بعد جدال طويل وماراثون من الشد والجذب والنقاش المستمر لمدة عام ونصف بين الجماعة الصحفية ومجلس النواب والحكومة يصل إلى مرحلة التشابكات والصراخ وتبادل الاتهامات بين مجلس النواب تارة والحكومة تارة أخرى، وبين أعضاء المجلس الأعلى للصحافة المنتهى مدة وجودهم بالمجلس.
فقد غافل مجلس النواب الموقر الجميع بمن فيهم الجماعة الصحفية وملاحظات شيوخ المهنة ونقابة الصحفيين صاحبة الشأن فى الصحافة والإعلام ووافق على قانون «التنظيم المؤسسى للصحافة والإعلام» بأغلبية الثلثين من إجمالى ٥٩٦ عضوًا بالمجلس على القانون الذى ينظم عمل الصحافة والإعلام الحكومى والخاص، ولكونه من القوانين المكملة للدستورى.
وكان تبرير مجلس النواب فى تمرير هذا القانون الهام هو أنه تمت مراجعة القانون فى مجلس الدولة «هيئة قضائية لمراجعة القوانين» فضلًا عن كونه يتعلق بحرية التعبير التى يكفلها الدستور.. وأن اللجنة «البرلمانية» التى صاغت القانون حرصت على الاستماع لكافة الآراء والملاحظات والمقترحات التى وردت إلى مجلس النواب من المتخصصين وكوكبة من الصحفيين والإعلاميين وجميع المهتمين والمخاطَبين بالقانون.. وهذا قول حق يراد به باطل! فهناك ملاحظات عديدة من قبل الجماعة الصحفية لم يؤخذ بها فى هذا الصدد ومن شيوخ المهنة.
ويذكر أن الحكومة فى مايو الماضى منذ ٧ أشهر قد اتفقت مع الصحفيين على مشروع قانون واحد ستقدمه للبرلمان بعنوان «مشروع قانون الصحافة والإعلام الموحد». غير أن الحكومة تقدمت مؤخرًا للمجلس النيابى بمشروعى قانونيْن؛ أحدهما يختص بالتنظيم المؤسسى للصحافة والإعلام والذى صدر ووافق عليه النواب والثانى مختص بقوانين الصحافة والإعلام وهو لم يصدر بعد ورفضت نقابة الصحفيين والمجلس الأعلى للصحافة اللذان يديران شئون الصحفيين، الأمر، حيث طالبا بدمجهما فى قانون واحد كما هو متفق عليه.
وعلى الرغم من أن نقابة الصحفيين هى الجهة المنتخبة، والمنوط بها إصدار القوانين التى تتعلق بالعمل الصحفى والإعلامى، بالاشتراك مع اللجنة الوطنية للتشريعات، ونقابة الإعلاميين تحت التأسيس، والهيئات الإعلامية الأخرى، إلا أن الحكومة كانت مثل «الشوكة» فى حلق الجماعة الصحفية، وفاجأتهم بمشروع قانون جديد، يعطى الحق للسلطة التنفيذية فى التغول، والسيطرة على الهيئات الثلاث، عن طريق إعطاء الحق لرئيس الجمهورية فى اختيار رؤساء الهيئات، واثنين من الأعضاء.
وهو ما يعتبر خطرًا على مستقبل الصحافة والإعلام فى مصر، وخطوة للهيمنة عليها، على الرغم من أن النقابة، خاطبت لجنة الإعلام والثقافة بمجلس النواب، للحصول على نسخة من مشروع القانون دون استجابة.
وتجاهل البرلمان للمرة الثانية الجماعة الصحفية، عند مطالبتها له، بوضع قانون إلغاء الحبس فى قضايا النشر، الذى أعدته النقابة، على طاولة لجنة الإعلام والثقافة.. وطبقا للقانون فإن الهيئة الوطنية للإعلام، ستحل محل اتحاد الإذاعة والتليفزيون، بما يضمن التزام المؤسسات الإعلامية المملوكة للدولة بمقتضيات الأمن القومى، كما تنص المادة ٨٣ على أن تحل الهيئة الوطنية للصحافة محل المجلس الأعلى للصحافة، وتنص المادة ٨٤ على أن تحل الهيئة الوطنية للإعلام محل اتحاد الإذاعة والتليفزيون.
ويختص القانون التنظيم المؤسسى الجديد بتنظيم عمل الهيئات الإعلامية، وينص على ضمان وحماية حرية الصحافة والإعلام فى إطار من المنافسة الحرة، وعلى أن يُعمل بأحكامه، ويلغى القانون رقم ١٣ لسنة ١٩٧٩ فى شأن اتحاد الإذاعة والتليفزيون، والباب الرابع من القانون رقم ٩٦ لسنة ١٩٩٦ بشأن تنظيم الصحافة، بالإضافة إلى إلغاء كل حكم يخالف أحكام القانون المرافق.
ويتكون القانون من ٨٩ مادة تتولى إنشاء الهيئات الإعلامية، المتمثلة فى المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، والهيئة الوطنية للصحافة والهيئة الوطنية للإعلام، بالإضافة إلى التوضيح الكامل للمهام المنوطة بكل منهم. ويذكر شيوخ المهن أن هناك شبهة عدم دستورية للقانون الجديد بسبب إسناده تشكيل المجالس الصحفية لممثلى السلطة التنفيذية.
على أى حال القانون الذى وافق عليه النواب مخالف فى كثير من نصوصه لما تم الاتفاق عليه بين اللجنة الوطنية للتشريعات الصحفية والحكومة طوال الأشهر الماضية من التفاوض بينهما، كما أن القانون سيفتح الباب لسيطرة السلطة التنفيذية على الإعلام وسيجعل الرئيس له الحق فى تعيين ربع أعضاء المجلس والهيئتين وممثلى الحكومة والسلطة التنفيذية، كما أن الفقرة الثانية من القانون الموافق عليه تفتح الباب للحبس الاحتياطى فى قضايا النشر بما يعد تراجعا إلى الوراء بالإضافة إلى أن شروط تعيين رؤساء مجالس الإدارة ورؤساء التحرير كما هى، كما أن أوضاع الصحف الإلكترونية ستبقى دون وجود تشريع ينظم عملها وهو لا يتفق مع المنطق فى الوقت الحالى.
كما كشف القانون الذى وافق عليه النواب عن نية الحكومة فى مزيد من السيطرة على الإعلام فى الفترة المقبلة، خاصة بعد أن جمدت مشروع قانون «الصحافة الموحد» الذى كان قد تم الاتفاق عليه فى حكومة المهندس إبراهيم محلب.
نحن لا نريد سوى إعلام مهنى محترم موضوعى يحترم ويقدر عقول المشاهدين وليس إعلاما لبيع اللحم الرخيص وكبت الحريات وتكميم الأفواه والرجوع بالعربة للوراء، ومصر الآن بحاجة إلى الدفع إلى الأمام وليس العودة إلى الوراء مثلما يفعل مجلس النواب الذى انتخبه، أو أعتقد أن الشعب انتخبه ليعبر عن رأيه فى مثل هذه القضايا المصيرية.
نعم فساد الحكام من المحكومين كما قال سعد زغلول.