الإثنين 18 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

مش آسفين يا مبارك "3"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
بطل العالم فى العشوائيات يعد «حسنى مبارك».. فى عهده ظهرت «المناطق العشوائية» بشراسة فى مصر أو لنقُل زادت وتضخمت، والتى وصلت إلى ١٢٢١ منطقة حسب دراسة صادرة عن الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء عام ٢٠٠٩ فى مختلف المحافظات.. وليست «الشعبية» لأن الفارق كبير، «المناطق الشعبية» القديمة التي تحوى التراث والأصالة والشهامة والمعنى الحقيقى «لابن البلد»، هى الحارة المصرية التى كتب عنها «نجيب محفوظ» وغيره من أدباء مصر ومثقفيها، والتى خرج منها العلماء والقادة والمثقفون والفنانون والعمال الذين بنوا الوطن، أما المناطق العشوائية فقد خلقت من رحم الفقر وعدم التخطيط والإهمال والفساد، من حاكم لم يشعر قط بالمسئولية عن الرعية، سكانها جاءوا بشكل عشوائى مثل المهاجرين الذين لا يشعرون أبدا بالانتماء للأرض التى يعيشون عليها، بل إنهم حاقدون على المأوى وعلى من اضطرهم للهجرة، لا يوجد رابط بينهم وكافرون بالقيم والمبادئ التى تحكم المناطق الشعبية أو الحارة المصرية الأصيلة، ولذلك تحولت هذه المناطق إلى وباء معدٍ ومؤذٍ للوطن كله، لأن الفقر جعل بعض أهلها وخاصة شبابها يشعرون بالضعف والإهانة والقهر، ومن ثم الشعور بالضياع واليأس الذى جعلهم يسلكون أى طريق ينتشلهم من ذلك، فكان الإرهاب طريقًا والبلطجة والأعمال غير المشروعة طريقًا آخر.. البعض وجد أن القوة فى الدين فقط وأن عدم التمسك بالدين هو سبب البلاء، فدخل المسجد أو هناك من أقنعه بالدخول، ومن هنا كانت الأرض خصبة وممهدة لجماعات التيارات الإسلامية المتطرفة فى التوغل إلى هذا المجتمع، غير براعتهم فى استخدام «الزيت والسكر». 
أحد المنتمين للإخوان اعترف فى أحد التحقيقات التى أجريت معه فى وقت سابق، أنه فى البداية انضم لهم بسبب الخير الذى كان يعم على الحى الفقير الذى كان يسكنه بمجرد ظهورهم، ولكنه ارتاب فى أمرهم ذات مرة، بعد الانضمام لهم عندما قال لأحدهم «فلان» فقير وعاطل أريد أن نساعده بعمل، فقالوا له إن عليه أن يعطيه مبلغًا كل فترة فقط، لا أن يمنحه عملًا، حتى يظل فى احتياج له، وينفذ ما يأمره به دائمًا، لأنه فى حالة العمل لن يكون تحت سيطرته ولا بد أن يظل دائمًا محتاجًا، وقال العنصر وقتها عرفت أنهم لا يعملون من أجل الله فقط، وإنما لهم مصالح أخرى، ولكنى خشيت على نفسى أن أتركهم حتى لا ينتقمون مني.
وقد نجحوا بالفعل فى استقطاب الشباب بهذا الشكل، فى ظل تراخى الدولة التى كانت تترك لهم الساحة يلعبون فيها كما يشاءون.. ومن قلب المناطق العشوائية أيضًا خرج البلطجية برعاية الدولة نفسها، والتى كان يستعين بهم مرشحو الحزب الوطنى فى الانتخابات وتستخدمهم الشرطة فى إجهاض مظاهرات المعارضة بالضرب والتحرش بالفتيات، فكانت الدولة فى عهد مبارك تبارك وجود البلطجية، حتى باتوا يسيطرون على الأحياء العشوائية، لدرجة أن بعض المناطق كانت الشرطة تخشى دخولها، والأمثلة عديدة «عزبة أبوالسعود» فى مصر القديمة، «عزبة مكاوي» فى حدائق القبة و«قلعة الكبش» فى السيدة زينب.. هذا على سبيل المثال لا الحصر، فى المناطق العشوائية كانت المخدرات تباع عينى عينك فى الشوارع.
حتى المناطق الشعبية أصابتها العشوائية فى عهد «مبارك».. فبسبب الرشاوى والفساد ظهرت البنايات غير المنظمة، والتى كانت تنهار على من فيها بين الحين والآخر، وبسبب تركها بلا أمن أو أمان، أو رقابة باستثناء بعض الوقت، كما أنها كانت فى عزلة اجتماعية وثقافية، فترعرع فى وادينا الطيب السفلة والأوغاد كما يقول شاعرنا الكبير «صلاح عبدالصبور».
وكما يقول رجال الأمن إن المناطق العشوائية فى مصر تعد مصدرًا أساسيًا للعناصر الإرهابية حتى الآن، بسبب سيطرة الإخوان والسلفيين والجماعات المتطرفة عليها من باب الفقر والبطالة وقهر السلطة، قد تكون المناطق العشوائية موجودة من قبل حكم مبارك، ولكنها تضخمت فى عهده وأصبحت قنابل موقوتة تهدد مصر كلها وقابلة للانفجار فى أية لحظة.
وفى عهد «مبارك».. كان للإخوان فرصة كبيرة فى القدرة على الاستمرار والتنظيم والتجهيز.. كون الإخوان إمبراطوريات اقتصادية كبيرة، وكان السجن بالنسبة لهم مجرد «تغيير جو».. فقد كان كل شيء محسوبًا ومتفقًا عليه، المعاهدات والاتفاقيات كانت تبرم بين الجانبين على تقسيم كعكة الوطن، ترك لهم الجامعات والنقابات ومجلس الشعب على فترات مثل برلمان «٢٠٠٥» والمساجد والأقاليم والمناطق العشوائية والاقتصاد، حتى يتركوه يحكم فى هدوء.. وهو ما جعلهم أقوياء ومنظمين وجاهزين للمواجهة والسيطرة على البلاد فى أى وقت.. وهو ما حدث.
صحيح أنهم كانوا فى الظل ولكنهم كانوا أقوى من أى حزب فى العلن.. وقد عمل مبارك طوال سنوات حكمه على تجريف الوطن من كل شيء، وخاصة تجريفه سياسيًا وثقافيًا، بتهميش الأحزاب وتجاهل المثقفين وجعل المعارضة هشة وضعيفة ومشكوكًا فى أمرها من الشعب، وهو ما دعم الإخوان بطريق غير مباشر، وجعلهم الأقوى على الأرض سياسيًا وتنظيميًا، كما دعم قدرتهم على التسلل لعقول وقلوب العديد من المصريين والسيطرة عليهم لأنهم يعرفون جيدًا من أين تؤكل الكتف.
وكان مبارك يستخدمهم دائمًا لقتل أى صوت معارض فى مهده، رغم أن هذه الطريقة فشلت فى سنواته الأخيرة، فعندما صعدت حركة «كفاية» إلى السطح، وبدأت فى إحداث حراك سياسي حقيقي فى الشارع المصرى وحشد الناس ضد مبارك وفكرة التوريث، استخدم مبارك عصا الإخوان فى انتخابات برلمان ٢٠٠٥ وأعطاهم ٨٨ مقعدًا، ولسان حاله يقول للمصريين الذين اقتنعوا بالحركة المعارضة الجديدة «أنا ولا هُما»، أى أنا أو حكم الإخوان.. لعبة خبيثة طالما لعبها بعد أن ورثها من «السادات»، ولكنها لم تنفع عندما فاض الكيل بالمصريين، فكانت ثورتهم العظيمة فى ٢٥ يناير ٢٠١١.
العزلة ذاتها تم فرضها على «سيناء».. ولكن بصورة أكبر وأخطر كثيرًا، فقد أهمل «مبارك» ونظامه سيناء إهمالًا مع سبق الإصرار والترصد، تجاهل أى تنمية، لا صحة ولا تعليم ولا ثقافة ولا مصانع ولا تجارة ولا زراعة، غير التخوين، فقد كان دائم الإشارة هو ونظامه إلى أن أهل سيناء مجرد بدو خائنين للوطن وتجار مخدرات وبشر، ونتج عن ذلك ملاحقات مستمرة من الشرطة لشباب القبائل بدعوى تجارة المخدرات أو الإرهاب.. كانت الفرصة ذهبية إذن أمام الجماعات الإرهابية للتوغل داخل سيناء واستقطاب عدد ليس قليلًا من أهلها وخاصة شبابها، وبالتالى السيطرة على مساحات كبيرة من الأراضى هناك، قد يكون بعض أهلها قد اتجه للتجارة غير المشروعة وقد يكون البعض تأثر بالفعل بالتطرف وزرع الكراهية، وانجرف خلف أفكار من نوعية أن المصريين يحتقرونكم ويكرهونكم، ويعتبرون أنكم لستم منهم، مما زرع الكراهية والحقد فى النفوس وكانت الفتنة والفرقة بين أهالى سيناء والشعب المصري.. ولكن فى الحقيقة فإن الخطأ ليس خطأهم، فهم لم يجدوا مدارس ولا مصانع ولا لقمة العيش.. فإنهم يشعرون بالغربة فى وطنهم بفعل فاعل، فهم من ارتكبت بحقهم جريمة.
«سيناء» هى خطيئة مبارك الكبرى، فقد تركها مرتعًا لكل طامع ومتآمر ومتربص، ترك أهلها فريسة للجهل والكراهية والتعصب، والوطن كله اليوم يدفع الثمن من دماء الشهداء.