حمل هاتفه ومن أعلى مستشفى القدس بحى المشهد
بحلب، وقال: "أنا سالم الإنسان".. هكذا بدأ الدكتور سالم الأنصارى ابن
مدينة طرطوس رسالته الإغاثية لكل العالم من داخل حصار حلب، كان المشهد خلفه فى
الفيديو مروعا وكأنه ينطق ويحكى على مدى التدمير الذى أتى على الأخضر واليابس الذى
تعرضت له المنطقة جراء الحرب.
الأنصارى أو كما لقب بطبيب حلب والذى تحدثنا معه فى حوار خاص
ضمن ملفنا "حلب تتحدث"، هو أحد أبناء مدينة طرطوس جاء لحلب لمساعدة أهلها
من المرضى وهو فى الأصل طبيب أسنان بدأ العمل فى مستشفى عمر بن عبدالعزيز، وهو
مستشفى ميدانى يقع فى حى المعادى بحلب الشرقية ثم بدأ التنقل بينه وبين ريف حلب
الشمالي، وأرياف إدلب وحماة، وحين حوصرت الأحياء الشرقية بشكل كامل فى الشهر
الخامس من عام 2016، كان فى حى بستان القصر، حيث بدأ العمل لدى مركز طبى تابع
لهيئة أطباء حلب الأحرار (هيئة طبية غير ربحية، تسعى إلى تقديم كل الخدمات الطبية
والصحية فى كل مناطق سوريا المحررة)، هكذا حكى لنا الدكتور سالم قصة تواجده بحلب
باختصار خلال اتصال هاتفى أجراه معنا لأخذ شهادته كطبيب عن ما يحدث فى الحصار ضمن
ملفنا "حلب تتحدث".
لم نستطع التواصل معه داخل الحصار
لصعوبة الاتصال فى الفترة الأخيرة وما إن خرج من الحصار استطعنا التواصل سويا عبر
الهاتف، قائلا: "أنا طبيب أسنان وإلى أول شهر ديسمبر كنت أعمل بعيادة تابعة لمركز
صحى اسمه بستان القصر فالعيادات التى عملت فيها بحلب مش عياداتى الخاصة ولكنها
عيادات مفتوحة من قبل مؤسسات طبية واشتغلت فيها بأماكن عديدة بحلب".
وأكد الأنصارى أن التواصل مع المرضى كان كثيرًا وكان هناك تواصل
كبير مع المدنيين، ولكن كانت هناك صعوبات خصوصا فى الفترة الأخيرة بسبب زيادة
القصف وهو ما ترتب عليه زيادة أعداد المصابين والمرضي، فمثلا كانت غرفة العمليات
لا تكفى لاستقبال الإصابات لكثرتها وأيضا غرف العمليات كانت مليئة عن آخرها، فحلب
لم تكن محاصرة على قدر ما كانت فى حرب تدمير، فأحياء حلب الشرقية دمرت بالكامل
جراء القصف بكل أنواع الأسلحة.
وأضاف: "إحنا كنا نعيش ظروف حرب لأنه لو كانت حصار فقط ما
كانت المستشفيات عانت مثل هذه المعاناة لأن الحصار لا يوجد فيه أى استخدام مسلح أو
قصف، فهنا المستشفيات تلبى حاجة المرضى".
سألناه عن وضع المصابين وخاصة الحالات الحرجة، مشددًا على أن
الحصار والقصف كان سببا فى موت بعضهم لأنه "من ناحية الأدوية المقدمة كان
هناك مرضى يعيشون بالمنطقة مصابين بأمراض مزمنة وهم بحاجة لأنهم يروحوا مثلا إلى
المشفى ليأخذوا جرعات من أجل مرض السرطان، فكانوا يضطروا يروحوا على مشافى النظام أو
الريف الغربي، وأيضا أصحاب أمراض القلب، كل هدول بعد القصف والحصار تم التضييق
عليهم كثيرا فلم يعودوا قادرين على الخروج لتلقى العلاج".
وتابع: "كمان فى كل 5 دقايق فى قذيفة أو صاروخ أو مدفع
فالمستشفيات عجزت عن استقبال كل هذا العدد بسبب كثرته جراء التدمير وأيضا عدم وجود
مواد كافية لإسعاف المرضى".
وعن عمله كمتطوع فى مجال الطب بحلب أكد
أن العيادة الخاصة التى كان يعمل بها قررت إدارة المركز أن تقلبها كعيادة مجانية بحيث
أن يقبض هو راتبه من المركز ولكن لا يتقاضون أى أموال من المرضى وهو ما زاد ثقل
المهمة على كاهله لأنهم كانوا العيادة المجانية الوحيدة فى حلب، مما جعل الكثير من
سكان المناطق المحاصرة يقصدونها للعلاج لما كانوا يعيشون فيه من أزمة اقتصادية صعبة،
فكانوا يحاولون على قدر المستطاع تقديم الخدمات الأساسية لهم.
وواصل الأنصارى: "عملنا فى ظروف صعبة كتير حتى فى شهر
رمضان، فالطبيب يحتاج لهدوء فى عملة ولكن كنا نعمل تحت القصف المستمر، كما أننا
كنا نخاف من تجمع عدد من المرضى فى العيادة حتى لا تقصف"، مضيفًا أن "المريض
أحيانا كان من الصعب أن يخرج من بيته ليأتى إلى العيادة بسبب القصف وفى بعض الأحيان
كنت أسأل عن بعض المرضى ليخبرنى جيرانهم أنهم استشهدوا بكل بساطة، الظروف التى
كانت بالفترة الأخيرة كانت قاسية جدا فالتوصيف الدقيق لحلب ليس حصارا ولكن حربا
تحديدا الأحياء الشرقية من المدينة، فالمساحة الديمغرافية كبيرة".
ويروى الطبيب عن بعض المواقف التى تعرض لها قائلا: "ذات
مرة كنت بحضر مريض علشان أخلعله ضرس العقل خلال العشر دقايق كانت هناك 3 غارات
والغارة فوق راسى وهاد كتير صعب لأن العمل لازم يكون هادى".
وعن المواقف الإنسانية التى قابلها أضاف: "كانت بتحكى معى
مراسلة من بيروت وفى نفس الوقت فى شخص مات قدامى من القصف، حصلت عنده حالة اختناق
والدكتور الذى معى أخبرنى أنه خلاص مات وكان ملقى أمامى على الأرض ووجهه مختنق
لدرجة الزرقان، ما قدرت امسك حالى وبكيت فسألتنى المراسلة أنه أنا دكتور ومتعود
على هالشي، ولكن أنا قلتلها ما بعرف بس حسيت أن موته كتير مؤلم، حدث هذا فى أواخر
شهر نوفمبر كانت ليلة خميس".
وعن موقف آخر يروى الأنصارى: "كنت مدعوا من قبل أصدقائى بمدرسة
عين جالوت لحضور ورشة رسم عملوها الأولاد بالمدرسة ولما روحت المدرسة فوجئت أنها
اتعرضت للقصف من نصف ساعة وشوفت أصدقائى موتى على الأرض، ومات معهم 19 طفلا شفتهم
بعينى كان واحد أستاذ رياضيات والثانى المشرف تبع المدرسة كان معه دبلومة تربية
كان هذا الموقف فى شهر أبريل 2014"، مؤكدًا أن "الحرب هيا أبشع شى عملوه
البشر منذ بدء الخليقة.. أنا ما عندى قناعة أن فى شى اسمه حروب مقدسة أو جهادية،
تعبنا من الحرب والخراب بيكفى حروب بقا".
وعن رحلة خروجه عبر الممر الآمن الذى
وفرته لهم قوات النظام لإخلاء حلب قال: إن هذا اليوم لن ينساه طيلة عمره فكان من
المفترض تنفيذ الهدنة وخروجهم ولكن لم يحدث ذلك وكان هناك خرق وتم قذف حوالى 600
قذيفة على حلب وكأنه نهاية العالم، ويكمل: "وكنا نعيش فى رعب حقيقى منذ الساعة
العاشرة صباحا حتى 12 منتصف الليل بتوقيت حلب إلى أن تمت الهدنة الثانية".
وتابع: "الخطر أثناء الخروج كان فقط خوفا من الخطف لكن لم
يكن هناك قصف على المعبر، ولما طلعنا بالباصات على المناطق الثانية كان فى قلق أنه
يخلو بالاتفاق أو حد يخطفنا أو يعتدى علينا أو يؤذينا بشكل من أشكال الإيذاء
وبتعرف الطريق هو مسافة قصيرة لا تتجاوز 16 كيلو مترا ولكن خدت وقت كبير حوالى 3
ساعات، أنا طلعت مدنى مانى حامل سلاح فلم أتأخر كثيرا مثل المسحلين".
وسألناه ماذا تحب أن تقول للعرب: "سوريا كبلد وكشعب بحاجة اليوم
لمساعدة دول إقليمية وعربية ودول العالم تساعدنا على إنجاز تسوية لإنهاء حالة
الحرب بسوريا، نعيش حالة حرب احنا بحاجة اليوم لقوى توقف نزيف الدم فى سوريا، أنا
عندى أمل كبير ان فى فالعالم أحد يكون عنده شى من الإنسانية راح يساعدنا على إنجاز
هذا الموضوع".
وأخيرا عن رسالته التى قالها من أعلى مستشفى القدس من داخل
الحصار: "أنا سالم الإنسان عم أحكيكم من حلب من حى المشهد من فوق سطح مستشفى
القدس بتاريخ اليوم 17 ديسمبر 2016 فى ظهر يوم السبت حابب أحكى كلمتين اذا بتحبو
تسمعوهن، أنا إنسان قبل كل تصنيف وقبل كل شي، اتنين أنا سورى قبل كل هوية يمكن أن
تكون قاتلة أو غير قاتلة وإلى الشرف أنى شاركت أهل مجينتى طرطوس بالتظاهر مطالبين
بالحرية".
وأضاف الأنصارى: "أنا هون بحلب لأنه حيث يجب أن أكون وإللى
بيعرفونى بيعرفو هالشى أنا بحب الحياة وبحب إنى أعيش، الحياة فيها كتير شغلات حلوة
عيشوها فيها فرح وكتير ضحكة وكتير ابتسامة ورقصة وفنون وموسيقى وأغنية وفيها طبيعة
وإبداعات البشر صح فيها شغلات كتير مؤلمة وأنا نلت جزء من هاى الشغلات وبعتقد فى
غيرى نالوا أكتر بس مع ذلك الحياة حلوة والحياة تستحق أن تعاش بحبكم أن تعيشوها
بحبكم تعيش بسلام وتعيشوا بأمن بعدالة بكرامة بحرية وشكرا".
للعوده الى باقى الملف من هنا