فى عالمنا المفتوح على
كل الاحتمالات من أقصاها لأقصاها، أصبحت تربية الأبناء مهمة عسيرة على كل أبوين، واختلفت
الأساليب وتبدلت السبل التى اتبعها الأجداد والآباء فيما مضى مع صغارهم، ولم تعد أي
منها صالحا للنجاة بصغارنا من هلاك محقق وتطرف وتشوهات نفسية واجتماعية جسيمة إذا
لم نقم بالخيارات الصحيحة. كانت الأسئلة فى زمن الآباء والأجداد أكثر يسرا ومرونة،
ولم تكن ملقاة على عاتق الأب والأم بمفردهما ليقررا كل وفق قناعاته وخبراته
الإيجابية والسلبية، فالمجتمع كله كان شريكا فاعلا فى عملية تنشئة الصغار، بدءا من
الجد والجدة، الكل يشعر بالمسئولية تجاه الصغار، والصغار كلهم يتلقون نفس المبادئ
والقيم ونفس التعليم ونفس المواد الترفيهية، لا يتسلل لهم أحد بأفكار خبيثة ولا
كراهية مقنعة ولا تطرف مقيت مستغلا لحظات التمرد فى مراهقة كل صغير.
كانت الطريقة المثلى لضبط أى خروقات فى حياة أي طفل
هى الحسم المطلق، ومنع ما يراه الآباء ضارا ومؤذيا صحيا أو نفسيا أو قيميا، فإذا
لاحظ الأب صديق سوء يمنع الاختلاط به، ويكون بذلك قد قضى على المشكلة من المنبع.
نجحت هذه الطريقة فى إخراج أجيال من المواطنين
الملتزمين والنماذج المضيئة، كل فى مكانه، لكن محاولة تطبيق هذه الطريقة الآن ضرب
من العبث والمستحيل.
إن الانفتاح على العالم بأكمله أصبح في متناول طفل
لم يتجاوز الخمس سنوات عن طريق الهواتف المحمولة والإنترنت، وحتى فيما يبث من
أفلام سينمائية أو كلمات أغاني التى تحض بعضها على العنف والكراهية، كما يتسلل
العنف والتطرف حتى فى ثوب الإيمان ومحاولات فهم الدين إذا ما بدأ الصغير رحلة
تكوين قناعته الدينية.
فى تصورى لا يمكن أن تفلح طريقة الحرمان والمنع التى
انتهجها آباؤنا في هذا الزمن، فالأفكار المتطرفة لا يمكن محاصرة منابعها لكثرة
أشكالها وأنواعها إلا من خلال تربية طفل قادر على الفرز والنقد ومراجعة الذات،
بمعنى أدق أن تدير خيارات طفلك لا أن تفرض عليه رؤية بعينها.
هناك من الآباء من يتسابقون فى إرضاء رغبات أطفالهم،
ويشعر هؤلاء أنهم بذلك قد أدوا رسالاتهم مع أطفالهم، إلا أن المشكلة حين يلتهم ذلك
النمط إنسانيتنا ويقضى على أهم الأدوار التى تمارسها الأسرة ويشوهها، بما يصل في
نهاية الأمر إلى طفل يلهو في فلكه دون أن يسمع أو يعى حجم المعاناة التى تشعر بها
الأم أو الأب، ومدى تأثيره على المجتمع بأثره، ورغم صحة ما يثار الآن من ضرورة
وأهمية تحديث وتطوير الخطاب الديني إلا إنني لا أختزل أسباب نشر العنف في تجديد
الخطاب الديني فقط بل إن هناك مسببات أخرى يمكن الارتكان إليها منها تربية الأطفال
والفقر والجهل والانهيار الأخلاقي وماهية الرسالة الإعلامية وكلها بالتأكيد من بين
الأسباب التي تدعم بيئة الإرهاب والتطرف، ولا شك أن تربية الأطفال في حد ذاتها ما
بين الإجبار والاختيار تحدد بشكل مباشر ما قد يفرزه المجتمع من نواة صالحة لبناء
مجتمع رشيد، أما إذا لم نرتضي الظرف الزمني ونسايره بما يضمن تربية سليمة للطفل
المصري ستكون النتيجة غالبا كارثة محققة إذا ما توفر لها من يقودها نحو التطرف
والعنف.