الأحد 24 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

أكذوبة الدعم وحكومة الأكاذيب

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
الدولار فى طريقه لتحطيم حاجز ٢٥ جنيهًا، المرتبات تعادل ٤٠٪ من قيمتها نسبة للعام الماضى، أسعار السلع والخدمات ترتفع يوميًا بل فى اليوم الواحد أحيانًا، اختفاء الأرز من الأسواق وأزمة السكر ما زالت مستمرة، رجال الأعمال وكبار رجال الدولة يعيشون وكأنهم قياصرة، شقق سكنية سعرها ٤ ملايين جنيه انتهى حجزها فى ساعات بينما نصف المجتمع تحت خط الفقر يتسولون المعيشة يومًا بيوم كانوا يعيشون فى حرب من أجل ثلاث وجبات انخفضت إلى وجبة واحدة حتى تكلفة الموت أصبحت مستحيلة.
كل تلك المصائب ورجال الدولة لا يتوقفون عن الكذب بأن مصر فى طريق الإصلاح الجرىء من أجل الفقراء.
آخر المصائب هو ما تنوى الحكومة فعله مع مطلع العام الجديد من رفع الدعم مرة أخرى عن جميع أنواع الوقود وهى أكبر كذبة صنعتها الحكومات المتعاقبة منذ أيام حكم الرئيس مبارك.
يقول د. عبدالخالق فاروق الباحث المعروف فى دراسة مهمة نشرها بجريدة اليوم الجديد عن أكذوبة دعم المنتجات البترولية ردًا على الحكومة والرئيس: 
مع صدور قانون الموازنة الجديد رقم ٨٧ لسنة ٢٠٠٤ الذى أشرف على إعداده وزير المالية المصرية الأسبق يوسف بطرس غالى بحيث يتوافق تصنيف الموازنة المصرية مع النظم الإحصائية المتبعة فى صندوق النقد الدولى، ظهر لأول مرة فى تاريخ الموازنات المصرية ما يسمى «دعم المشتقات البترولية» بقيمة تجاوزت ٤١.٠ مليار جنيه عام ٢٠٠٥/٢٠٠٦ ثم أخذ فى التزايد عامًا بعد آخر حتى تجاوز المائة مليار جنيه بحلول عام ٢٠١٢/٢٠١٣ فكيف جرى ذلك؟ وعلى أى أُسُس محاسبية أعدت الموازنة وهذا البند تحديدًا؟
إن توزيع استهلاك البترول فى مصر يتوزع بين قطاعات النقل (٢٧.١٪) والصناعة (٢٠.٧٪) والكهرباء (١٥.٧٪) ثم القطاع العائلى (١٢.٢٪) ثم تأتى بقية القطاعات، أما الغاز الطبيعى فإن معظمه يتجه إلى قطاع الكهرباء (٥٨.٢٪) ثم قطاع الصناعة (٢٩٪).
ومن بين كل قطاع الصناعة فإن هناك ٤٠ مصنعًا كثيفة استخدام الطاقة، أى المصنع الذى يستخدم ٦٦ مليون متر مكعب فأكثر سنويًا من الغاز أو ما يعادلها من المنتجات البترولية والكهرباء. وهذه المصانع تستحوذ وحدها على:
- ٥٥٪ من إجمالى الطاقة المخصصة للقطاع الصناعى.
- ٧٥٪ من إجمالى دعم الغاز الطبيعى.
- ٦١٪ من إجمالى دعم الكهرباء.
وبرغم ذلك فإن مساهمتها فى الناتج الصناعى لا تتعدى ٢٠٪، ومساهمتها فى العمالة الصناعية لا تزيد على ٧٪، والمشكلة أن هذه المصانع وهى تستحوذ على النسبة الأكبر من إجمالى دعم الطاقة، فإنها تقوم ببيع منتجاتها: الحديد، الأسمدة، الأسمنت، الألومنيوم وغيرها، بما يكاد يزيد على سعر بيعها فى الأسواق العالمية، فتحقق بذلك ربحًا مزدوجًا من خلال حصولها على أسعار للطاقة والمشتقات البترولية بأسعار محلية أدنى كثيرًا من الأسعار العالمية، ثم تقوم بإعادة بيع منتجاتها للمستهلكين المصريين بالأسعار العالمية.
ويكشف تحليل تطور الضرائب والإتاوات المفروضة على هيئة البترول والشريك الأجنبى مقدار العلاقة الطردية بينهما، والزيادة الكبيرة غير المبررة لما يسمى «دعم المشتقات البترولية». ولننظر معًا فى هذا البيان لنكتشف جوهر الخلل والتلاعب بالرأى العام المصرى فيما يسمى دعم «المنتجات البترولية».
إنه ومنذ عام ١٩٩٤ دخل على الخط جماعات مصالح جديدة من رجال المال والأعمال والمستثمرين العرب والأجانب، بعد أن قررت الحكومة المصرية بيع وخصخصة بعض آبار البترول، فبيعت إلى أمثال صلاح دياب ومحمد إبراهيم كامل ومحمد خميس، ومجدى راسخ، والمستثمر الكويتى المرحوم ناصر الخرافى وعشرات غيرهم، وأصبح هؤلاء قوة ضاغطة من أجل تصحيح الأسعار، وبيع منتجاتهم البترولية وفقًا للأسعار العالمية، وليس طبقًا لتكاليف الإنتاج المحلية، وساعدتهم فى ذلك عصابة كانت تحكم مصر برئاسة الرئيس الأسبق حسنى مبارك وأنجاله وأصهاره والرجل الغامض حسين سالم وآخرين. 
وهكذا يبدو واضحًا أن قضية «الدعم»، لا ينبغى التعامل معها ببساطة كما يبدو فى الخطاب الحكومى والإعلامى الرسمى «رفع أسعار المشتقات البترولية»، وإنما يتطلب الأمر حساب الأثر العكسى للقرار الاقتصادى على بقية مكونات دورة الإنتاج والتشغيل والأسواق.
وقد استمرت هذه السياسة المرتبكة والضارة، حتى بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير عام ٢٠١١، وظل العقل الحكومى يتناول قضية ما يسمى دعم المشتقات والمنتجات البترولية، بصورة فيها من التضليل، بأكثر ما فيها من العدل والإنصاف. 
والآن ينبغى أن نطرح السؤال التالى: كيف نعيد بناء وهيكلة قطاع البترول والطاقة كمدخل رئيسى للإصلاح الاقتصادى؟
بمعنى آخر: كيف نضمن أن تؤدى زيادة أسعار مصادر الطاقة والمنتجات البترولية للمصانع إلى تخفيض نسب أرباح هذه الشركات المغالى فيها، دون أن تنزل إلى مستوى نقل عبء هذه الزيادات السعرية على عاتق المستهلكين؟
هذا هو التحدى الحقيقى الذى يواجه الدولة الوطنية المصرية ورجال رسم السياسات الاقتصادية بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير، وهنا نقترح السياسات التالية:
أولًا: تطهير وتغيير سياسات التشغيل فى قطاع البترول.. لقد أدت سياسات التشغيل فى قطاع البترول على مدى الثلاثين عامًا الأخيرة، إلى تحول هذا القطاع من مصدر للثروة والدخل إلى عبء على الاقتصاد واستنزاف الجزء الأكبر من هذه الثروة من خلال ثلاث سياسات:
الأولى: سياسة التساهل فى الاتفاقيات مع الشريك الأجنبى، سواء فى حصص كل طرف أو بند استرداد التكاليف.
الثانية: سياسة تأسيس شركات كثيرة دون مبرر موضوعى، الكثير منها كانت مجرد واجهات من أجل إرضاء وإغواء كبار المسئولين فى الدولة وهيئاتها من خلال تعيين أبنائهم وأقربائهم بمرتبات كبيرة، واكتسابهم تبعًا لذلك لسياسات الوزير السابق سامح فهمى وجماعته، والصمت على فساده فى إدارة هذا القطاع. 
يكفى أن نعرف أن عدد شركات هذا القطاع أو الشركات المساهمة فيه تزيد على ٩٥ شركة، عشرون منها غير ذات جدوى اقتصادية، ومن صور تواطؤ بعض قيادات البترول أيضًا واستنزاف حقوقنا عبر عدة وسائل وإجراءات:
١ ـ التحايل فى حساب تكاليف الأصول الثابتة، حيث يجرى تحويلها إلى مصروفات تشغيل سنوية، فتحمل على بند استرداد التكاليف بدلًا من استنفادها.
٢ ـ المبالغة الشديدة فى حساب أجور الخبراء الأجانب «١٥ ألف دولار شهريا كأجور ومزايا عينية»، وبعضهم ليسوا خبراء حقيقيين فى مجال البحث والتنقيب وإنما هم طباخون. 
٣ ـ سيارات قطاع البترول وشركاته معفاة من الجمارك ويجرى استخدامها بصورة غير اقتصادية وكذلك وقود هذه السيارات.
٤ ـ خفض نسبة الإتاوات لصالح مصر من ١٥٪ قبل عشرين عامًا إلى ١٠٪ فقط.
على أي حال: كيف نطهر قطاع البترول والثروة المعدنية، ونعيد النظر فى سياسات تشغيله؟ 
لدينا هنا ثلاثة محاور ومستويات للعمل: 
المستوى الأول: طلب فتح باب التفاوض مع الشركاء الأجانب بشأن نظام الحصص التى يحصل عليه الشريك الأجنبى سواء من الخام المكتشف أو الغاز المستخرج، ولنا فى عدة دول قامت بهذا الاختيار وآخرها اليمن الشقيقة، ومن قبلها البرازيل والسودان وغيرهما.
المستوى الثانى: مراجعة عقود تصدير وبيع الغاز الطبيعى المصرى مع الدول المتعاقدة، خصوصًا وقد حكمت المحاكم المصرية بفساد التعاقد فى بعضها. 
المستوى الثالث: تغيير جذرى فى قيادات قطاع البترول، خصوصًا هؤلاء الذين ارتبطوا ارتباطًا عضويًا بسياسات الرئيس المخلوع فى قطاع البترول، أى قيادات الصفين الأول والثانى داخل هذا القطاع، مع تغيير هيكلى فى بنية هذا القطاع على المستويات الإدارية «الشركات والشراكة» والوظيفية، والمالية، بهدف تعظيم الفائض المحول من هذا القطاع إلى الخزانة العامة، مع ضم هيئة البترول إلى الموازنة العامة للدولة داخل قطاع الأعمال بالموازنة، لزيادة الرقابة المالية والإدارية على ما يجرى. 
وبعد هل تتوقف الحكومة عن الكذب أم تظل تتنفس كذبًا لصالح حفنة من رجال الأعمال المحليين والأجانب وكبار رجال الدولة وأبنائهم وأحفادهم وأصهارهم وجيرانهم والديليفرى اللى بيجيب لهم البيتزا؟.