الخروج من الحصار لم يكن نهاية المتاعب، فلا زال هناك شقاء ينتظرهم بالخارج، إما البقاء بريف إدلب وهيا المنطقه التى نزح فيها معظهم المهجرين أو الخروج نهائيا
من سوريا.
فى هذا التقرير ضمن ملف "حلب تتحدث" تواصلنا مع باسم أيوب
وصديقه لؤي بركات اللذين خاضا تجربة التهريب مع إحدى العصابات إلى تركيا ليحكيا
لنا ما حدث.
" كنا شبه مخطوفين بعصابة
مافيا بتشتغل بموضوع التهريب وما حسينا فى البداية بأى شي "هكذا بدأ باسم
حديثه معنا عن رحلته الطويلة التى استغرقت عدة أيام.
يتابع "باسم": بدأت القصة بعبور نهر العاصي، حاولنا نطلع بعد
أكثر من محاولة فاشلة، وفى المرة التاسعة استطعنا الخروج فيها من المنطقة بعدما
أخبرنا المهربون أن المسافة التى من المفترض أن نقطعها مشيًا هى 300 متر، وهناك
سنكون وصلنا إلى الطرف التركي، وسنجد فى انتظارنا سيارة تركية ستنقلنا إلى عنتاب
غازي.
ويكمل باسم "تفاجأنا بعدها أنه نهر العاص عرضه 25 مترًا، ثم
مشينا كثيرا وفجأة تركنا المهرب بحجة أنه جاله تلفون أنه لازم يروح لأمر ضروري مهم، وبعدها راح يرجعلنا ولكنه فص ملح وداب وما عاد رجع".
يقول باسم: إنهم اضطروا أن يكملوا هذا الطريق بمفردهم بدون
المهرب، لم يكن باسم ولؤي فقط هم الموجودين ولكن كان معهم عائلتان بأطفالهما،
وبحسب ما حكاه باسم كان الطريق صعبا جدا خصوصا بسبب الوحل لأننا فى فصل الشتاء وهو
ما مثل عائقا كبيرا فى الطريق، وهو ما اضطر الجميع لخلع أحذيتهم لإكمال الطريق.
ويكمل: "بعدما وصلنا للطرف الثانى فوجئنا أنه ما في سيارة
ولؤي كان معاه تلفون تركي، واتصل على المهرب ولكن لا فائدة، بعدها وصلنا لمنطقة
فيها الحرس التركي وكان في سياره تبع الحرس بتتحرك فوق وتحت لتأمين المنطقه وكنا
بنتخبى بين الحفر والاشجار حتى ما تشوفنا ".
يحكى لؤي قائلا: "الشيء الوحيد المفيد بالرحلة أنه كان
معنا خط تليفون تركى، وتواصلنا مرة ثانية بالمهرب وأعطانا رقم الطرف الثانى الى
بيستنانا بالجانب التركي، كنا بنتصل بيه ويؤكد انه شايفنا وانه راح يقطع الأسلاك
حتى نمر ولكن كان كذاب وبعد ساعة من الانتظار ما اجى ولا شوفناه ".
فى تلك الأثناء كان الوضع بحسب ما حكاه الصديقان مزريًا جدًا خصوصا على
النساء والكبار فى السن مما اضطر لؤي إلى أن يذهب بنفسه للبحث عن مخرج ويقول:
"بدأت أنا أدور بنفسي على منفذ نعبر منه وبقيت حوالى نصف ساعة وكان معنا 3
عائلات معهم اطفال اعطيناهم منوم وبدا مفعوله ينتهى وبداو الولاد يفوقوا وصار
الوضع كتير مذري فكان لازم نطلع فى اسرع وقت وكمان نور الشمس ابتدى يطلع، وفعلا
لقيت فتحه بس كان يادوب يمر منها طفل، بس حاولنا لغاية ما مر منها الجميع.
هنا يكمل باسم " ما بنصدق كيف قدرنا نعبر من الفتحه والحمد
لله قدرنا نفلت من سيارات الشرطة هناك قابلنا شخصين تبع عصابة المهربين قالوا لنا
اركضوا فى سيارتين بانتظاركم، وسرنا باتجاه بستان شجر زيتون وقالوا لنا عشر دقايق
وراح تيجي السيارات، احنا خرجنا من الفتحة حوالى الساعة 3 ونصف ووصلنا الى الشخصين
على 5 ونص ومن هذا التوقيت الى الساعة 8 ونصف لا زلنا ننتظر انتهاء هالعشر دقايق
تحت شجر الزيتون عم نستنى بس تيجي السيارة، وطبعا الجو كان قاسي كتير جدا برد وطين ".
وفى تلك اللحظة بدأ الوجه الحقيقي للمهربين يظهر ورفضوا نقلهم
الا بعد الاستيلاء على الأموال التى معهم ولكن بصورة لا تدل على أنها سرقة،
أخبروهم أن النقل سيتطلب 150 دولارا على الشخص، وأن الدولارات التى دفعوها للمهرب
بسوريا لا علاقة لها بهذه المرحلة وهنا بدا التفاوض لان الاموال معهم كان قد قربت
على النهاية.
يصف هذا المشهد باسم ويقول: " رفض اصحاب السيارات ينقلونا
وخبرنا إلى معانا أنهم بدهم حساب رغم أننا دافعين للمهرب بسوريا حسابه أننا نوصل
إلى أنطاكيا ودافعين الحساب كامل، فاضطرينا ندفع وصار بدهم 150 دولارا على الشخص
فاتفقنا معهم ان بدل من انطاكيا راح نطلع على غازى عنتاب لاننا ما معنا مصارى
كفاية الى معنا كله عطيناهم اياه وبصعوبة وافقوا ودفعت انا ولؤي 600 دولار وما
كانوا راضين بالاول وكان فى معنا شخص هو وزوجته و3 أشخاص تانين وبالعافية آخد
علينا 900 دولار حتى يوصلنا على غازى عنتاب، واخبرنا ان اول شي راح بس تطلعوا على
بيت تغيرو لبسكم وتغسلو الطين اللى عليكو حتى نقدر نكمل ".
يتابع لؤي الحديث قائلا: "وصلنا لهالبيت وبعدها
خبرونا أن فى سيارة راح تيجي من أنطاكيا بعد ساعة، وبعدها اكتشفنا أن كل
هالمماطلات كانت علشان بس ياخدوا منا كل ما نملك من أموال وبنتفاجئ أن السيارة إلى
خبرونا أنها جايه من أنطاكيا هيا أصلا راكنه فى ضهر البيت وكل هالقصه علشان ياخدوا
منا فلوس تانى".
ويتابع " وضعنا كان كتير صعب حتى نص النسوان
غسلت لبسها ولبسته مندى تانى بالبرد لان ما كان معانا اى لبس تانى، وقتها حسينا
انهم عصابه متكامله فخطر ببالنا اننا ناخد ارقام السيارات الى موجوده معهم وحددنا
موقعهم واخدناه على الجي بي اس وكمان التقطت صوره من الموبايل بشكل غير مباشر لـ3
من العصابة الى موجودين قدامنا وفى زعيم عصابه اتاكدنا منه ان هو الراس الكبير
فيهم ".
وهنا كانت المفاجأة خرج الصديقان وباقى من معهم
وعددهم 9 أشخاص فى سيارة صغيرة، وما أن وصلت إلى منطقة العثمانية أخبرهم صاحب
السيارة أنها النهايى، وأنه لن يكمل إلى غازى عنتاب، وقال لهم حين سألوه: "أنا شغلتى أجيرا وأنا واخد 300 دولار بس وانتو راح تطلعوا بالمكروباص وكل اللي حكاه
قدامكم الراجل الى جابكم كان حكى على الفاض".
ما كان منهم ألا أن استسلموا للأمر الواقع بعد أن
استطاعوا تصويره هو وسيارته برقمها الخاص، وبعدها أكملوا طريقهم إلى غازى عنتاب
مقصدهم الأخير بعد أن كلفتهم الرحلة كل ما يملكون فقد دفعوا 2500 دولار للمهرب
الأصلي بسوريا و900 دولار فى منتصف الطريق عند الحدود.
هنا سألت "باسم" عن الخطر الذى سيواجههم لأنهم دخلوا
البلد تهريب؟ فأخبرنى بأنه وصديقه معهم ورق إثباتى بتركيا ولكن ما دعاهم لهذه
المخاطرة هى انهم كانوا فى الأساس فى تركيا وعادوا إلى سوريا تهريب ليزوروا
اهاليهم وهنا بدأ الحصار فانحبسوا بحلب وكان لا بد أن يخرجوا بهذه الطريقة فلا
يوجد عليهم أي خوف".
وعن أرقام وصور العصابة المهربه قال لى باسم: إنه
قام بإرسالها لجمعية الاتجار بالبشر وجارٍ التحقيق فى الأمر.
فى النهاية قدم باسم ولوؤي رسالتهم لكل سوري يرغب فى
الهجرة مؤكدين ان الطريق صعب ولا يمكن ان يتحمله احد فالهجرة هى معبر آخر للموت
بحسب وصفهم قائين: "إحنا شباب وقدرنا نتحمل هالطريق بس كان الوضع كتير بشع
وعب على النسوان الكبار بالعمر كان معنا اتنين تقريبا 60 سنة، وكان معنا رجال عمرهم
70 سنة، اللى معه نساء وأطفال ما بننصحه أبدًا انه يتحرك لان على الشباب صعبه
فنصيحة لكل الإخوة اللى بيحب ياخد النصيحة ما حدا يطلع ويستهون بموضوع التهريب
حاليا، كمان رسالتنا للمهربين السورين كيف أن يكون فيه سوري مثلك ينهش بلحمك!".
للعوده الى باقى الملف من هنا