روسيا وتركيا أعلنتا وقف إطلاق النار فى سوريا، بعد اتفاق مع فصائل المعارضة الوطنية استثنى «داعش»، أو الدولة الإسلامية المزعومة، والنصرة باسمها الآخر فتح الشام.
أين العرب يا عرب؟ أين أهل سوريا الذين عرفتهم صغيرًا، كبيرًا وأحببتهم؟ أين الشرعية الدولية؟ أين الإنسانية؟
روسيا تنتقم من العقوبات الأمريكية بعد أحداث أوكرانيا التى شملت الدولة وأفرادًا فيها، وتركيا تحارب الأكراد وتخسر كل يوم. ثمة أسباب أخرى لكن ما سبق هو الأساس. روسيا الآن تنكر التدخل فى انتخابات الرئاسة الأمريكية والإدارة الأمريكية تطرد ٣٥ دبلوماسيًا روسيًا انتقامًا، فيما روسيا تنتظر دخول دونالد ترامب البيت الأبيض لفتح صفحة جديدة معه. تركيا رجب طيب أردوغان لم تعد دولة ديموقراطية، إنما هى تسير فى طريق دولة حزب واحد، دولة دينية ترفض أى معارضة.
ماذا فعل الروس فى سوريا حتى اليوم؟ هم قتلوا ألوف المدنيين ودمروا شرق حلب على رؤوس سكانها، ودعموا جانبًا واحدًا فى الحرب الأهلية التى انفجرت سنة ٢٠١١ ولا تزال مستمرة. الرئيس فلاديمير بوتين يعتقد أنه يستطيع إحياء الاتحاد السوفيتى باسم آخر، وله أطماع فى شرق أوروبا ووسطها وعملاء، كما أن له نشاطًا كبيرًا فى آسيا الوسطى، فى دول كانت فى أيام تعيها الذاكرة مستعمرات سوفيتية. طموحاته يحد منها ركود اقتصادى وموازنة تقشف.
حزب العدالة والتنمية بدأ بداية طيبة فى تركيا بعد سنة ٢٠٠٢، والاقتصاد التركى زاد نحو مئة فى المئة خلال سنوات قليلة. ماذا يحدث اليوم؟ بين أول ٢٠١٦ ونهايتها، هبطت قيمة الليرة التركية إزاء الدولار من ٢.٥ إلى ٣.٦، أى أنها فقدت أكثر من ثلث قيمتها. الاقتصاد التركى كله تراجع من نمو سنوى بحدود ١٢ فى المئة سنة ٢٠٠٨ إلى ثلاثة أو اثنين فى المئة هذه السنة.
لكن أردوغان فى وادٍ آخر، فالمحاولة الانقلابية الفاشلة فى يوليو الماضى أعطته فرصة لقمع المعارضة المنتخبة فى البرلمان وخارجه. هو عدل الدستور ليصبح «زعيمًا أوحد» جديدًا، وشن حربًا على الجيش والقضاء والأكاديميين ورجال الميديا وممثلى الأكراد فى البرلمان، وكل يوم نسمع عن اعتقالات جديدة ومحاكمات. إذا حدث زلزال فى الفيليبين تصدر الحكومة التركية بيانًا يحمّل الداعية فتح الله جولن فى الولايات المتحدة المسئولية عنه.
الأكراد فى تركيا غالبية فى شرق البلاد، وهم موجودون أيضًا فى العراق وسوريا وإيران بأعداد أقل، وما يفعله أردوغان الآن هو خوض حرب عليهم تتجاوز تركيا إلى شمال سوريا ويترك الاقتصاد التركى ينهار. أعرف أكرادًا كثيرين وأدين إرهاب حزب العمال الكردستانى، ثم أؤيد حق المواطنين الأكراد بحياة حرة كريمة فى كل بلد. هم ظُلِموا ولا يزالون يُظلمون، وأردوغان فيما يبدو يعتقد أنه يستطيع سجنهم فى معتقل كبير. السفير الروسى أندريه كارلوف قُتِل فى أنقرة قبل أيام، والقاتل كان شرطيًا تركيًا هتف: لا تنسوا حلب! اليوم حلب شبه مدمرة، ولعل الروس يأملون بوجود لهم فى شرقها، مع وجود الأتراك فى مناطق إلى الشمال داخل سوريا لمحاربة الأكراد لا لمساعدة المواطنين السوريين العالقين بين مطرقة النظام وسندان الإرهابيين.
هذا الوضع لا يمكن أن يستمر، وإنما ستدفع روسيا وتركيا ثمنه مع المواطنين السوريين جميعًا. أراه استعمارًا جديدًا باسم آخر، وأدين التدخل العسكرى من كل طرف فى سوريا، كما أسجل جبن الموقف الأمريكى، وباراك أوباما يهدد ولا ينفذ، وأعترض على تقاعس العرب جميعًا عن نصرة أهلنا فى سوريا.
ربما كنت أغلّب العاطفة على السياسة فيما سبق، إلا أن كل مَنْ يعرف سوريا مثلى يحن إلى أيام السلم الأهلى وهناء العيش فيها.
نقلًا عن «الحياة اللندنية»