الأحد 29 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

ومنين بييجى الشجن؟!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
سنة تسعين من القرن اللى فات.. كنا بنجرى على «كوبرى أخميم» عشان نلحق نلاقى مكان فاضى على قهوة «شرق النيل» نشوف فيها ماتشات كاس العالم.. مش كل الماتشات طبعًا.. لأ.. ماتش مصر.. هما تلات ماتشات بالعدد طبعًا فاكرينهم.. بس مش ده الموضوع.
الموضوع.. إن السنة دى بالتحديد كانت آخر سنة لينا فى الجامعة.. كنا من محافظات شتي.. ومذاهب شتي.. كل واحد فينا «راكب حصان خياله» وفاتح «زرار قميصه» وشايف إنه هيجيب الديب من ديله بعد ما يتخرج..
معظم الشلة كانوا من طلبة قسم الصحافة بسوهاج.. وهم الآن قادة صحف وفضائيات.. وأغلبهم أدركته حرفة الأدب.. شاعر، قاص، مسرحي.. ورغم أن كل واحد كان يا دوب اتنشر له كام قصيدة ولا كام موضوع صحفى فى جريدة محلية إلا أن الإحساس الغالب كان أننا سنفتح عكا.. وفى وسط حالة الثقة تلك.. وحالة النشوة «بجون مجدى عبدالغني».. كان يطاردنا عمنا سيد حجاب بمقدمته الإنسانية المدهشة لمسلسل ليالى الحلمية!!
«ومنين بييجى الشجن.. من اختلاف الزمن».. كانت «ما تسرسبيش يا سيننا من بين إيدينا» جملة خارج السياق.. مش مفهومة بالنسبة لأبناء جيلي.. ومن الطبيعى أيضًا ألا ننتبه لفكرة اختلاف الزمن..
لكن شيئًا ما.. كان يركبنا فى هذه الكلمات التى صاغها مبدعنا الكبير سيد حجاب.. وكلما مر عام.. اكتشفنا أن سحرًا غامضًا يأخذنا لفكرته التى لم نتبينها إلا بعد ٣٠ سنة تقريبًا.. هى عمرنا كله فى هذه المهنة الغريبة اللى اسمها «الصحافة» وفى هذه الدنيا الأغرب اللى اسمها دنيا..
أصبحنا فى نفس الموعد من كل عام.. ونحن نضحك على إحصاءات الصحف.. وتنبؤات العرافين.. وننظر بشغف للأبراج علها تخبرنا أن السنة الجديدة فيها شيء جديد.. وآخر المطاف نكتشف أن «سنة من العمر قد راحت.. وأن شيئًا فينا قد اختطف».
هل اختلاف الزمن معناه أن شعيرات بيضاء تسللت إلى فروة الرأس.. وترعرعت سنة بعد سنة حتى صارت «رأسًا».. مليون فى الميه «ما حدش فينا بص فى المراية وشاف صورته «بيضاء من غير سوء» فيكي.
فيه شيء غامض فى حركة الكون.. وتعاقب السنوات يجعلنا نقبض على دموعنا فجأة وهى تسرح على خدودنا فى مواجهة وداع عمر لا نريده أن «يتسرسب».
ياه.. طب هيه الدنيا حلوة قوى كده عشان نقفش فيها.. ولما نحس إنها تروح نختنق وننهنه كما الأطفال.
أظن أننى أدرك الآن ما كان يقصده عمنا سيد حجاب «باختلاف الزمن».. 
الزمن مش بس نتيجة على الحيط.. كل يوم تقع منها ورقة.. وحينما نكتشف أنه لا أوراق فيها نتحسر عليها.. الزمن بشر.. وحواديت.. ومشاعر.. وغالبا نحن نحزن لفراق مشاعرنا الأصدق.. نحن نبكى مشاعرنا ليس إلا.
وربما كانت جداتنا العجائز أكثر حكمة.. عندما اكتشفن.. أن السيدات اللاتى يذهبن لمواساة إحداهن فى وفاة قريب لها.. لا يبكين على «ميت».. لكنهن يبكين على حالهن.
البكاء الذى أقصده لا علاقة له بالندب، له علاقة بلسعة برد الشتا اللى بيفارق.. بندى الربيع اللى بيهل.. بغنوة لفايزة أحمد عن حبيبها اللى «شغلتله الطاقية وازاى ما يلبسهاشي».. عن «لمة صحاب حوالين عربية فول الساعة ستة الصبح».. عن «قعدة فى زهرة البستان» عن «خناقة بلا داع» مع زميل حوالين جون اتحسب غلط فى ماتش أهلى وزمالك.. أو أهلى وإسماعيلي.. أو أهلى وأى حد.
لو حبيت تحسب سنينك بالمشاعر مش هتخلص.. لكن الأكيد أنك مش هتقدر تحدد امتى ابتدت اللحظة دي وامتى انتهت.. اللى بيوجع إنك ما بتعرفش تستعيد المشاعر دى أيا كان نوعها حتى لو كانت مشاعر غضب.
كل شيء يبدأ «صغير» وبعدين يكبر إلا الحزن.. يبدأ كبير وبعدين يصغر حتى ينتهي.. علمونا كده طول عمرنا.. لكن يبدو أنه لا شيء ينتهي.. إحنا بيتهيألنا كده.
ما أظنه أن كل لحظة وداع هى لحظة لقاء جديد.. كل ساعة فراق هى لحظة عناق جديدة.. كل نهاية سنة أو حلم أو علاقة هى بداية لحلم جديد وسنة جديدة وعلاقات جديدة.. المهم إزاى نقدر نحافظ على مشاعرنا دون أن «تتسرسب منا».
سنة راحت.. مع السلامة.. بألف سلامة.. ما تعدش الأيام.. تعاديك.. هما قالوها كده.. كل لحظة حياة جديدة.. وأكيد الجاى «أجمل م الرايح».