى عام 2014، وخطاب ألقته
آنذاك وزيرة الأسرة والشئون الاجتماعية عائشة نور إسلام، قالت فيه: "الغربيون
مَهَرة في لعبة الشطرنج: إنهم يتخذون قرارات، ويتبعون استراتيجيات، إنهم يلعبون؛
أما الناس في الشرق فهم لاعبو طاولة: يرمون النرد، ويسلمون بأية نتيجة
تكون"... وادعت نور إسلام في خطابها ذاك أن هذا النسق قد تغير في ظل المستر أردوغان،
وأن تركيا لم تعد لاعبة طاولة وإنما باتت لاعبة شطرنج.
كما ادعت نور إسلام أن كافة المحاولات السابقة على
صعيد تفعيل هذا التحول قد أفشلتها قوى غربية – كان هذا حتى وصل المستر أردوغان...
"كل مرة كانت تهب رياح وتنقلب لوحة الشطرنج... ولكن لن يحدث ذلك مرة أخرى ...
سنقول للعالم كله: مات الشاه (كِش ملك)".
ورأت صاحبة المقال أن سياسة حزب "العدالة
والتنمية" الطموحة لكن غير المتناغمة في الشرق الأوسط ولا سيما في سوريا إنما
هي نتيجة مباشرة لتلك الرغبة في التحول إلى لاعب شطرنج، ويقول الانعزاليون
المصابون بداء الارتياب إن أوروبا لا ترغب لتركيا في أن تنجح في هذا الصدد لأن
الاتحاد الأوروبي يعرف أنها لو نجحت (وباتت لاعب شطرنج) فإنها ستفوز بلا شك.
ورأت شافاق في ختام مقالها أن إحدى المشكلات الواضحة في التعامل مع السياسة الخارجية والداخلية باعتبارها لعبة شطرنج تكمن في تحويل السياسة إلى "لعبة حرب مستمرة صفرية الناتج (لا رابح فيها ولا خاسر)" وإن لم تكن حربا مادية فهي حرب نفسية، ومن الخطورة بمكان تسطيح معنى العلاقات الدولية على هذا النحو، لا سيما في منطقة تموج بالاضطراب كالشرق الأوسط.