"حاولت فعل ما أحب وترك كل ما يمكن أن يعيقني على ذلك"، بتلك الكلمات بدأت أميرة سيد، أو "الأسطى جعفر" كما يناديها زملاء المهنة، تلك المرأة التي حاولت كسر كل حواجز الخوف، والعادات والتقاليد المجتمعية، التي لا تحبذ عمل المرأة بمهنة ثقيلة كمهنة "الميكانيكي"، تلك المهنة التي يضطر صاحبها إلى العمل الشاق بيده، وحمل الأدوات وقطع الغيار الثقيلة، والزحف أسفل السيارات، وسط الزيت والشحم، التي تستلزم القوة العضلية كما يروج البعض، ولكن ومع هذا النموذج المشرف، الذي حطم كل هذه المعتقدات، أصبح لدينا اشتراطات جديدة لتلك المهنة الشاقة، والتي ستفتح الباب أمام فتيات جدد لكسر قواعد جديدة، لتسطر المرأة قبل بداية عامها سطورًا جديدًا من التحدي والإصرار.
أميرة سيد، أو الأسطى جعفر، كما تحب أن تسمع اسمها في الورشة، فليس من المنطقي أن تكون هناك "أميرة" وسط الأسطوات والزباين والورشة، "هنا.. العقل يقول كده"، بهذا بررت أميرة اسم جعفر المتداول وسط كل الموجودين، وتابعت: "الفكرة ليست في جعفر أو أميرة، الفكرة هنا أن هناك سيدة تعمل ميكانيكي بالفعل، وليس مجرد كلام برامج، ولكن قصة جعفر تعتبر نهاية الحكاية وليس بدايتها، فالبداية تكمن في دراستي للهندسة".
وبدأت أميرة بسرد القصة قائلةً: "أنا في الأساس عندي هوس بالسيارات، وأخي كان يشجعني على ذلك، من خلال الهدايا أو صفحات الجرائد التي تتحدث عن السيارات وكل ما يخصها، حتى دخلت كلية الهندسة، ولكن لظروف كثيرة لم أنجح في استكمال تعليمي، وكأي بنت مصرية تزوجت، ورزقني الله بابنتي، وأصبحت هي كل حياتي، ولكن سرعان ما تهدمت حياتي بسبب رفض زوجي لاستكمال عملي كـ "ميكانيكية" ولكنني لم أحتمل هذا، وقررت الطلاق، وعمل ما يسعدني من أجل نفسي وابنتي على حد سواء".
وتحدثت "جعفر" عن عملها كـ "ميكانيكية"، بقولها:"الموضوع ليس سهل، ولا مجرد فرقعة أو شهرة إن بنت في مصر تعمل ميكانيكية، ولكنه عناء جراء نظرات الناس وتهكمات البعض، وهمهمة البعض الآخر، فكنت أعمل في أحد الورش، ولكنني تركتها بسبب حديث كل من في الورشة، فكنت أسمعهم يتهكمون بكلمات ليست باللطيفة تجاهي كـ "هي نازلة تحت العربية تعمل إيه" رامين إلى وجود المهندس مثلا بالقرب من العربية، هو ما لم أحتمله وقررت تركه فورًا".
وتابعت: "المضايقات لم تتوقف عند هذا الحد، فالفكرة أنني لا أسلم من نظرات الناس، خاصة مع حديث أهلي بأنني جعلت منهم "مكلمة" الشارع، فبنتهم تعمل "ميكانيكية"، لاسيما مضايقات كل من في الشارع وأنا عائدة إلى المنزل، وهو ما دفعني إلى قص شعري، وارتدائي للبس قريب من لبس الأولاد الواسع الفضفاض حتى يبتعد الناس عني، ولكنه لم يقطع لذلك سبيلًا".
وعن أهلها قالت أميرة: "لا يمكن لأي شخص أن يتخلى عن أهله، فيمكن لأي رجل أن ينفصل عن زوجته، كما يمكنها فعل ذلك، ولكن الأب والأم لا يمكن الابتعاد عنهما مهما زاد حجم الخلاف بينك بينهما، وخاصة الأم، فهي القلب الذي لا يمكن أن يغضب منك، فهو يحزن لحالك فقط، خاصة في حالتي، وأمي لها رأي خاص بأنها كانت تتمنى أن أكون كأقراني أم في بيتي ولي زوجي وحياتي فقط، ولكنني قررت أن تكون لي حياة أخرى، على الأقل أنا مقتنعة بها وعلى يقين أنني أفعل ذلك من أجلي ومن أجل ابنتي، التي دائمًا ما تتحدث على أنها تريد أن تون ميكانيكية، على الرغم من أنها لا تعرف مدى الصعوبات واحتياج لشخصية قوية للغاية لتحمل تلك الصعاب، وفي النهاية أنا أتمنى أن تكون طبيبة، فبلدنا بها غلابة كتير والكل في احتياج إلى طبيب يمكنه علاج هؤلاء المرضى".