«على الأرض السلام وبالناس المسرة».. تلك أنشودة الملائكة يوم ميلاد «المسيح» ليقابله الحاكم اليهودى وقتئذ بعمل مذبحة قتل فيها ١٤٤ ألف طفل من مواليد المسيح، ليتأكد أنه قد تخلص منه، ويعم البكاء فى كل بيت من بيوت اليهود على أطفالهم الأبرياء الذين راحوا ضحية الإرهاب.
بينما يحتفل العالم فى هذه الأيام بعيد الميلاد، نوى الإرهاب حول العالم أن يزين شجرة الميلاد بدماء وأشلاء الأجساد، ووفق الأرقام المنشورة، قام بتفجير استهدف الكنيسة البطرسية بمصر أسفر عن استشهاد ٢٧، وفى العراق راح ١٥ شهيدًا بعد تفجير سوق «الكوليج»، ولم تسلم ألمانيا، ففى سوق «الميلاد» دهس الإرهاب حوالى ١٢ من الأبرياء، وأعلن تنظيم داعش مسئوليته عن قتل ١٠ من الأردنيين فى هجوم على كمين شرطة، وروسيا قتل سفيرها فى تركيا رميًا بالرصاص، وما زال السباق جاريًا لتزيين «شجرة الميلاد» والتى ترمز إلى شجرة كانت وسط جنة عدن فى بدء الخليقة، وهى «شجرة الحياة»، فبعد أن عرف الألمان المسيحية، تحولوا عن عبادة الأوثان، واستبدلوا زينة الشجرة الزراعية، إلى زينة الرموز المسيحية، «فبقيت الشجرة وتغيرت الزينة»، فاستبدل «الفأس» بـ «النجمة» والتى ظهرت للماجوس «رعاة الأغنام» وكانت الدليل لهم على مكان ولادة الطفل «يسوع».
خرج سكان برلين للتسوق من إحدي أكبر أسواق «عيد الميلاد» لتزيين «شجرة الحياة» ليفاجئهم الموت، حيث لقى ١٢ شخصًا مصرعهم وأصيب ٤٨ آخرون على الأقل مساء الإثنين الماضى، ليتحول سوق الميلاد والحياة إلى مسرح جريمة للموت، جراء قيام سائق شاحنة بدهس الأبرياء، وأعلن وزير الداخلية الألمانى توماس دى ميزير يوم الثلاثاء أن هذا الحادث كان عملية إرهابية.
وقال الوزير أثناء مؤتمر صحفي: «ليس لدينا حتى أدنى شك فى أن هذا الحادث المرعب كان اعتداء إرهابيًا»، واصفًا هذا الهجوم بجريمة غير إنسانية، فقد استهدف الإرهاب حشدًا من المواطنين المتجمعين حول أكشاك تبيع زينة الميلاد، والتى تحولت إلى أكشاك ملطخة بالدماء وأشلاء الأجساد.
ومن برلين إلى «حلب» والتى طال انتظارها للتحرير، وبعد تضامن باريس بإطفائها لبرج إيفل لتلفت نظر العالم لحلب، يأتى عيد الميلاد هذه المرة بعد تحريرها، وخروج المواطنين للاحتفال بالنصر وميلاد حلب الجديدة، بعد أن أبت الارتواء من دماء الشهداء، فعلى مرور أكثر من خمس سنوات سيطر الإرهاب عليها ويرتكب كل الجرائم غير الإنسانية، فجاء الاحتفال وفى القلب غصة المفقود وعلى الفم بسمة الميلاد والتحرير.
هذا وقد وقع انفجار خلال الاحتفال بحى العزيزية المسيحى فى مدينة حلب السورية، بأعياد الميلاد وفق ما نقلت قناة «روسيا اليوم»، أن الانفجار وقع على بعد ٥٠ مترًا من مكان تجمع عدد من المحتفلين، فلم يستطع الإرهاب والذى يتغذى على دماء الأبرياء، أن يحتمل الاحتفال بالميلاد وعودة الحياة، ولكن فشل تلك المرة أن يصيب أحدًا بالأذى.
وفى العاصمة الروسية «موسكو» استبدلت كاتدرائية المسيح المخلص «شجرة الميلاد» بجثمان سفيرها فى تركيا أندريه كارلوف، والذى تم اغتياله برصاص ضابط إرهابى تركى، وأضيئت الشموع والتى من المقرر أن تضيء شجرة الحياة لترمز للمسيح «نور العالم» حول جسد السفير الراحل عن الحياة، بحضور الرئيس الروسى فلاديمير بوتين وكبار رجال الدولة، وسط أجواء خيم عليها الحزن.
وقام أعداء الحياة فى «العراق» ، بتفجير استهدف سوقًا شعبية فى منطقة كوكجلى، التى حررت مؤخرًا من سيطرة تنظيم «داعش»، ما أسفر عن مقتل ١٥ مدنيًا و٨ من رجال الشرطة، هذا بعد أن كانت الحياة بدأت تعود تدريجيًا إلى الحى، وباتت الأسواق التى تجلب بضائع من مدينة أربيل المجاورة تعج بالمتسوقين القادمين من الأحياء الواقعة تحت سيطرة القوات الحكومية.
وعلى صعيد متصل أعلن تنظيم «داعش» مسئوليته عن هذا الهجوم فى بيان نشرته حسابات مؤيدة له فى مواقع التواصل الاجتماعى، مؤكدًا أن العمليات نفذها ثلاثة انتحاريين.
وتشهد مناطق متفرقة من العراق بين الحين والآخر تفجيرات بسيارات مفخخة وعبوات وأحزمة ناسفة، إضافة إلى هجمات متفرقة تستهدف المدنيين وعناصر الأجهزة الأمنية فى مناطق متفرقة منها، ما يسفر عن سقوط العشرات من الأشخاص بين قتيل وجريح، فجاء وقت الميلاد ولا تزال أشجار العراق تتزين بدماء وأشلاء.
وانتهت الأردن من العملية الأمنية فى محافظة الكرك جنوب الأردن، باعتقال ممول هجوم الأحد الماضى على مركز أمنى ودوريات للشرطة التى تبناها تنظيم داعش وأوقعت ١٠ قتلى بينهم سبعة من عناصر الأمن.
وتصارع «مصر» أرض الملجأ للمسيح وقت هروبه من وجه «عدو الحياة» الحاكم اليهودى، والذى كان يطلب روحه وقتئذ، الإرهاب وتقف الكنيسة المصرية متحيرة كيف ستكون زينة شجرة الميلاد؟، فلا بد أن تتزين هذا العام بدم وأشلاء أجساد ٢٧ شهيدًا حتي الان راحوا جراء تفجير إرهابى استهدف الكنيسة البطرسية يوم الأحد قبل الماضى، وتم عمل جنازة جماعية بكنيسة العذراء مريم والقديس إثناسيوس بمدينة نصر، تلاها جنازة شعبية ترأسها رئيس الجمهورية عبدالفتاح السيسى.
وفى بيوت أسر الشهداء ستكون الزينة صورة لشهيدة تضاء أمامها الشموع وتذرف الدموع، فإيمان الكنيسة أن الشهداء قد فازوا بمرتبة عظيمة تنتظرهم فى السماء، وفى حديث جمع بين والدة الطفلة «ماجى مؤمن» ووالدة الشهيدتين «مارينا وفيرينا» قالت الأخيرة «ابنتك شهيدة جميلة فى السماء» فأجابت الأولى «يا بختك وصلتى اتنين للسماء أنا واحدة بس».
وبعد ألفي عام من ميلاد المسيح ما زال البحث جاريًا عن «رجل السلام» ومواجهته بالدم مثلما فعل الحاكم اليهودى وقتئذ، فما أشبه إرهاب «عدو للحياة» اليوم بالبارحة يبحث ويعيش على دماء الأبرياء، فقد يختلف اسمه أو دينه أو معتقداته أو حتى مكانه، ولكن ما زال إرهابًا يقف بوجه واهب الحياة «الله»، وقد ينجح فى تزيين «شجرة الحياة» بالدماء والأشلاء، ولكن ستظل الشجرة جذورها فى السماء، والزينة متغير معرض للفناء.