الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

بوابة العرب

"حلب تتحدث".. بالصور.. صحفي سوري: الحياة في المعبر كانت صعبة جدًا.. ووالدي مخطوف عند "داعش" منذ ثلاث سنوات.. وثقت معظم ما حدث بالكاميرا للتاريخ

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
اختلفت الآراء حول معابر الخروج الآمنة للمدنيين بحلب، فأتباع النظام قالوا إنها مؤمنة بحسب الاتفاقيات الدولية وأن الجميع خرج بسلام، وأتباع المعارضة أكدوا للعالم عكس ذلك، كل منهم حاول أن يثبت ما يقول سواء بصور أو فيديوهات حية صورت داخل المعبر. 

تواصلنا مع سراج الدين ضمن ملفنا "حلب تتحدث" وهو أحد المصورين الصحفيين والمهجرين من حلب، كما أنه كان يوميا يقوم بجولات تصويرية لما يحدث في المعبر ليوثق بالصور والفيديوهات حقيقة الأمر الذى اختلط على كل من لم يرَ بعينيه ما يحدث. 
قال لنا سراج في بداية حديثه الخاص مع "البوابة نيوز" عن رحلة خروجه هو شخصيا من الحصار: "نحن خرجنا الخميس الأخير من ديسمبر 2016 بعد انتظار استمر 50 ساعة واستطعنا أن نخرج بسياراتنا وليس بالباصات، تلك المدة كانت قاسية جدا ففي البداية كان الجو مستقرا ولكن بدأت الثلوج تتساقط وتصاحبها الأمطار، اضطررنا أن ننام في السيارات للتدفئة". 
ويكمل سراج عن حياة المهجرين داخل المعبر قائلا: "التهجير استمر قرابة الأسبوع وهناك الكثير قضي هذه المدة كلها فى الشارع، وسط البرد والأمطار والتشرد وذلك كان الحل الوحيد للخروج، المنطقة التي كان فيها المعبر هي منطقة الراموسة، فتلك المنطقة كل ما يحيط بها خال تماما من كل الخدمات بسبب القصف الشديد التي تعرضت له خلال الـ 5 سنوات الماضية، حتى المياه لم تكن متوفرة". 
ويضيف: "كان هناك بعض المؤسسات والأفراد يحضرون للناس فى الشوارع مياه للشرب وبعض المعلبات علشان الأكل، رغم أنه كان هناك تعسير وعرقلة كبيرة من قبل قوات النظام لعمليات الإجلاء، بمعنى أنه كان كل فترة يخرج باص أو قافلة واحدة، وربما أحيانا تكون القافلة جاهزة ورغم ذلك تعطل يوما أو يومين حتى يوافقوا لها بالسير، فبشكل عام كان الوضع صعبا وأيام كانت مرهقة جدا على الجميع". 
وعن المواقف المؤثرة إنسانيا داخل المعبر يقول سراج: "كان هناك الكثير ولكن بشكل عام أكثر موقف ربما أثر بداخلي جدا هو لامرأة مسنة ورجل كبير فالاثنان كانا غير قادرين على الحركة بشكل جيد، فذهبت ناحيتهما مسرعا وسألتهما "انو ليش بدكم تطلعوا انتو بإمكانكم تقعدوا ببيوتكم وحتى لو دخل النظام ماله مصلحة بالتعرض الكم"، فقال لي الرجل: "أنا ما بعيش بأرض بيحكمها بشار" وظلوا جالسين بالشارع على هذه الحالة قرابة الـ 8 ساعات بالأرض حتى جاء دورهم للخروج". 

رسالة اعتذار
"إلى أهل البيت نعتذر عن الفوضى التى سببناها فى منزلكم لتعويض الأضرار أرجو الاتصال على الرقم ….. ونعتذر منكم وشكرا".. 
تلك كانت العبارات التى التقطها باسم أيوب وسراج الدين وانتشرت فى الآونة الأخيرة على الإنترنت، أما عن قصتها فكانت أثناء وجود سراج وباسم فى أحياء حلب كانت بيوتهم قد تهدمت وكان يجب أن يجدوا مأوى لهم ليباشروا عملهم قبل التهجير، فعاشوا فى أحد البيوت التى تركها أصحابها إلى أن جاءت لحظة الصفر لخروجهم من حلب، فكتبوا تلك الكلمات على الجدار تاركين رقمهم. 
يقول سراج عن تلك القصة: "إلى الآن لم نستطع أن نصل لأصحاب البيت لتعويضهم وإعطائهم إيجارا على جلوسنا بمنزلهم، أنا أمتلك بيتين بحلب واحد تم تدميره بسبب القصف والثانى سيطرت عليه قوات النظام، وبسبب شدة القصف كنا نضطر نقعد ببيوت ليست ملكنا بس هالبيوت بمناطق آمنة نوعا ما حتى نباشر عملنا". 
بعدها افترق الصديقان فسراج ذهب إلى ريف إدلب أما باسم فقد انتقل إلى تركيا، وتواصلنا معه وحكى لنا عن رحلة خروجه من سوريا إلى تركيا ووثقناها ضمن ملفنا "حلب تتحدث". 

بين الابن ووالدته
فى إحدى الليالى شديدة القصف، دار بين سراج ووالدته حديث بسيط عبر الواتس آب أخذنا منه جزءا لنختم به حديثنا مع سراج بعد خروجه من حلب دون أن يمسه سوء، كانت المحادثة كالآتى: 
الأم: "الحمد لله خلفنا رجال.. الله يحميك يا رب، إن كان ولابد الموت لا تسلم حالك.. أنويها لله وأنوى الله يطعمك الشهادة، دير بالك ولا تخاف". 
سراج: "إن شاء الله.. ما تاكلى هم ما بسلم حالى أبدا". 
الأم: "لا تقنط من رحمة الله ما بعد العسر إلا اليسر.. وما بعد الشدة إلا الفرج.. وكم من فئة صغيرة غلبت فئة كبيرة بإذن الله.. والله مع الصابرين". 
بتلك الكمات الثابتة والقوية استطاعت الأم أن تشد من أزر ابنها، سألناه عن الموقف فقال: "هي كانت عبتسألني عن الوضع عنا بحب فحكيتلا على الموضوع وعن كثافة القصف والهجوم، فقالتلي انو شيل سلاح ودافع عن حالك وما تسلم نفسك أبدا". 
اختطاف الأب
وحين سألته عن مدى ثبوتها فى الكلام فاجأنى سراج قائلا: "الله ابتلاها سابقا باختطاف والدي وصبرت وصبرتنا، هي إيمانها قوي والحمد لله بتقللي أنا ببيع وبشتري مع ربنا وأنا بعتك اله". 
كان من الطبيعي أن أساله عن قصة اختطاف والده فأخبرنى أن عملية الاختطاف كانت بتاريخ 11/11/ 2013 على يد عصابات داعش، يقول سراج: "عاد من السوق وكان يحمل معه موزًا وتفّاحا، مرّ على والدته بدايةً فأعطاها قسمًا، وخرج من عندها من حي “الصالحين” في طريقه إلينا ونحن ننتظر". 
يكمل: "الساعة أصبحت الثامنة مساءً ومن حيّ “الصالحين” إلى بيتنا نصف ساعة أو ربما ساعة كأقصى تقدير، ولكن مرت 6 ساعات ولم يعد، حاولت ان أتصل به ولكن كان هاتفه خارج التغطية ربما فرغ شحنه أو ربما لا يوجد تغطية فمعظم أبراج الشبكة تم قصفها، حاولت أن أجد مبررا للتأخير ولكن دون جدوى فالسماء أظلمت وفرغ المصلون من أداء صلاة العشاء منذ أكثر من ساعة هذا يعني أنّه إن كان في المسجد فقد أنهى صلاة العشاء". 
ويتذكر سراج قائلا: "منذ أيام قبل الخطف جرت مشادّةٌ كلاميةٌ بينه وبين أحد عناصر داعش الذين كانوا يسيطرون على الحيّ الذي أسكن فيه "البحوث العلمية في حي طريق الباب"، كانوا في ذاك المبنى القريب من بيتنا وكانوا يريدون سرقة بيت الجار بحجّة أنّه مرتد وبيته "فيء" - لأنه أُخِذ بدون قتال - انتهى الجدال بأن تركوا البيت دون أن يسرقوا منه شيئًا، وكنت أنا أقول له دائمًا لا تجادلهم فهؤلاء لا يخافون الله ولا يحكمون لا بشرع ولا بدين، فكان جوابه "من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان" وأنا أغير المنكر بلساني ولن أتوقف". 

يكمل: "في صبيحة اليوم التالي لاختفائه ذهبت إلى مقر داعش في الحيّ كان باستقبالي أبو القعقاع الليبي وأبو مريم التونسي كانا يعرفانه حقّ المعرفة فهو يؤمّ في مسجد الحيّ وزارهم في مقرّهم عدّة مرات لإصلاح ما أفسدوه وفي محاولةٍ لنصحهم بالكفّ عن أموال الناس وسلبها دون وجه حق، سألتهم عنه فأجابني أبو مريم "أنا لا أعرفه"، فقلت له كيف لا تعرفه وهو منذ يومين كنتَ في بيته وكنتما تتكلمان عن مشاكل الحيّ أدار ظهره وغادر وطلب مني الانصراف، سألت أبا القعقاع فأجاب أنه لا يعرف أين هو، ألححت عليه بالسؤال وهو يصرّ على جوابه بأنّه لا يعلم، ثمّ هدّدني بأنّي إن لم أنصرف فسيعتقلني. 
فى تلك الأثناء تذكر سراج صديقا له كان انضم إلى داعش وكان يعتقد أنه سيساعده متمنيا أن يكون لم يفسد فكره حتى هذه اللحظة، كان لقب هذا الصديق بعد انضمامه لداعش "أبو بكر الأنصاري" وأخبره أبو بكر وقتها أنه سيسألهم عنه وأن أشخاصًا آخرين قبل أيامٍ كانوا يسألونه أيضًا عن عبدالوهاب ملّلا الذي خطف أيضًا من قبل داعش. 
يكمل سراج: "انتظرته يومين ثمّ عدت إليه مرةً أخرى قال لي "أخبروني أنّهم لم يختطفوه ولكنّهم كاذبون سألتهم عنه وسألتهم أيضًا عن عبدالوهاب ومن ثمّ بعد قليل رأيت عبدالوهاب وقد كانوا يقودونه من زنزانةٍ لأخرى لا تصدّقهم إن أخبروك أنّهم لم يختطفوه لقد اختطفوه وهو عندهم". 
يقول سراج: "هددوني بالقتل والاعتقال عدة مرّاتٍ لذلك عارضت أمي أن أخاطر بنفسي مرةً أخرى فقد فقدت عزيزًا ولا تريد أن تفقد آخر، كلّ يوم وعلى مدار شهرٍ أو ربما شهرين تتوجّه أمّي إلى محكمتهم التي كانت في الحيدرية ومن قاضٍ إلى آخر بعد عدّة جولاتٍ وسجالاتٍ قال لها أحد القضاة إنّ مجموعة من “الليبيين” ألقي القبض عليهم بتهمة الخطف والقتل، وكانت تهمة من قتلوه جاهزة" شبهة رده "اعترفوا أنهم قتلوا 7 أشخاص من أهالي حيّنا لكنهم لم يذكروه ونفوا أنهم قد قتلوه ولكنّي أعرف أولئك الـ7 جيدًا هم أصدقاؤه كانوا قد اختطفوا قبله بأيامٍ وأسابيع".
بعد أيامٍ أُفرِج عن المجموعة المتّهمة بالقتل وعادوا إلى الحي مره أخرى بحسب رواية سراج يصولون ويجولون فاضطر سراج للخروج من الحيّ خوفًا من انتقامهم لأنّ أبا القعقاع أقسم ومن معه أنّهم سينتقمون منهم لأنهم كانوا سببا فى وضعهم بالسجن تلك الفترة. 
يتابع سراج: "بعد المعركة التي حصلت في حلب ضدّ داعش وارتكابها مجزرةً في مشفى العيون ذهبتُ إلى المشفى أبحث في وجوه الشهداء علّي أجده ولكن دون جدوى، بعد سنةٍ من اختطافه أخبرني رجلٌ كان قد خرج من سجون داعش ”أنه رآه في سجن الباب وكان هذا آخر خبر". 
ويختم سراج حديثه قائلا: "والدي مازال إلى اليوم مختطفًا اليوم وبعد ثلاث سنين مرّت دون أن أراه مازال في القلب جرحٌ ينزف، ومازلت أراه كل مرةٍ في المنام فأرتمي بأحضانه وأبكي وأدعو الله دائمًا أن يتقبله من الشهداء إن قتل أو يجمعنا به إن كان مازال على قيد الحياة".

للعوده الى باقى الملف من هنا