في الوقت الذى قرر فيه الجميع أن يهربوا من جحيم
«حصار حلب» بقي هو رفضا أن يخرج، لم يكن جنديا لدى النظام ولا المعارضة ولكنه جند
نفسه في جيش الابتسامة وسعادة الأطفال المحاصرين، بباروكة برتقالي
وألوان وضحكة استطاع أن يحارب الحصار، إلى أن كتبت نهايته بصاروخ مساء
الثلاثاء 29 نوفمبر 2016.
أنس الباشا 24 عامًا عمل مديرًا لمركز تابع لمؤسسة "فضاء الأمل" المتخصصة في توفير الدعم النفسي والمعنوي والمادي لـ12 مدرسة و4 جمعيات وأكثر من 365 طفلًا، في أحياء حلب المحاصرة، كما تطوع أنس في جمعية «فسحة أمل» الأجنبية دون أي مقابل.
وكان أنس يحاول خلال عمله إسعاد وتأهيل الأطفال الذين فقدوا أهاليهم جراء القصف وأصبحوا أيتام، كما أنه يحاول إعادة تأهيلهم نفسيًا مرة أخرى؛ بسبب شدة خوفهم من القصف المتكرر والدمار الذي يروه أمام أعينهم، تزوج انس قبل وفاته بحوالي شهرين وترك زوجته تصارع الحصار بمفردها.
تواصلنا مع صديقه باسم الأيوبي والذى كان يسكن معه في نفس السكن قبل زواج كل منهم والذي قال لنا إنه كان رجلًا هادئًا غير ملفت للنظر، ولا يرتدى زي المهرج إلا في احتفاليات الأطفال فقط".
ويضيف: صديقي لم يكن لديه أى حب للظهور، ولا يملك صفحة على موقع «فيس بوك»، ليوثِّق فيها زياراته للأطفال، ولا يوجد له كمهرِّج بين الأنقاض سوى عدد قليل من أشرطة الفيديو المنشورة على موقع «يوتيوب»، لكن مثلما يقول باسم الأيوبي «في حلب يعرفه الجميع والأطفال بصورة خاصة يحبُّونه كثيرًا».
يقول محمود الباشا شقيق أنس، كان حلمه أن يصبح مدرسًا، وكان طالبًا فى قسم التاريخ بجامعة حلب ولكن مع بدء الثورة السورية بعام توقفت الجامعة وتوقفت الدراسة بالكامل وبدأ عمله الإنساني بعد حصوله على عدة دورات عن دعم الأطفال نفسيًا.
يكمل «بدأ أنس بعمله الخاص في إسعاد الأطفال منذ 2013 وقتها عرف باسم «مهرج حلب» وبات يعرفه القاصي والداني وانتقل الى حلب الشرقية بعدما اشتد القصف على حلب الغربية وسيطرة النظام عليها لأنه كان من المطلوبين آنذاك واضطر لترك دراسته، فى ذلك الوقت كان والدينا بريف حلب وكنا على تواصل دائم معه لا ينقطع يوما».
وعن محاولاتهم إقناعه بالخروج من الحصار، خوفًا على حياته، قال محمود: «حاولنا معه كثيرًا، ولكنه كان رافضًا للفكرة تمامًا، وكاندائمًا يقول لنا إن المجتمع الدولي، لن يسمح باستمرار الحصار لمدة طويلة، وكان عنده أمل كبير أن الحصار سينتهي سريعًا، ولكن حياته هى التى انتهت وليس العكس».
وأضاف: «الوالد والوالدة في وضع يرثى له خصوصًا كلما رأوا صورته، فهم يعيشون في حالة حزن وضياع؛ بسبب فقدان حلب وانس»، هكذا وصف لنا محمود حالة والديه بعدما فقدوا أنس، ابنهم الشاب»، وأكد لنا أن حالتهم صعبة جدًا، كلما رأوا فيديوهات له، خصوصًا وهو يبتسم ويضحك مع الأطفال.
وعن المواقف التي لن ينساها محمود لأخوه أنس، يقول: «الكلمات التي لن أنساها، حين تواصلنا عبر الواتس آب في آخر مرة، تحدثنا فيها قبل موته، وكان يصف لي الحدث، وقتها سمعت صوت غارة قريبة منه وتفجير قوي، وقال لي وقتها أنا ما بخاف، يستخدمون أسلحة كما يريدون وإحنا صامدين، بعدها بـ48 ساعة استشهد».
ويضيف محمود الباشا عن يوم وفاته «جاءني هاتف من إحدى الأطباء يخبرني فيه بوفاة أنس؛ بسبب القصف الذي أدى إلى إصابته بجرح خطير في رأسه أدى إلى نقله للمستشفى التي لم يكن فيها مواد طبية كافية ومات هناك».
كان أنس قد أوصى أخوة أن يدفن في صلاح الدين، حيث كان يسكن مع عائلته طيلة حياته، وكانت هنا المفارقة حيث امتلأت قبور حلب كلها بالقتلى، وفى الوقت نفسه لم يتطلع أخوه أن يحرم أنس من وصيته، فقال لأصدقائه «ادفنوه في أي حديقة عامة»، وبالفعل تم دفن جثته في إحدى الحدائق العامة بالمدينة، في نفس المكان الذي كان يرتدي فيه زي المهرج ليسعد الأطفال.
وعلى صعيد آخر كتب أخوه ليلة وفاته على صفحته الخاصة، بموقع التواصل الاجتماعي الفيس بوك: «قتلوا أخي أنس الذي رفض أن يترك حلب، وقرر البقاء هناك؛ لمواصلة عمله كمتطوع لمساعدة المدنيين وإعطاء الهدايا للأطفال في الشوارع، ليجلب لهم في الأمل.
أنس كل ما أراده هو جلب السعادة إلى أطفال حلب، أنس ليس إرهابيًا!، هو عضو نشط في المجتمع المدني، الذي يعمل أيام وليال لجلب الابتسامة إلى الأطفال السوريين، عاش ليجعل الأطفال يضحكون وسعداء في أخطر مكان في هذا العالم.
لم أكن قادرًا على قول الوداع الأخير حتى عائلتي له بسبب حلب المدينة تحت الحصار منذ 112 أيام، أنا فخور بك أخي العزيز، وداعًا، فلترقد في سلام أفضل من جلب الرحمة في عالم قاسي.
للعودة الى باقى الملف من هنا