تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
أخطر ما يمكن أن تواجهه أمة من الأمم هو «غياب الوعى» ومصر الآن تمر بحالة يمكن أن نطلق عليها «عدم الاتزان المجتمعى»، ودون الخوض فى تفاصيل أسباب ومسببات تلك الحالة، فإن الواقع بكل تداعياته يعكس حالة نزيف صارخة لأرصدة الوعى الجمعى فى وطن استمد قوته من مخزونه الحضارى التاريخى، بيد أن هذا المخزون أثار حالة جدلية.. هل هو مخزون ناضب أم متجدد؟ أنصار الفريق الأول الذين يصرون على المخزون الحضارى للشعب المصرى يتناقص بشدة ووصل إلى مرحلة خطيرة للغاية ويدلل أنصار هذا الفريق بأن حركة المجتمع وسلوكياته الجمعية تنذر بالخطر وتعكس حجم التراجع الناتج عن النضوب الحضارى، أما أصحاب الفريق الذى يرى أن المخزون الحضارى لمصر متجدد على الدوام، يرى هؤلاء أن الشعب المصرى تحت جلده مخزون حضارى غير مرئى يظهر فقط وقت الأزمات، على أى حال وبعيدًا عن كلا الفريقين المتناقضين فإن النتيجة واحدة وهى حالة التراجع المجتمعى غير المسبوقة، والتى دفعت الرئيس السيسى إلى القول بأنه استلم مصر «شبه دولة» وكان هذا التصريح مسار جدل أيضا، لكن الرئيس كان قد بدأ فترة حكمة - ولا يزال - يتخذ من فلسفة المصارحة والمكاشفة منهاجا وسلوكا رئاسيا فى حكم البلاد، هذا التصريح الرئاسى الكاشف كان بمثابة ناقوس خطر رئاسى محاولا إيقاظ الشعور الوطنى الجمعى بشكل عاجل، لكن ورغم أن فكرة الرئيس من التصريح واضحة لم ينجح أحد فى التقاط الخيط والعمل على صياغة منظومة تصحيح إبصار شاملة.. كان من المفترض أن يبدأ رجال الساسة والنخب المجتمعية ورجال الإعلام وجميع القوى الفاعلة فى المجتمع فى العمل على إيقاف نزيف الوعى الوطنى للحفاظ على المخزون الحضارى، ثم وضع آلية محددة لتجديد الفاقد النازف من هذا المخزون، للأسف لم يلتقط أحد الرسالة.. فلا أحد منتبه ولا أحد مهتم ولا أحد لديه وعى ولا أحد لديه رؤية، لدينا حالة من الفقر السياسى والانحطاط الإعلامى ما تسبب فى تعميق الأزمة.. فالأزمة ليست أزمة نوعية تحتاج إلى خلية لوضع حلول لها بين العاجل والآجل، وإنما هى أزمة وعى ينزف فى غيبة العقلاء القادرين على العمل المبدع الخلاق، لدينا نضوب حقيقى فى كل مناحى الحياة.. بدءًا من الصناع والعمال والحرفيين والفنيين المهرة إلى رجال السياسة والأحزاب مرورًا برجال الفكر والأدب والصحافة والإعلام.. حالة تخبط وارتباك شديدة وغير مسبوقة دفعت الرئيس السيسى إلى القول بأنه يخشى من أن تكون المؤامرة الحقيقية هى غياب الوعى.. الرئيس وفى أكثر من مناسبة يرسل رسائل واضحة لكن للأسف لا أحد يلتقط تلك الرسائل ليعمل على صياغة برامج إصلاحية واضحة، والغريب أن كل هؤلاء فى حالة شكوى دائمة.. فكل واحد من هؤلاء يظن نفسه هو الأصلح والأنسب على الإطلاق، وإذا لم يتم اختياره فى مكان ما سينقلب على الدولة ويجلس فى مقاعد البكائين المهاجمين المنتقدين لكل شىء وأى شىء من أجل لا شىء، نتابع جميعا تلك النماذج الموجودة بيننا ليل نهار.. فالنقد له أصول والمعارضة لها قواعد، أما ما يجرى فلا علاقة له لا بالأصول ولا بالأخلاق، فعندما ينشغل كل هؤلاء بذواتهم وطموحاتهم وأطماعهم الشخصية فلن نجد من يفكر لإيقاف الشلال النازف من مخزون حضارتنا ولن نجد يخطط لتشييد منظومة الأمل واستشراف المستقبل، لن نجد كذلك من يحمل المعاول لهدم الحائط النفسى الإحباطى الذى تكون من نتاج إخفاقات السنين، كذلك لم نجد من يتوقف ويترك الآخرين يعملون فى صمت دون الوقوف كحجر عثرة أمامهم.
لقد اكتشفت لماذا قال نهرو «كثيرون حول السلطة وقليلون حول الوطن».
يا سادة.. إننا منشغلون بأنفسنا ونظن أننا منشغلون بالوطن.
إننا نحب أنفسنا ونتظاهر بأننا نحب الوطن.