يبدو أن الفوضى ضربت كل شىء فى مصر، خاصة مع انتشار القنوات الفضائية والسوشيال ميديا، فهناك فوضى سياسية، بظهور خبراء ونشطاء سياسيين فى الفضائيات، يسوقون أنفسهم على أنهم خبراء فى السياسة، ويفتون فى كل شىء، وكذلك هناك خبراء أمنيون واستراتيجيون، وهناك فوضى حتى فى الرياضة بعد أن انتشر ما يسمى بـ«ناقد رياضى» ولا نعرف كيف حصل على هذه الدرجة ومن أعطاها له.
أيضًا امتدت الفوضى إلى الفن ليصبح نقاد السينما «زى الرز» بعد أن كانوا فى مصر معروفين بالاسم، ولهم تاريخ طويل مع السينما، فقد ظهرت مجموعة من الأقزام أطلقوا على أنفسهم «نقاد سينمائيين» يفتون فى كل شىء، وفى الاقتصاد ومع حلول الأزمة الاقتصادية الطاحنة التى تشهدها مصر هذه الأيام ظهر العشرات من خبراء الاقتصاد الذين يطلون علينا من خلال شاشات التليفزيون وعلى مواقع التواصل الاجتماعى، والغريب أن بعضهم يدعى امتلاكه لمركز دراسات اقتصادية رغم أنه فى الأصل لم يدرس الاقتصاد، لا فى الجامعة ولا حتى فى الحياة العامة، لكنه وجد أن السبوبة التى تدر عليه دخلًا من الفضائيات الآن هى الكلام فى الاقتصاد، فيقوم بتسويق نفسه على أنه خبير اقتصادى من خلال امتلاكه لمركز دراسات اقتصادية! وفى حقيقة الأمر هو يحفظ مجموعة أرقام حصل عليها من النت.
ومع ذلك يمكن أن نتفق أو نختلف مع هؤلاء، نصدقهم أو لا نأخذ برأيهم ونتجاهلهم، وأحيانًا نحوّل المحطة حتى لا نسمع أو نرى وجوههم، لكن الأخطر والأهم فى هذا الزمان هو فوضى الفتاوى الدينية التى انتشرت بشكل كبير على الفضائيات وفى المواقع وغيرها من السوشيال ميديا كما قلنا، والبعض من هؤلاء الشيوخ غير مؤهل، وغير دارس أصلًا لعلوم الدين، فلم يتخرج فى الأزهر أو حتى درس فيه.
لا يجب أبدًا أن نترك الساحة لكل من هب ودب لأن يقوم بالإفتاء فى الأمور الدينية والعلوم الشرعية، خاصة فى الأحوال الشخصية، بعد أن خرج علينا عدد كبير من هؤلاء، غير المؤهلين، بفتاوى شاذة ما أنزل الله بها من سلطان، وقد ينتج عنها أن يعيش الزوج مع زوجته فى الحرام وتخرب البيوت بمجرد أن أحدًا من غير المتخصصين اجتهد فى فتواه. فى حين عندما يستفتى شخص أحد كبار الأئمة والعلماء فى فتوى دينية، كان رده أنه لا يدرى ويطلب من السائل ضرورة الذهاب إلى المسئولين عن الإفتاء.
المطلوب فى الوقت الحالى إنقاذ المجتمع المصرى من أصحاب هذه الفتاوى الشاذة غير الصحيحة، لا بد أن يتدخل الأزهر والأجهزة المسئولة لوقف هذه الفوضى وتنظيم برامج عن الأمور الشرعية يكون المسئول فيها معروفًا بأنه عضو فى لجنة الفتوى، أو أنه من دار الإفتاء، ولا يسمح لأحد بالظهور على شاشات الفضائيات ليتحدث عن الإفتاء وهو من غير المتخصصين، لا بد من وجود قانون يجرم ظهور مثل هؤلاء على الفضائيات، بل وتغليظ العقوبة على كل من يظهر على الفضائيات أو المواقع الإلكترونية أو فى الصحف ويلقى بفتاواه على الناس وهو من غير المتخصصين، حتى نوقف هذه الفوضى التى أضرت بالمجتمع وخلقت الكثير من البلبلة لدى الجميع.
بل هناك من الفتاوى ما يساعد على نشر الإرهاب والتطرف بين الناس بعد أن اكتشفنا أن هناك شيوخًا يظهرون على الفضائيات ويلقون بفتاواهم على الملأ وهم فى الأصل لا يحملون الشهادات العلمية أو الأزهرية، وإن بعضهم خريج دبلوم صناعة وخريج معلمين، والبعض منهم خريج كليات الألسن وغيرها من الكليات غير الأزهرية!
فهل جاء الوقت لوقف هذه الفوضى من خلال تشريع برلمانى؟ أم أننا سنتركها كما تركنا خبراء السياسة والفن والرياضة وغيرهم من خبراء الفهلوة؟!