نعرف أن الفيوم مدينة سياحية جميلة وأول محافظات شمال الصعيد ويطلق عليها «مصر الصغرى» و«سويسرا الشرق»، ويمتاز أهلها بأدب وكرم أهل الريف.
الأهالي بالفيوم ضحايا لفساد حكومات «مبارك»، تعرضوا لسرقة ونهب أراضيهم بمليارات الجنيهات تحت مسمى «المنفعة العامة» وبيعها لأشخاص آخرين من خارج المحافظة بالمخالفة لكل القوانين والأعراف، والعائلات هناك التي تمت مصادرة أراضيها تلقي باللوم على الرئيس الراحل جمال عبدالناصر الذى كان ينوى تحقيق عدالة اجتماعية ضمن مشروع المنفعة العامة، فالأراضي التي انتزعها ناصر كانت بهدف إقامة مشاريع للدولة مثل بناء مستشفى الفيوم العام، بعد نزع الأرض من عائلة «فتيح»، وغيرها من المشروعات بالمحافظة.
لكن الخطأ الذى وقع فيه عبدالناصر أنه لم يقرأ الطالع ولم يعرف أن غالبية الأراضي التي انتزعها من ملاكها سوف تؤول ملكيتها لأشخاص آخرين ضمن برنامج الخصخصة في عهد حكومة «عاطف عبيد» رئيس وزراء مصر الأسبق.
وهذا ما حدث في عهد مبارك حيث حظيت وزارة الدكتور «عاطف عبيد» مهندس برنامج الخصخصة وسمسار بيع الأصول بنصيب وافر من سخط الشعب المصري، لانتشار الفساد والرشوة والمحسوبية.
ففي ظل انتشار الفساد والرشوة والمحسوبية، تم بيع أرض مضرب الأرز الآلي بالفيوم بالمخالفة للقانون بثمن بخس في صفقة أقل ما توصف به أنها مشبوهة وإهدار كبير للمال العام، وقدمت الأرض على طبق من ذهب وبتسهيلات للمشتري وكان الفساد في هذه الفترة أسلوب حياة، فقد فيه الجنيه المصري قيمته بنسبة ٥٤٪ أمام الدولار و٩٥٪ أمام العملة الأوروبية.
رغم أنه لا يجوز بيع الأرض ولا التصرف فيها لأنها مخصصة للمنفعة العامة، والمادة ٨٨ من القانون المدني تؤكد أنه إذا استغنت الدولة عن هذه الممتلكات تؤول ملكيتها لأصحابها القدامى.
مساحة أرض مضرب الأرز عبارة عن ١١ فدانًا، ونزع فيها ثمانية أفدنة من عائلة الأدور و٣ وربع فدان من عائلة النجار مقابل ٦٦ جنيهًا للقيراط الواحد.
وكان مشروع مضرب الأرز مسجلًا برقم ٧١ تموين- تابعا لجمعية دار رماد الزراعية - بندر الفيوم، والأرض منزوعة في ١٨ نوفمبر ١٩٧١ وتم تشغيلها في ٤ يناير ١٩٧٢.
تم بيع الأرض بعد دفع ١٣ مليون جنيه للمسؤولين في الشركة القابضة رغم أنه ليس من حقها البيع، كما أن المبلغ المدفوع لا يساوى قيمة الأرض الحقيقية.
الأرض موجودة فى منطقة المسلة بالفيوم، وسعرها مرتفع للغاية لأن المكان استراتيجي ويحتوى على المنشآت الأساسية للمرافق، حيث الكهرباء والغاز والمياه وحتى قسم الشرطة.
الآن بلغ سعر المتر الحقيقي بالأرض ٢٠ ألف حنيه، وهذا ما يعنى أن سعر ١٣ فدانًا قيمة هذه الأرض تجاوز المليار جنيه، وعلمنا من مصادرنا أن قيمة الرشوة في هذه البيعة ٥ ملايين جنيه فقط.
يذكر أن الطريقة الوحيدة لبيع هذه الأرض هى تزوير الأوراق وحذف كلمة المنفعة العامة من العقود الرسمية.
«البوابة» بحثت عن ملاك الأرض الحقيقيين، وحصلنا على الأوراق الخاصة بها ومنها عقود نزع الأرض مقابل المنفعة العامة فقط وليس لغرض البيع.
المفاجأة أن أصحاب الأرض لا يعرفون معلومات عن المشترى وهو اللواء «محمد العناني» رجل الأعمال وصاحب مصنع شاي الوردة. العناني حاليًا يفكر في تقسيم الأرض وبيعها، ويتعامل بحرص لإدراكه خطورة الموقف، ويضع خفراء لحراسة الأرض، وكتب منذ فترة قريبة أن الأرض مملوكة له ولشركائه وترك رقم هاتفه.
تحدثنا مع اللواء «هاني مشرف» مساعد مدير أمن الفيوم السابق وهو من ورثة الشيخ «عبد القوي محمد حسن النجار» الذى نزع منه حوض الهيشة ٩ بمساحة ٣ أفدنة وربع لإقامة المضرب.
قال إن الأرض تم نزعها للمنفعة العامة وليس لكى تباع لشخص من خارج الفيوم ويكسب فيها مليار جنيه دون أي عناء أو مشقة.
وأضاف أن حكم الإدارية العليا وحكم النقض يعيدان الأرض لأصحابها، وأكد لـ«البوابة» أنه غير طامع بها رغم أنها أرض عائلته، ووعد إذا عادت سوف يقوم بتوقيع تنازل عنها وينتفع منها أبناء الفيوم، ويرفض بيع الأرض بهذه الطريقة بشكل مخالف للقانون.
وحذر اللواء هاني أن المشترى «محمد العناني»، قام بطرح أرض مضرب الأرز لتكون مدينة الفيوم الجديدة وعرضها للبيع على المستثمرين دون وجه حق.
مؤكدًا أن العناني قام ببيع جزء من الأرض لنقابات التجاريين والزراعيين والمعلمين بالمخالفة للقانون، وتم بناء ثلاثة أبراج بقاعدة واحدة كأنه مبنى واحد ثم تقسيمها من الداخل، وذلك للتهرب من مساحة ٤٠٪ للمنفعة العامة، وهذا تسبب في ضيق شديد للشارع الموجود فيه هذه العقارات، ومثبت في ترخيص مجلس المدينة.
كما أن المشترى استغل أن الأرض بها كافة المرافق مثل كهرباء وتليفونات وغاز وطبقة أسفلتية وهى مكان حيوي حتى ينتفع منها دون وجه حق.
بعد مقابلة اللواء هاني توصلنا لمعلومات عن المشترى وهو اللواء «محمد عباس عبدالفتاح عناني» صاحب مصنع شاي الورد ٥٧ سنة وهو من عائلة عناني بمنطقة البدرشين في الجيزة.
عمل 9 سنوات بالخيالة بمصلحة التدريب برتبة عميد، ثم مساعد بمديرية أمن الإسماعيلية التي استقال منها قبل انتخابات الشعب الأخيرة عام ٢٠١٥ ليقدم نفسه مرشحا بمجلس النواب.
المدهش أنه بعد أن خروج من السباق الانتخابي تمت إعادته للشرطة مرة أخرى، لكن في مديرية أمن الجيزة بدلًا من الإسماعيلية وأصبح مساعد مدير الأمن.
يذكر أن ابن عمه «شريف عناني» عضو مجلس الشعب بالحزب الوطني عام ٢٠١٠ وهو من شركائه في أرض مضرب الأرز، ومحمد عناني حاليًا يتصرف في أراضي وعقارات الدولة التي اشتراها بطرق غير مشروعة من خلال شركته «الشرق للتجارة والتوكيلات» الكائنة في ٣٠ شارع هارون بالدقي بالجيزة.
نؤكد أنها قضية فساد كبيرة لا تختلف عن باقي قضايا الفساد التي تعيشها مصر مثل بيع أراضي شركة النيل بالمنيا التي أسقطت النائب البرلماني السابق والمحامي «حمدي الفخراني» بسبب بيع أراضي الدولة بـ ٥٪ من ثمنها.
ونخاطب الجهات المسئولة والجهاز المركزي للمحاسبات والكسب غير المشروع بفتح تحقيقات في هذا الأمر ومحاسبة المسؤولين عن بيع أراضي مصر، وإعلان النتائج للرأي العام.