وعلى مدى عدة سنوات ظل فرح أنطون الكاتب المسرحى الأشهر.. كما يقولون «نجم الشباب»، فمسرحياته كانت أكثر المسرحيات جذبا للجمهور رغم صعوبة المسائل التى تتناولها، ففى الفترة التى أعلنت فيها الحماية البريطانية على مصر وقصفت أقلام كثيرة وأغلقت كل صحف الحزب الوطنى وغيرها من الصحف المعارضة للاحتلال، فى هذه الفترة انغمس فرح فى عالم المسرح واتهمه البعض بأنه كان يقدم مسرحيات تجارية، لا يبالى فيها بالفن والأدب»، يقول أحمد أبوالخضر منسى فى كتابه المعنون «فرح أنطون كان فرح لا يبيع رواياته التمثيلية إلا بمائة جنيه وكان يقدم الرواية لجوق تلو الأخرى وعلى مسافات قصيرة، وقد أسرف فى هوى النفس فراح ينقاد لضرورات المسرح ليرضى منيرة المهدية والوسط الذى يحيط بها من الدهماء، وما كنت تسمع من الأدباء والعارفين بعلم فرح إلا التأسفات» (ص٣٧)، ويقول العقاد «كان فرح كاتبا على استعداد للرواية الفضلى وكانت ملكاته القصصية تظهر أحيانا فى مقالاته، فأحسن وارتفع فى رواية «أورشليم الجديدة»، ثم تقلبت به الظروف فكتب روايات متعجلة وكان عثاره أكثر من صوابه، وقد حضرت إحدى رواياته التلحينية فما صبرت إلا فصلا واحدا ولم أر فى موضوعها ولا فنها ولا غنائها ولا ممثليها ولا الجمهور ما يليق بفرح أنطون، وهى زلة نأسف لها ولكن علينا أن نذكر أنه كان يربح فى الرواية الواحدة ما يزيد على ربحه من كل مؤلفاته ومترجماته» (العقاد - مطالعات فى الكتب والحياة - ص ٦٩) وكانت «الجامعة» قد أغلقت، وساد الوسط الأدبى لغط كبير يقول إن أنطون أغلق الجامعة ليتفرغ لكتابة أكثر ربحا فى المسرح، وقالت مجلة الهلال «إن فرح قد فشل فى إصدار الجامعة بعد عودته من أمريكا لتكون كما كانت قبل سفره إليها، والحقيقة أن «الجامعة» كانت تتعثر من زمن بعيد، وأنا قد حظيت بامتلاك مجموعة من الطبعات الأولى لأعداد مجلة الجامعة، فلاحظت أن الجامعة فى عام ١٩٠٣ وهى السنة الرابعة قد أصدرت العدد السادس منها بينما الغلاف ملصق عليه قصاصة من الورق مكتوب عليها الجزء ٦ و٧ و٨ بما يعنى أن المجلة قد تعثر صدورها لزمن واستمرت متوقفة حتى نهاية العام، لتصدر العدد ٩ و١٠، ولاحظت أن هذا العدد قد صدر فى ٤٠ صفحة فقط بينما العدد السابق له صدر فى ٢٢٧ صفحة، والأعداد الأولى كانت تصدر فيما يقترب من خمسمائة صفحة. ثم وعد فرح قراءه بأنه اشترى مطبعة خاصة للجامعة وستقوم بأعمال تجارية وأنشأ مكتبة لبيع الكتب.. لكن المشروع تعثر فباع كل شيء وهاجر إلى أمريكا.
وبعد ذلك نحاول أن نقلب فى صفحات بعض مسرحياته، ففى روايته «أورشليم الجديدة أو فتح العرب لبيت المقدس والرجل المريض والإسرائيلية الجميلة» نقرأ فى مدخل الرواية «واأسفاه، عاد الغالب إلى عادات المغلوب، إن المادة قد قويت على الروح والمصالح على المبادئ والتقليد على الفكر والعقل، فهاتوا لنا مقاول هدم آخر، هاتى إلينا يا ملائكة السماء بطبيب جديد لمداواة هذه الحسناء المريضة، ولكن رحماكم أننا نشفق على جسمها النحيل وقلبها الرقيق وجمالها الساحر ونفوس الملايين المتعلقة بها».
والمسيحية أصبحت فى نظر فرح أنطون بحاجة إلى مدد جديد ويصيح «هات روحك يا بوذا لتعلمها الصبر والقناعة، هات فكرك يا كونفوشيوس لتعلمها الحكمة، هات بلاغتك الإلهية يا أفلاطون لتدخل إلى عروقها دم الفلسفة» (أورشليم الجديدة أو فتح العرب بيت المقدس والرجل المريض والإسرائيلية الجميلة فيها مطبعة الإسكندرية فبراير ١٩٠٤- ص ٤).
ونقرأ فى كتابة أخرى لفرح أنطون «ليست هياكل الأصنام والكعبة إلا أماكن للعبادة وما أصوات الأجراس إلا تسبيح بحمد الله القادر على كل شيء، وكذلك محراب الجامع والكنيسة والهيكل والصليب كلها ليست فى الحقيقة إلا أشكال مختلفة لحمد الله وعبادته».
وفى مسرحية «الوحش الوحش الوحش» نجد أن تاجرا قد تقدم بشهادات إلى مستر كلدان، فرد عليه كلدان قائلا «هل تريد أن أجعل خادما لى يجلب لى مثلها ومن بينها شهادة رئيس دينى كبير بعشرة ريالات فقط»؟، وفى إحدى رواياته يقف الممثل معلنا الطريق إلى مقاومة الظلم فيدعو قومه إلى تكوين جمعيات عمالية صناعية وزراعية وتجارية (أى نقابات)، ويقول إن هذه الجمعيات العمالية تحمل فى يديها قضيبا من حديد لتسوق به أمامها السياسة والساسة فى سبيل الارتقاء.. ويقول ممثل آخر «إن للتمدن الحالى آفات كما أن له حسنات، ومن هذه الآفات تمكين بعض البشر من دوس القانون استنادا إلى القانون وقتل حقوق الإنسان». استنادا إلى مبدأ حقوق الإنسان، والحقيقة أننى قد طالعت باهتمام العديد من مسرحيات وروايات فرح أنطون، وأعتقد أن أفضلها جميعا وأكثرها عمقا وقدرة على التحليل الاجتماعى مسرحية «الدين والعلم والمال».