لم يكن حجرا ألقاه الرجل فى بحيرة راكدة..
ولم تكن ظاهرة صوتية بهدف لفت الانتباه
بل كانت «صرخة» فلسطينية وطنية بحجم الأزمة المتشعبة المتنامية المتمددة فى الجسد الفلسطينى الجريح الذى تضافرت عليه أمراض الزمان جميعها..
تلك هى المبادرة الصارخة لـ«محمد دحلان» التى جاءت فى وقت خيم فيه ظلام الفشل والانهزام والانكسار والانبطاح على الأجواء حتى تسلل اليأس والإحباط والقنوط إلى مفاصل القضية الفلسطينية..
كما القصص الأسطورية التى قرأناها صغارا.. يخرج هذا الفارس من بين الصفوف ممتطيا جواده شاهرا سيفه وصارخا فى الجميع.. أفيقوا أيها الرجال.. استيقظوا أيها النيام.. ألقوا جميعا بأجنداتكم تحت أقدامكم.. استرجعوا تاريخ النضال.. استدعوا من ذاكرتكم الضعيفة قصص الكفاح والتضحيات والدماء والشهداء.
لا تخونوا قضيتنا..
فهى من تجمعنا حولها ولها ومن أجلها..
كفانا خلافا.. كفانا انقساما.. كفانا قتلا وتقتيلا لأنفسنا بأنفسنا..
تلك هى الرسالة التى حملتها مبادئ المبادرة الدحلانية المكونة من تسعة بنود..
المصالحة الشاملة مع الجميع..
عدم تخوين أحد أو إقصاء أحد أو تلوين أحد..
قضيتنا جميعا وتحتاجنا جميعا..
لن يحترمنا أحد ونحن منقسمون..
لن يسمعنا أحد ونحن ثرثارون..
لن يساعدنا أحد ونحن مقتتلون..
كانت مبادرة الرجل نقطة فاصلة بين ما كان وما سيكون.
كلمات حق فى لحظات صدق.
ربما خلقت حالة من الحراك الوطنى.. ما أحوج قضيتنا إليها فى هذا التوقيت.
لقد نجح الرجل فى إعادة القضية إلى مربع مختلف تماما عما هو مخطط لها من قبل أعدائها التاريخيين والمحدثين والمحتملين.
لقد وضع الرجل النقاط فوق الحروف..
أرسل بحزمة من الرسائل إلى الجميع.. فهل التقطها هؤلاء.. كل هؤلاء؟
الفرصة ما زالت قائمة أمام الجميع كى ينجو الجميع وتعود القضية كما كانت فى صدارة قضايا التحرر العالمى.
فى صدارة اهتمامات وسائل الإعلام العالمية.
فى صدارة قلوب وعقول المخلصين للقضية الفلسطينية، وكذلك المعرضون عنها من جراء الانقسامات والخلافات الفاضحة من الجميع..
لا أسبغ القداسة ومسوح الحكمة على الرجل ولا أنزعها من الآخرين.. بل أحاول أن أتلمس الطريق وأنا أبحث عن بوصلة أهتدى بها صوب وجهتى الوطنية وأعنى هنا القضية الفلسطينية..
لقد وصل الإحباط إلى منتهاه ووصل اليأس إلى سقف التحمل البشرى.
فجاءت من حيث قدر الله تلك الصرخة الزاعقة المدوية فى سماء القضية الفلسطينية.. إنا منتظرون فهل أنتم تعقلون؟!!!!