تل اليهودية ببلبيس.. كَنز تجاهلته هيئة الآثار، ورمال التل تحكي عن أثر يوسف، تُعَدّ محافظة الشرقية من أكبر محافظات مصر مساحة، وتشتهر بالزراعة والخيل الأصيل، فضلًا عن كونها محافظة تشتهر بالآثار من مختلف العصور، ومن ثم تتسم بالأصالة والعراقة، تلك كل السمات تجعلها محط اهتمام من الدولة، ومدينة بلبيس الذي يقع بها "تل اليهودية"، تلك المنطقة التي يقال إنها تعود لعهد يوسف الصديق ونبي الله يعقوب، إلا أنها لقيت إهمالًا من هيئة الآثار وكل مسئولي الدولة.
"تل يهودية بلبيس" منطقة أثرية باعتراف هيئة الآثار تقع بقرية السلام مركز بلبيس محافظة الشرقية، المنطقة تتميز بأن تربتها من الرمال الناعمة وكأنها الماس، ترتفع عن الأرض ما يقرب حوالي 5 أمتار، وقال البعض إن مساحتها كانت تتجاوز الـ40 فدانًا، لتتقلص المساحة وتصل لحوالي 25 فدانًا، بعد اعتداء أهالي المدينة أو حتى من خارج المدينة، بالبناء عليها.
"التلة" آثارها تحكي عنها بأنها أُقيم عليها حيوات تعود لعصور متعددة، منها العصر الإسلامي، والروماني، والفرعوني، واليهودي، وغيرها لم نتوصل إليه، فيما أضاف مسئول بالبعثات وخبير بالحفريات في الشرقية، أن الهيئة قامت بعدة أبحاث وتوصلت لمعلومات بأن المكان شاهد على "محرقة اليهود" في العصر الروماني، بعد العثور على رمال سوداء بكميات كبيرة تشبه التراب المحترق، وتكون طبقات زيتية بعد إضافة المياه للرمال المحترقة، مما دل على احتراق أجساد بشرية.
وروى الحاج "محمد" 70 سنة من سكان قرية السلام، وتحديدًا منطقة التل، منذ فتح عينيه على الدنيا وجد التل، واكتشفنا أثرية المكان أثناء بناء مدرسة، لنجد بعد حفر التربة غرفًا صغيرة ومبنى يشبه الصومعة، ودرج وكأنها درج لبيت كانت به حياة، وجاءت هيئة الآثار وتم التنقيب ومن ثم العثور على تمثال الملكة" إيزيس" وهي ترضع طفلها حورس، وعلى الفور تم نقل التمثال للمتحف الأثري بتل بسطة.
وتسلمت هيئة الآثار المنطقة وعيَّنت 12 خفيرًا لحراسة المنطقة التي أصبحت بين عشية وضحاها منطقة أثرية خشيت الهيئة من التنقيب على آثار فيها، وبعدها أقدمت بعثة أمريكية لإجراء أبحاث ودراسة للمنطقة، وتم العثور على فواخير منقوشة وقِيل إنها نقوش بالكتابة الرومانية، فضلًا عن العثور على عملات معدنية عليها نقوش ورسمة الفراشة، وقيل إنها يهودية وتعود لـ4 آلاف عام.
اعتقادات، وربما تكهنات، اتفق البعض فيها على أن "تل اليهودية" هي مكان لإقامة نبي الله يوسف ولقائه أبيه نبي الله يعقوب بعد فراقٍ دامَ سنوات، وبعض الوثائق وأشهرها كتاب خطط المقريزي، يحكي عن إقامة يوسف الصديق والأسباط في التلة ببلبيس، فضلًا عن الكتب السماوية "التوراة والإنجيل والقرآن" ذكروا التل على أنها هي أرض "جاشان" والتي أقام بها يعقوب، وجاء ذكر ذلك في التوراة في سفر التكوين (يقول ابنك يوسف قد جعلني الله سيدًا لكل مصر أنزل إلي لا تقف فتسكن في أرض جاشان جوشن وتكون قريبًا مني أنت وبنوك).
وذكرت في القرآن الآية 41 من سورة يوسف: "واسأل القرية التي كنا فيها والعير التي أقبلنا فيها وإنا لصادقون"، وقيل إن نبي الله يوسف اختارها لطبيعة أرضها الخلابة، ولكي تحفظ بها الغلال.
وتعود تسمية المنطقة "بتل اليهودية " نسبة لشقيق نبي الله يوسف ورغم أن علماء الآثار لم يكتشفوا أي أثر يدل على فترة ولاية سيدنا يوسف كعزيز مصر، ولم يعثر على أي أثر للصوامع التي خبّأ بها القمح وأنها ربما قصص إسرائيليات، أو تكهنات حول ما ذُكر في الكتب السماوية، إلا أنه يرجح أن تلك المنطقة أو منطقة صان الحجر هي المكان الذي عاش فيه هو وأسرته.
وتزوّج من زليخة امرأة العزيز التي راودته عن نفسه، إلا أنها تابت إلي الله لتليق بأن تكون زوجة نبي الله يوسف.
ويذكر توافد أفواج أجنبية علي المنطقة لزيارتها من وقت لآخر، بعضهم من أحفاد نابليون بونابرت قائد الحملة الفرنسية في بعثة مكونة من 40 شخصًا، وآخِر بعثة كانت من حوالي 4 أعوام، وبعثة يهودية أخرى من اليهود قيل إنهم احتضنوا الرمال وبكوا نظرًا لقدسية المكان في التوراة عندهم.
وقيل أثناء وبعد ثورة يناير، نظرًا للانفلات الأمني، تم التنقيب عن آثار في المنطقة من قِبل اللصوص والبلطجية، ونهبوا بعض الكنوز الثمينة التي لا تعرف الدولة وهيئة الآثار عنها شيئًا.
حتى إن سكان المنطقة نقبوا بلوادر في بطن التل، ليتعرفوا على المكان ويكتشفوا بأنفسهم آثار يوسف وصوامع القمح المبنية، والتي سمعوا عنها بأنها جدار أسود مبني من الطوب اللبن، في بطن التل ومن المعتقد أنه كان لحفظ الغلال من أشعة الشمس والرطوبة، وقيل إن "بنيامين" أخا نبي الله مدفون بالمنطقة نظرًا لقدسية المكان "جاشان" وقتها، وجاءت الحكومة قبضت علي الأهالي وردمت منطقة الحفر مرة أخرى.
ولم يذكر أن وفدًا مصريًّا جاء لينقب عن آثار أو اهتم بالمنطقة بشكل جدي، وعلى النقيض لقي المكان اهتمامًا من الأجانب، وتساءل أهل المنطقة لماذا لم تفكر الدولة بإحاطة المنطقة بسور وتعمل على تجميل المنطقة وجعلها منطقة سياحية حقيقية، فضلًا عن التنقيب عن كل ما ترددت الحكايات عنه.