كل يوم لغز في سيستم عمل حكومة المرحلة، والغز يكشف عن عورة جديدة من عورات بلادتها المستمرة، الباعة الجائلين كنز نائم في مصر، اقتصاد معطل لا تحسن الحكومة استخدامه، تقريبا مليار و700 مليون جنيه حجم مبيعاتهم شهريا، في المقابل وعي غير كافٍ بالملف من جانب حكومة المهندس شريف/ التي لا تجيد البحث عن سيولة للميزانية العامة للدولة بحسب خبراء الذين أكدوا أن هناك موارد كثيرة لتنشيط الأوضاع الاقتصادية بالبلاد بدلا من القروض والسلفيات والزنقات.
الدكتور حمدي عرفة، خبير الإدارة المحلية، واستشاري تطوير المناطق
العشوائية، يقول هناك سوء تعامل حكومي ومتعمد مع ملف الباعة الجائلين،
لافتًا إلى أنه على الرغم من توفير بعض المناطق البديلة، مثل سوق الترجمان،
لكن ينقص تلك الأسواق البديلة جدية المسئولين، فالباعة الجائلين يحتاجون
إلى رعاية حقيقية من الدولة، تكفل لهم الحماية الاجتماعية.
ولفت
عرفة إلى أن مطالب الباعة الجائلين ليست صعبة التنفيذ، فهم يحتاجون إلى
توفير مكان يجذب المواطنين للشراء، محذرًا المسئولين من أنه إذا لم يتم
الاستجابة وبسرعة لمطالب الباعة الجائلين، ووضعهم في دائرة الاهتمام، فقد
يتسبب ذلك في احتجاجات واسعة من جانبهم.
وأكد عرفة أن اقتصاد الباعة
الجائلين يعد اقتصادا موازِيا للدولة يساعد على حركة التجارة الداخلية ولكن
يحتاج الي تنظيم حيث يبلغ متوسط مبيعاتهم 300 جنيه يوميا للفرد تقريبا
وبمعدل مليار و700 مليون جنيه شهريا، مشيرا إلى أن إجمالي عدد الأسواق
العشوائية بلغ ٣٢٢١ سوقًا أهملتها الحكومة تماما خلال الفترة الأخيرة،
مؤكدا أن عدم توفير أسواق للباعة الجائلين يضيع على الدولة ٤٤ مليار جنيه
سنويا لعدم وجود نظام للضرائب تستفاد منه الدولة، كما لا يوجد مظلة تأمينية
تحمي الباعة الجائلين وتنظم عملهم.
وأضاف: يبلغ عدد الباعة في مصر
نحو 5مليون و400 الف بائع جائل في 27 محافظه، لافتا إلى أن مجلس المحافظين
لم يقوم حتى الان بتفعيل قانون الباعة الجائلين رقم 105 لعام 2012م مما سبب
أزمه في البلاد من حيث تشويه المنظر الحضاري وسرقة التيارات الكهربائية
فضلا علي التكدس المروري وإعاقة المارة في مختلف الميادين والشوارع في ظل
عدم فعالية الأغلبية العظمى من رؤساء المراكز والمدن والأحياء من حيث
التعامل مع التنفيذين في شتى المحافظات في هذا الإطار
وأكد عرفة أن
إجمالي عدد الأسواق العشوائية، يبلغ أكثر من 3200 سوق، في 27 محافظة كنسبة
تقريبية، أهملتهم الحكومة تمامًا، فيما لا توجد إحصائيات حديثة في هذا
الصدد، ولذلك لابد أن يضع مجلس إدارة صندوق العشوائيات، التابع لمجلس
الوزراء، عدد من البرامج والمشروعات لتنفيذ خطة تطوير الأسواق العشوائية،
منها تطوير الموقع، وجمع المخلفات، وتحسين المنتجات، والإقراض والادخار،
وإنشاء نقابة للباعة بالأسواق، وإصدار قانون تنظيم الأسواق، وتوفير الخدمات
الصحية لهم.
وأضاف: "يجب الاتفاق بين صندوق تطوير المناطق
العشوائية ووزارة التجارة والصناعة لإنشاء أسواق حديثة متطورة بديلة
للأسواق العشوائية الموجودة، وأن يعد الصندوق خريطة قومية للأسواق
العشوائية، ودراسة عن الإطار المؤسسي بجميع الجهات ذات الصلة بالأسواق،
وإعداد الخطة القومية لتطوير الأسواق العشوائية، وأن يتم تكليف صندوق تطوير
المناطق العشوائية بحصر القرى ذات المنتج الواحد".
ورأى الدكتور
باسم حلقة، الأمين العام الاتحاد المصري للنقابات المستقلة، أن عدم احتضان
الدولة للباعة الجائلين يضيع على الدولة نحو 17% من إجمالي الاقتصاد المصري
نتيجة عدم وجود نظام يحتويهم ومظلة تأمينية ولا رعاية صحية ولا نظام
للضرائب يسير عملهم، لافتا إلى أنه من المفترض أن تدعم الدولة لهؤلاء
الباعة الجائلين بأن تسهم في حل المشكلة بصورة كاملة وليست جزئية بتوفير
أماكن بديلة ولائقة لعملهم بما يوفر قوت يومهم، وبما لا يخل بالمظهر الحضاري
لمصر، مؤكدا أن حل المشكلة لا يكون بإنشاء الأسواق بطريقة جزئية وترك
الباقي يعملون بالشارع وإنما يجب أن تحتويهم الدولة بصورة كاملة وهو ما
يطبق داخل الدول الأخرى المتقدمة مثل الهند والصين وغيرها.
ولفت
حلقة إلى أن هناك مبشرات خلال الفترة المقبلة بحل أزمة الباعة الجائلين، لا
سيما أن قانون العمل الجديد الذي تعده وزارة القوى العاملة والذي من
المقرر أن يعرض على مجلس النواب يتضمن باب مخصص للعمالة غير المنتظمة مثل
الباعة الجائلين وهو أمر إيجابي في مصلحة أوضاعهم، مضيفا أن الرئيس عبد
الفتاح السيسي أشار إلى أهمية احتضان العمالة المصرية، مشيرا إلى أنه لا
يصح عقابهم.
وأكد الدكتور محمد الحكيم، استاذ هندسة النقل
بـجامعة الأزهر، أن فكرة وجود الباعة الجائلين في الطرق العامة أو على ناصية
الطرق أمر خاطئ تماما من الناحية الهندسية حيث أنه يؤدي إلى حدوث مشاكل
مرور كثيرة، كما يؤدي إلى إعاقة الطريق وتدافع المواطنين وغيرها من المشاكل
الأخرى وخصوصا أن الباعة الجائلين من ضمن الإشغالات التي تؤثر على الطريق
والحارات.
وأوضح الدكتور محمد الحكيم، أنه غير متفائل بحل مشكلة
وأزمة الباعة الجائلين بسبب المنظومة الخاطئة التي يتم فيها محاولة علاج
القضية بدءا من نزول حملة الإزالة للإشغالات وإنتهاء بدفع البائع الجائل
للغرامة، مشيرا الي أن البائع بعد أن يدفعها يأخذ بضاعته ويعود مرة أخرى
للمنطقة التي كان بها وذلك يعني فشل عملية احتواء الأزمة، مؤكدا أن حل
المشكلة يأتي من خلال التعامل الاجتماعي والإنساني معها فإذا كانت فكرة
جراج الترجمان فشلت يجب رؤية الأسباب ووضع حلول بديلة من خلال توفير مكان
جيد أو حتى فرصة عمل لائقة تعوض البائع عما تعرض له من خسارة جراء ذلك.
وقال
الدكتور صلاح هاشم، أستاذ التنمية والتخطيط، ورئيس الاتحاد المصري لسياسات
التنمية والحماية الاجتماعية: إن تعامل المحليات مع ملف الباعة الجائلين،
يتم بصورة عشوائية وغير سليمة، فعلى الرغم من توفير أماكن لبعض الباعة
الجائلين، إلا أنه تم إنشاء تلك الأسواق في أماكن بعيدة، وليس من السهل
الوصول إليها، كما حدث مع سوق الترجمان، الذي يحتاج إلى وقت حتى يشتهر،
ويأتي إليه المواطنون، في الوقت الذي يعد الباعة الجائلين من الفئات التي
لا تملك موارد مادية ملائمة تجعلها تتحمل تمويل المحال التجارية، ودفع
الإيجار والضرائب.
وحذر هاشم من تدنى الأوضاع في صفوف الباعة، وتابع:"
ذلك قد يجعل من الباعة الجائلين جزءا وشريكا أساسيا في أي اضطرابات قد تقع
داخل البلاد"، لافتًا إلى أن الحل الوحيد يتمثل في رعاية الدولة لهم،
وقدرتها على تحقيق الموائمة بين ما يدفعونه من ضرائب وإيجار ومتطلبات مادية
وبين ما يبيعونه.