واصل الأزهر الشريف عقد لقاءات الحوار المجتمعي مع الشباب في مختلف المحافظات، حيث نظّم حوارًا مجتمعيًّا بمحافظة أسوان، اليوم الخميس، بحضور الدكتور عباس شومان وكيل الأزهر، والأنبا أرميا عبادي، ممثل الكنيسة، والدكتور أيمن عبدالمنعم، سكرتير عام المحافظة، وعن الشباب الطالب مينا أشرف، والطالبة فاطمة عبده عبدالرحيم.
وأكد المشاركون في الحوار أهمية استعادة القدوة لدى الشباب بعيدًا عن النماذج السلبية التي تقدمها وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي التي تعبر عن أراء وأفكار لا تسهم في تقديم رؤية حقيقية تعكس فكر وثقافة الشباب، مؤكدين أهمية القراءة في تثقيف الشباب وإشراف الأُسَر على اختيار الموضوعات التي يقرؤها الشباب لنستعيد منظومة القيم والأخلاق التي شوّهتها بعض النماذج التي تبث عبر وسائل الإعلام، مشددين على أهمية تنمية فكر وثقافة الاختلاف وتقبُّل الآخر والتعاون من أجل استعادة فكر وثقافة التنمية.
وقدَّم وكيل الأزهر التهنئة للإخوة المسيحيين بأعيادهم قائلًا: نقدِّم لكم التهنئة ولو كره الكارهون، مؤكدًا أنه من المعالجات الخاطئة في مجتمعاتنا هو الانشغال بأمور جدلية لا تنتهي، فبالأمس القريب كنا نهنئ إخوتنا المسيحيين بأعيادهم، ومع ذلك تخرج علينا أصوات تطالب بعدم التهنئة فهل تخيَّل هؤلاء أن الأزهر وكل العلماء يملكون الخروج عن الشريعة، لكن للأسف مَن يتحدث عن ذلك لا يتصدى لأمرٍ من تخصصه وليس مكلَّفًا بإطلاق حكم فيه، وقد استفز كبار العلماء هذا الأمر كثيرًا، إلا أن الهيئة حسَمَت الأمر وأكدت أن مثل هذه الأقوال التي خرجت من غير المتخصصين لتحريم تهنئة المسيحيين، أقوال باطلة لا تستند إلى دليل لا معقول ولا منقول.
وتابع: "أكدت الهيئة أن تهنئة المسيحين بأعيادهم من البرِّ بهم وهو في كتاب ربنا وهو إنفاذ لوصايا رسولنا بأقباط مصر خاصة، ومنها قوله (الله الله في أقباط مصر فإن لكم فيهم رحمًا ونسبًا) فالرحِم السيدة هاجر، والنَّسَب السيدة مارية القبطية، هذه وصية سيد الخلق ولا أظنُّ أن أحدًا من المسلمين أحرص على الشريعة ممن أُنزلت عليه، وتعلمون ما فعله أمير المؤمنين عمر بن الخطاب مع عمرو بن العاص وابنه الذي آذى قبطيًّا ومقولته الشهيرة (متي استعبدتم الناس وقد خلقتهم أمهاتهم أحرارًا) وأمر ابن القبطي بضرب ابن عمرو بن العاص، بل أمره بضرب عمرو نفسه، إلا أنه أبي، فالقضية حُسمت، ولا ينبغي لأحدٍ أن يتحدث فيها، فكيف لشريعةٍ أجازت لأتباعها الزواج من المسيحيات أن تَقبل بألا يهنئ الزوج زوجته".
وأضاف شومان: "مصر تمر بمجموعة من الأزمات وليست أزمة واحدة وتنتشر الشائعات بمعالجات خاطئة مثل ارتفاع الأسعار، وتروّج الشائعات بفشل وزير التموين مثلًا ويَعقدون المقارنات بينه وبين غيره، المسألة أعقد بكثير وليس من حق الناس البحث عن أساب المشكلة فالمسئولون هم مَن يبحثون، أما عامة الناس فواجبهم التخفيف من وطأة الأزمات مثل ترشيد الاستهلاك".
وأجاب وكيل الأزهر عن أسئلة الشباب، ومنها سؤال عن حقوق المرأة في الميراث قال: إن مسألة الميراث وحق المرأة، خاصة في الصعيد، يجب أن تتغير ففيها ظلم كبير وهضم لحقها، إلا أن انتشار التعليم ومعرفة الحقوق التي تولَّى رب العالمين تفصيلها في آيات المواريث حتى لا يترك محلًّا للاجتهاد أسهمت كثيرًا في وأد هذه المشكلة بنسبة كبيرة، فيجب أن يعمل العلماء على آلية التطبيق يبيِّنون أن هذا ليس اختيارًا أو فضلًا، أو أن إعطاء المرأة من الميراث عيب فهذا هو فعل الجاهلية. فلا يمكن بحال من الأحوال أن يعيش سليمًا مَن أكل حق أخته، وعرض على كبار العلماء قانون تغليظ العقوبة على مَن أكل حق أمرأة أو يتستر على فاعله وقد وافق الهيئة عليه، إلا أننا نريد أن نلتزم بشريعتنا.
وعن حق المرأة في الحصول على إجازة عدَّة على زوجها، قال: إن المسألة ليست فتوى؛ لأنها محسومة شرعًا، لكنها تحتاج لتشريع من مجلس النواب.
وعن تجديد الخطاب الديني قال "شومان": إن المسألة يتم تناولها بطرق مختلفة، حتى خرجت عن إطارها الطبيعي، ولم يفكر هؤلاء: ما معنى التجديد، لكن كل ما يعرفونه هو أن الأزهر لا يجدد، وهذا تناولٌ مضلّل، نتمنى ممن ينتقدنا أن يوضح لنا أمرًا نستفيد منه لكننا لم نجد منهم شيئًا، مؤكدًا أن الشريعة الإسلامية متجددة بطبيعتها، والثابت في شريعتنا أقلُّ من المتغير بكثير، وهناك ثوابت غير قابلة للتغيير، كما أن هناك كثيرًا من الأمور لا نهائية متغيرة طبقًا للزمان والمكان والأحوال، فهذه المسائل يجب على العلماء إعادة النظر فيها على فترات، مشيرًا إلى أن هناك متطفلين على الخطاب الديني يجب أن نستعيده منهم، والحقيقة الثابتة أن التجديد في الفكر لا في الثوابت، التجديد في كل الخطابات الفكرية الإعلامية والثقافية.
وقال الدكتور أيمن عبدالمنعم، السكرتير العام لمحافظة أسوان: إن اللقاء يهدف لوضع رؤية وطنية شاملة من خلال الحوار الوطني بين الشباب واستعادة منظومة الأخلاق في مواجهة الرياح المسمومة للإرهاب وتقوية الجبهة الداخلية للوطن وحمايتها من قوى التطرف والتعصب، موجهًا الشكر للأزهر الشريف على الجهود التي يقوم بها العلماء في توضيح المفاهيم التي تحقق الاستقرار والتقدم الحقيقي للوطن.
وأجاب د. أيمن عبدالمنعم عن خطة المحافظة للاستفادة من قدرات الشباب بالمحافظة، مؤكدًا أن هناك لجنة اقتصادية سيتم إنشاؤها بمحافظة أسوان لانتقاء مجموعة من حاملي الماجستير والدكتوراه للاستفادة منهم في جهود التنمية بالمحافظة، منوهًا بكثرة الموارد الطبيعية بالمحافظة وسيكون هناك تفاعل كثير وإيجاد فرص عمل للشباب.
وأعرب الأب أرميا العبادي، ممثل الكنيسة، عن سعادته لعقد الأزهر تلك اللقاءات الثقافية لتوضيح الرسالة الحقيقية للتعايش السلمي ين جميع البشر، وفقًا لما جاءت به رسالة الأديان السماوية، مشيرًا إلى أن الأديان جاءت لتوضح حقوق الإنسان وتحقيق السلام والعدل.
وأضاف أن الإعلام غير النقي يسهم في تكريس أفكار وثقافات وافدة ليس لها هدف إلا تخريب العقل المصري، وإذا أردنا خدمة وطننا يجب أن نعمل بجد وإخلاص، وأن نتخذ منهج الإبداع في خدمة وطننا، موضحًا أن الشباب هم مستقبل مصر، وكل خطوة يخطوها الشباب هي شجرة في بستان تقدُّم الوطن.