يبلغ ولع العالم بتناول الموز إلى حد أنه لا يشبع منه ولا يمل، فهو أكثر الفواكه تصديرًا في العالم كما أنه أحد المحاصيل الرئيسية الخمسة في الدول النامية، غير أنه قد تكون هناك صدمة في انتظار العادات الغذائية في العالم، حيث إن محصول الموز كما يعرفه الغرب حاليًا يتهدده الخطر من جانب أحد الأوبئة.
ويتعرض صنف كافينديش الذي يمثل نصف إنتاج العالم من الموز، وما نسبته 99 في المئة مما تستهلكه الدول المتقدمة من هذه الفاكهة، للتهديد من جانب نوع من الفطريات اسمه العلمي "تروبيكال ريس 4"، الذي يؤدي إلى عفونة وذبول النبات، وهو سلالة متحورة من جنس من الفطريات الخيطية والتي تنتشر بشكل كبير في التربة أو بشكل مترافق مع النبات.
والمخاوف العالمية من هذا النوع من الفطريات تنبع من أنه حتى الآن لم يتم التوصل إلى علاج ناجع للقضاء عليه، وجاء في دراسة أعدتها منظمة الصحة العالمية التابعة للأمم المتحدة إنه في حالة تلويث الفطر مزرعة للموز "فيمكن أن يظل نشطًا في التربة لعدة عقود".
وتم اكتشاف فطر "تروبيكال ريس 4" في جنوب شرقي آسيا في التسعينيات من القرن الماضي، وانتشر منذ ذلك الحين في أفريقيا والشرق الأوسط، وفي حالة انتقال عدواه إلى الهند التي تعد أكبر منتج للموز في العالم، أو إلى الأكوادور وهي أكبر دولة مصدرة له في العالم، فإن تأثير ذلك يمكن أن يكون مدمرًا بالنسبة لهذه الفاكهة وللدول التي تعتمد عليها.
ويقول الخبراء إن المشكلة تفاقمت بسبب الاعتماد المفرط للاقتصاد القائم على الموز على صنف كافينديش، وهو تطور خلفته الثورة الخضراء التي سادت في الستينيات من القرن الماضي وأسهمت في زيادة الإنتاج الزراعي عن طريق استخدام الأسمدة الكيماوية والآلات الزراعية.
وتضاعف إنتاج الموز بأكثر من أربعة أمثاله خلال العقود الخمسة الماضية، حيث قفز حجم الإنتاج من 22 مليون طن عام 1961 إلى أكثر من 107 ملايين طن عام 2013، وهو آخر عام تدرجه منظمة الأغذية والزراعة في إحصاءاتها.
وأوضح الدكتور تشيكيلو أمبا وهو أحد خبراء الهندسة الوراثية في نيجيريا ويعمل لدى منظمة الأغذية والزراعة، أحد جوانب المشكلة بقوله إن "تطبيق الميكنة الزراعية يحتاج إلى نوع من التنميط بحيث تكون كل النباتات موحدة النوع ليسهل التعامل معها.
وقال أمبا إنه "إذا أردت أن تزرع نوعية أخرى من المحاصيل في حقل القمح الذي تقوم بزراعته، فيجب أن تراعي أن يكون هذا المحصول الآخر ينمو بنفس ارتفاع نبات القمح وينضج في نفس التوقيت وهكذا، وهذا التوافق المطلوب بين المحاصيل المختلطة يعرض نظامنا الغذائي للخطر، لأنه يمكن لمرض أو آفة واحدة أن يقضي على كل شيء.
وأضاف "إن ما حققناه من نجاح بزيادة الإنتاج أصبح يمثل لنا نوعًا من الكابوس".
ويقدر معهد "التنوع الحيوي العالمي"، وهو مركز أًبحاث يدرس دور التنوع الحيوي في تحقيق الأمن الغذائي، أنه من بين 30 ألفًا من أصناف النباتات التي يمكن أكلها وإجماليها 30 ألف نوع، تحتل أربعة محاصيل فقط هي القمح والذرة والأرز وفول الصويا ما نسبته 50 في المئة من المساحات المزروعة على مستوى العالم.
وفي محاضرة ألقيت مؤخرًا نقل كبير العلماء بمعهد "التنوع الحيوي العالمي" استيفانو بادولوسي عن دراسة أمريكية أجرتها عام 1983 "المؤسسة الدولية لتطوير الريف"، أنه تم فقد ما نسبته 93% من أنواع البذور التي كانت متاحة في 1903. وقال بادولوسي "لدينا أمثلة تاريخية عديدة توضح أهمية تعدد الخصائص الوراثية في النباتات، فمثلًا عندما تفكر في إيداع مدخراتك في مصرف، فسينصحك المستشار المالي دائمًا بأن تنوع من أوعيتك الاستثمارية".
وأشار إلى ما يعرف باسم "مجاعة البطاطس" في إيرلندا التي حدثت في القرن التاسع عشر، والتي تسببت في وفاة نحو مليون شخص، باعتبارها درسًا مستفادًا من أحداث الماضي، فوقتها تعرض محصول البطاطس في أنحاء إيرلندا لمرض أدى إلى تدميره، ومن أسبابه أن المحصول كان قوامه صنف واحد فقط من البطاطس.
وبالنسبة للموز تم توثيق أكثر من 1500 صنف منه، ومن غير المحتمل أن يستطيع أي صنف منها أن يشكل بديلًا لصنف كافينديش، ولكن هذه الأصناف يمكن أن تساعد على تطوير صنف مقاوم لفطر "تروبيكال ريس 4"، عن طريق استنباط نوعيات جديدة بشكل منتظم أو عن طريق الهندسة الوراثية.
وصنف كافينديش ذاته تم اختياره ليكون المنتج الشائع للموز في الستينيات من القرن الماضي، بعد أن تعرض صنف سابق كان شائعًا اسمه "جروس ميشيل" للفناء نتيجة إصابته بنوع أكثر قدمًا من الفطريات الخيطية، وكان المستهلكون هم الخاسرون من جراء هذا الوباء حيث أنه من الواضح أن صنف "جروس ميشيل" كان أفضل مذاقًا بكثير.
ويرى الدكتور أمبا فرصة في طيات هذه الكارثة المُحتملة، فيقول إن "صنف الموز الذي نتناوله ونحبه يتعرض للتهديد، ولكن بدلًا من أن يكون ذلك سببًا لليأس يجب أن يكون حافزًا لنا لكي نستخدم عقولنا ونستنبط أصنافًا جديدة تستطيع مقاومة هذا المرض، وقد تكون هذه الأنواع الجديدة ذلت قيمة غذائية أعلى".
ويدافع إيدي موكيبي وهو عالم نبات أوغندي عن الأساليب التقليدية القديمة في الزراعة، ويشغل موكيبي منصب نائب رئيس منظمة "الأطعمة البطيئة الدولية"، وهي حركة عالمية نشأت في إيطاليا وتدافع عن الأساليب الغذائية المحلية المتوارثة والزراعة بالطرق المستدامة والتي تحافظ على البيئة.
وقال إن "المزارعين الذين يمارسون الزراعة في مساحات صغيرة في أوغندا، استطاعوا حمايتها من الفطر القاتل عن طريق تطبيق أساليب الحجر الزراعي التقليدية، وإنه يتعين تبديل صنف كافينديش الذي يسيطر على محصول الموز بصنف آخر يكون أكثر تنوعًا".
وأضاف أن "الأشخاص الذين يأكلون الموز يستحقون تناول صنف أحسن مذاقًا من الصنف السائد حاليًا في المتاجر الأوروبية والأمريكية"، ودعا المستهلكين في الدول الغنية أن يجربوا مذاق أصناف أخرى من الموز تزرع في مختلف أنحاء العالم على نطاق ضيق وليس على مستوى تجاري.
واقتبست حركة "الأطعمة البطيئة" من قصة سفينة نوح اسم "سفينة التّذوق"، وهي عبارة عن كتالوج منشور على شبكة الإنترنت يتضمن مجموعة من منتجات الأغذية التي لا تعرف على نطاق واسع أو التي توشك على الانقراض، ويشمل الكتالوج حوالي 4000 نوع من مختلف أنحاء العالم، مع ترشيح 1600 نوع آخر لوضعها بالقوائم مستقبلًا.
وفي هذا الصدد يقول موكيبي "إذا كان الناس لا يريدون أن تختفي الأطعمة من على ظهر البسيطة، فيجب عليهم أن يغيروا سلوكهم وأن يكفوا عن كونهم مجرد مستهلكين، ويصبحوا مشاركين في إنتاجها، وهذا يعني المشاركة في إنتاج الطعام ابتداء من الاختيارات المسؤولة مثل شراء أصناف لا تنتج طوال العام أي في مواسمها الطبيعية، وأيضًا شراء أنواع محلية لا تنتج على مستوى تجاري واسع".