أقام عدد من المحامين، مجموعة من الدعاوى القضائية أمام محكمة القضاء الإدارى، بمجلس الدولة، أمس السبت، لوقف تنفيذ وإلغاء قرار مجلس الوزراء بالموافقة على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والمملكة العربية السعودية، وإرسالها لمجلس النواب، بالمخالفة لحكم محكمة القضاء الإدارى الصادر فى ٢١ يونيو الماضى ببطلان التوقيع على الاتفاقية، وحكم ذات المحكمة الصادر فى ٨ نوفمبر الماضى بإلزام الحكومة بتنفيذ الحكم.
وحملت الدعاوى أسماء المحامين «معصوم مرزوق وعلى أيوب وخالد على ومحمد كامل وعصام الإسلامبولى ومالك عدلى وطارق العوضى وطارق نجيدة وناصر أمين».
وذكرت الدعاوى، أن تجاهل أحكام القضاء الإدارى هو عدوان سافر من الحكومة على نصوص الدستور، واغتيال للمشروعية، واستخفاف أهوج بأحكام القضاء واجبة النفاذ، التى أكدت بطلان تلك الاتفاقية وألزمت المطعون ضدهم بتنفيذ حكم البطلان، مما يجعل تلك الاتفاقية والعدم سواء، خاصة أن المحكمة الإدارية العليا لم توقف تنفيذ تلك الأحكام ولم تلغها، بل حجزت القضية للحكم بجلسة ١٦ يناير ٢٠١٧.
وأشارت الدعاوى، إلى أن القرار يهدر نصوص الدستور من ناحية امتناعه عن تنفيذ الأحكام، لأن المادة ١٠٠ منه تنص صراحة على أن تصدر الأحكام وتنفذ باسم الشعب، وتكفل الدولة وسائل تنفيذها على النحو الذى ينظمه القانون، ويكون الامتناع عن تنفيذها أو تعطيل تنفيذها من جانب الموظفين العموميين المختصين، جريمة يعاقب عليها القانون، وللمحكوم له فى هذه الحالة حق رفع الدعوى الجنائية مباشرة إلى المحكمة المختصة. وعلى النيابة العامة بناءً على طلب المحكوم له، تحريك الدعوى الجنائية ضد الموظف الممتنع عن تنفيذ الحكم أو المتسبب فى تعطيله.
كما أن القرار يهدر حجية أحكام القضاء الإدارى، لأن الحماية القضائية للحقوق والحريات التى تكشف عنها أحكام القضاء تبقى «عديمة الجدوى» إذا لم توضع تلك الأحكام موضع التنفيذ لجريان آثارها فى مواجهة الكافة، بلوغًا للغاية المبتغاة منها وصونًا للحقوق والحريات، وضمانًا للعدل والسلام الاجتماعي، وإعلاءً لسيادة القانون، واحترامًا للدستور.
وأضافت الدعاوى، أن الحكومة بادرت لهذا المسلك بعدما أوصى تقرير هيئة المفوضين برفض طعنها وتأييد حكم بطلان الاتفاقية، وذلك لمحاولة خلق نزاع وصدام بين السلطتين التشريعية والتنفيذية لستر جريمتهما الفاضحة بالتنازل عن أرض مصرية، متجاهلين أن هذا القرار الطعين مخالف للدستور خاصة أن حكم القضاء الإدارى لم يبطل الاتفاقية لتوقيعها من رئيس الوزراء، ولكنه أبطلها لكون الأرض مصرية ولا يجوز لرئيس الجمهورية ولا رئيس مجلس الوزراء والحكومة، ولا رئيس مجلس النواب وأعضاء المجلس ولا حتى الاستفتاء الشعبى التنازل عن جزيرتى تيران وصنافير.
وأوضحت الدعاوى، أن الدستور منع السلطة التنفيذية من التوقيع على معاهدات يترتب عليها النزول عن جزء من إقليم الدولة، حتى لا تقدم على هذا العمل تحت ضغوط أو ملائمات سياسية، ذلك أن إقليم الدولة ليس ملكًا لها وإنما تلتزم فقط بحمايته وعدم التفريط فيه.
وتابعت الدعاوى: «كما منع الدستور مجلس النواب من الموافقة على أى اتفاقية من هذا النوع، لأن أعضاء البرلمان ينوبون عن الشعب، والشعب ممنوع بدوره من التنازل عن أرضه، وليس للنائب سلطة تزيد على سلطة الأصيل، ولم يجعل الدستور للشعب ممثلًا فى هيئة الناخبين سلطة الموافقة على التخلى عن أى جزء من إقليم الدولة فى استفتاء عام، لأن الدستور أوصد جميع الأبواب التى يمكن أن تؤدى إلى التنازل عن جزء من إقليم الدولة، وكل عمل حظره الدستور لا يجوز لسلطة أو لأحد أن يجيزه».
واستكملت: «فأرض الوطن لا تخص جيلًا واحدًا من المصريين، وإنما تخص الأمة التى عاشت عليها أجيال سبقت وستبقى مهدًا لأجيال قادمة يقع عليها أيضًا واجب الدفاع عن هذه الأمة امتدادًا لما كان عليه أسلافهم ممن بذلوا أرواحهم وأريقت دماؤهم واختلطت بتراب هذا الوطن حماية له ودفاعا عنه، لذلك منع الدستور التنازل عن أى جزء منه خاصة أن حماية إقليم الدولة ووحدة وسلامة أراضيه هو التزام وواجب دستورى وقانونى فى عنق كل مواطن من مواطنى الدولة أيا كان عمله أو موقعه داخل سلطة ما أو فردًا عاديًا».
وأشار المحامى حميد جميل البرنس فى دعوى أقامها أمس، أيضًا فى ذات الموضوع أن القرار الطعين صدر مخالفا لأحكام الدستور التى أوجبت تنفيذ الأحكام ومعتديا عدوانا صارخا على ما هو ثابت من حجية لحكم المحكمة مما يجعل قراره مشوبا بعيب جسيم ومعتورا بعوار مشين وموصوما بالتطاول والافتئات على ما هو ثابت للحكم الصادر من المحكمة من حجية مطلقة على الكافة واجب إجراء مقتضاها وحتى لا تصبح سيادة القانون مجرد شعار للمفاخرة، ولم يقتصر الأمر على اعتداء المطعون ضده الأول (رئيس مجلس الوزراء) على حجية الأحكام القضائية بل شاركه فى ذلك المطعون ضده الثانى رئيس مجلس النواب الذى طالب بعرض الاتفاقية الباطلة على مجلس النواب لمناقشتها والتصديق عليها، فالدستور حدد اختصاصات رئيس الحكومة وليس من بين تلك الاختصاصات العدوان على حجية الأحكام والتطاول عليها، كل ذلك يجعل القرار الطعين والعدم سواء وعقبة عديمة الأثر، ولكل صاحب شأن إلا يقيم وزنا لها ويتعين على المحكمة إزالة تلك العقبة من طريق الحكم حتى يؤتى ثماره بتقديم الحماية القضائية إلى من لاذ بالقضاء واحتمى به.
وأضاف «البرنس» أن عدم تنفيذ الأحكام يمثل انتهاكا للشرعية الدستورية يضربون فيه المطعون ضدهما أسوأ المثل للمتقاضين بالتهرب من تنفيذ الأحكام التى جعل الدستور الامتناع عن تنفيذها أو تعطيل تنفيذها من جانب الموظفين العموميين المختصين (مهما علا قدرهم فى سلم السلطة التنفيذية) جريمة جنائية وللمحكوم له أن يستصرخ القضاء للاقتصاص منهم، حيث أن القرار الصادر من المطعون ضده الأول لا يستطيع أن ينشئ حقا أو يهدره بالمخالفة لصريح الأحكام الأمرة للقانون والمتعلقة بالنظام العام القضائى والنظام العام الإدارى والمساس بحجية حكم صادر من هذه المحكمة لم يلحقه إلغاء أو تعديل من المحكمة الإدارية العليا وهو ما يثير مسئوليته إزاء تعمده مخالفة الدستور مخالفة جسيمة مع التظاهر باحترامه وليس الالتزام به وتلك صور الانحراف بالسلطة.
وتابع: «أن عدم مشروعية القرار الطعين لعيب الانحراف بالسلطة، حيث أن المطعون ضده الأول انحرف فى استعمال سلطته بلجوءه إلى إصدار قرار يهدف من ورائه إلى الوقوف ضد تنفيذ أحكام قضائية حازت قوة الشيء المقضى به، والقرار الطعين بإحالة الاتفاقية إلى مجلس النواب لمناقشتها والتصويت عليها بعد صدور حكم قضائى (لم يوقف تنفيذه) ببطلانها، هو قرار مخالف لهذا الحكم ومحاولة للتحايل على تنفيذه ويعد مخالفا للقانون مما يستوجب إلغاء القرار الطعين المخالف للحكم القضائى لأنه قرار غير مشروع مشوب بعيب الانحراف فى استعمال السلطة، وحيث أن جهة الإدارة ينبغى عليها تطبيق القانون وفقا لإرادة المشرع وليس طبقا لما تراه هى، حيث يتوقف دورها على تطبيق القانون فحسب وإذا استهدف القرار إحداث آثار لم يريدها المشرع يعد ذلك انحرافا فى استعمال السلطة».
وفى سياق متصل، قال المستشار رفيق عمر شريف المسئول عن ملف «تيران وصنافير» بهيئة قضايا الدولة إن قرار الحكومة بإحالة الاتفاقية للبرلمان جاء تطبيقًا للمادة ١٥١ من الدستور المصرى الصادر فى عام ٢٠١٤ والذى يولى الاختصاص لمجلس النواب فى الموافقة على الاتفاقية أولا قبل رفعها لرئيس الجمهورية للتصديق عليها.
وأضاف «الشريف» فى تصريحات له، أن المادة ١٥١ من الدستور تنص على أن «يمثل رئيس الجمهورية الدولة فى علاقاتها الخارجية، ويبرم المعاهدات، ويصدق عليها بعد موافقة مجلس النواب، وتكون لها قوة القانون بعد نشرها وفقًا لأحكام الدستور، وتجب دعوة الناخبين للاستفتاء على معاهدات الصلح والتحالف وما يتعلق بحقوق السيادة، ولا يتم التصديق عليها إلا بعد إعلان نتيجة الاستفتاء بالموافقة، وفى جميع الأحوال لا يجوز إبرام أى معاهدة تخالف أحكام الدستور، أو يترتب عليها التنازل عن أى جزء من إقليم الدولة».