الأربعاء 14/12/2016
الساعة الثالثة والربع عصرًا
حليم: سامع القصف يا أحمد
هاي غارة
أنا: إي بسمع بس كيف إنت
قادر تعيش بهالجو ؟!!!
حليم: بتعرف أنا بتمنى
الموت ولا أنى أنأسر لأنى لو اعتقلونى راح أموت من التعذيب
حليم 24 عاما، طالب بإدارة
الأعمال، ولم يستطع التخرج في الجامعة بسبب الملاحقات الأمنية فاضطر إلى يتركها،
يقول فى بداية حديثنا معه: "اليوم الصبح حوالى الساعة 10 كان هناك قصف كثيف
على مدينة حلب، قصف مدفعي وطيران وقنابل محرمه دوليا، من الصعب تماما أن نخرج
خلافا على ذلك أنه هناك من الأساس حظر تجوال على كامل حلب، ولكن حتى فى بيوتنا نحن
غير مؤمنين ".
ويكمل " إعداد الجثث اليوم كثيرة والأطباء ليس لديهم القدرة على علاج جميع المصابين، كما أن المدنيين ما بيلحقوا يدفنوا أقاربهم، والدفن أصبح فى الحدائق العامة فالمقابر امتلأت عن آخرها".
وقتها سألته عن حقيقة ما أثير بخصوص طلبهم لفتوى بجواز قتل نسائهم خوفا من الاغتصاب قال لي: "أنا راح أحكيلك عنى كشاب، أنا ما بخاف من الموت أنا خايف من الاعتقال وأنو يتم تصفيتنا تحت التعذيب، الموت صار شي طبيعي، فيمكن أن تقيس كلامي على الفتيات وبعض الأهالي، فالحال هنا يحتم على الجميع أن يتمنى الموت فهو اسلم مصير لأننا لا نعرف ماذا سيواجهنا".
وبعد لحظات من الحزن والصمت يقول: "الموضوع كتير أليم أن حدا يقتل زوجته أو أخته صعب أنا ما أقدر عليه الصراحة، بس أنا بفضل أنى أموت ولا يتم اعتقالي ونفس الشي للنساء يفضلون الموت عن الاعتقال ".
كان من المفترض أن يتم تنفيذ اتفاقية الممرات الآمنة وخروج المجنين من حلب بالكامل فى هذا اليوم أو بالأحرى فى الساعات التى كنا نتحدث فيها انا وحليم فسألته كيف هناك اتفاقيات للخروج وأنت الآن فى بيتك والغارات والقصف مستمر فقال: "كان هناك بالفعل اتفاق علي خروجنا جميعا كمدنين ومسلحين ولكن اليوم صباحا تم اختراق الاتفاق ".
وقتها كتب حليم على صفحته الشخصية بموقع التواصل الاجتماعي الفيس بوك " قصف مدفعي كثيف منذ أربع ساعات وحتى الآن بالإضافة لغارات عديدة ينفذها الطيران الحربي أيضًا على أحياء حلب المحاصرة، أناديكم وأناشدكم كانسان أن تنقذونا، أن تنقذوا "من تبقى حيًا منّا"، لا وقت لأي مفاوضات كانت، نريد فقط فرض إيقاف إطلاق النار الآن فورًا ومن ثم التفاوض على طريقة أو آلية إخراجنا نحن آلاف المدنيين المحاصرين في مدينة حلب. الوقت من دم، وموت.
سألته عن الوضع داخل الحصار الآن فاكد لي أن الحصار مطبق 100%، وأن المنطقة الجغرافية التي يقبع هو فيها ضيقه جدا إضافة إلى عدد السكان الكبير جدا الذى أتى نازحا من سكان المناطق المجاورى إلى هنا.
ويقول حليم " فالبيت الذى كان فيه عائله او اثنين اصبح فيه 4 عائلات ا
يوجد سوي فرن خبز واحد ومشفى واحد وعدم توافر الكهرباء والمياه النظيفة، فالمأكل والمشرب
اصبح يشكل لنا رفاهيه فالموت هو اهم خطر.
سالته اين يجلس الان قال " حاليا يوجد حظر تجول على كل المنطقة بحلب والقصف
فى كل مكان، ولا نستطيع ان نغادر المكان الموجودين فيه فانا اجلس الان في طابق ارضي
بسبب كثافة القصف ومع ذلك فيه خطر لان هناك طيران حربى يمكنه ان يدمر بناية كامله حتى
الأقبية لم تعد امنه ".
لحظات قليلة بعد ان مرت احدى الغارات عن المنطقة قال لى " احنا مش داعش،
خليك متأكد اننا لسنا داعش على الاطلاق، وانا تم اضطهادي من الجميع لا يمكن اعيش مع
داعش ولا النظام ".
كان من الصعب ان نطيل في الحديث وقتها للظروف التي كان يمر بها وقبل ان ننهى
الاتصال على ان نعاوده فى وقت لاحق سالته عن امنيته قال " نحن حاليا مطلبنا الوحيد
هو الخروج الامن لجميع المدنيين من حلب، تخيل ان اقصي طموحك هو الخروج من مدينتك التي عشت فيها ولك فيها كل الذكريات ".
ويكمل اجابة على سؤالي له عن ما يتوفر له من مواد تكفيه للعيش في الحصار قال
" في نقص كبير في المواد حتى الاكل صار رفاهيه وحليب الاطفال شبه معدوم من حوالى
اسبوع والمياه ملوثه وصار فى حالات تسمم كما اننا نعيش فى ظلام دائما لأنه لا يوجد
كهرباء ".
واخيرا يقول " احنا عايشين بنودع بعض دائما فى موت ونحنا بدنا نخلص منه،
فقط سيارات الاسعاف والدفاع المدني هم بس الى بيتنقلوا بين الاحياء، لكنهم غير قادرين
على عدد الشهداء والجرحى لكثرتهم حتى الأهالي ما عم يلاحقوا انه يدفنوا اقربائهم ".
انتهت مكالمتي وكان من المفترض ان يخرج في اليوم التالي من حلب وحدث ما كان
متوقعا بان اغلقت الممرات واستمر القصف فلم يستطع احدا من المدنيين ان يخرج، وقال
" بتسألوني عن وضع حلب .. هذه هي حلب خلال الساعات الأخيرة قبل مغادرتها .. حدائقنا
أصبحت مقابر .. وهون رح نترك أغلى الناس على قلوبنا ".
فى اليوم التالي وتحديدا 16/12/2016 انقطع الاتصال معه كليا حتى حبيبته التى
تقبع فى تركيا لم تستطع التواصل معه ولم يكتب على صفحته سوي كلمات اخيره قبل اختفائه
" ما زلت حتى الآن داخل أحياء حلب المحاصرة، نسبة من غادروا كأقصى حد لا تتجاوز
10% من سكان الأحياء المحاصرة في حلب، تم اليوم احتجاز قافلة
تحتوي 400 شخص تقريباً، معظمهم نساء وأطفال وذلك بكمين محكم بوجود عدة دبابات، استمر
احتجاز المدنيين لمدة أربع ساعات رأؤوا فيها الموت بأعينهم! ياعالم ياناس ياهووو !
يا أمم متحدة يامجلس الأمن ياحكومات وياشعوب العالم نداء استغاثة من 50 ألف مدني محاصر
بمدينة حلب، ضمانات جدية وحقيقية لخروجنا الآمن من المدينة وإلا رح يتم تصفيتنا كلنا! أخروجنا من هذا الجحيم !!! ".
ولم نتواصل معه سوي يوم خروجه 19/12/2016 حيث كان يشعر بمدى القهر وهو تاركا
ورائه مدينته وببيته وذكرياته وكل ما يملك فى الحياه قائلا " سأُهجّر قسراً من
مدينتي التي ولدت وعشت فيها، وبلا أمل بالعودة، الساعات الأخيرة لنا الآن في حلب، خليط
من المشاعر بين الفرح والحزن والخيبة والألم، فرح النجاة من هذه المحرقة لمن بقي حياً،
وحزن على المغادرة الأبدية! لنا نحن أبناء هذه المدينة
سامحوني يا أهل حلب .. سامحونا على كل أخطائنا .. بتمنى من كل قلبي السلامة
والراحة لكل أهالي المدينة اللي رح يبقوا فيها خاطرك ياحلب ".
" صباح القهر، لذاك
المُهجّر الذي ضاقت به الأرض " بتلك الكلمات وتحديدا يوم 25/12/2016 انهى حليم
قصته وقصة كل مهجر من بلده، حيث استطاع ان يختصر كامل المعاناة في ثماني كلمات، وهو
الان خارج حلب لا يعرف أي مصير لمستقبله الذي بات مجهول، وبتاريخ 3/1/2017 وصل
حليم الى عنتاب غازى بتركيا اخيرا الى حبيبته التي سبقته في الهجرة.
للعوده الى باقى الملف من هنا