الأحد 24 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

محمود عبدالعزيز.. بريق لا ينتهي

هايدي محمد
هايدي محمد
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أخبار كثيرة مؤسفة ومفجعة خرجت الفترة الماضية حول غلاء الأسعار وسقوط شهداء وتوتر علاقات بيننا وبين دول شقيقة، ووفاة عدد من نجوم الفن، إلا أنها لم تكن شيئًا أمام خبر مرض النجم الكبير محمود عبدالعزيز، ونقله إلى أحد مستشفيات القاهرة ودخوله غرفة العناية المركزة، فى هذا الوقت لم يكن يشغلنى سوى متابعة أخباره، وقبل أن أتناول إفطارى، كنت أتصفح الصحف والمواقع الإخبارية أملًا فى أن أجد خبرًا يسعدنى، ويؤكد أن حالته الصحية جيدة، وأنه فى طريقه لمغادرة المستشفى، لم أفقد الأمل، فكنت أدعو له كما يدعو له الجمهور المصرى والعربى، فهو حالة نادرة وفريدة فى الفن المصرى لا يمكن تكرارها، إلا أننى شأنى كشأن عشاقه أصبت بحالة من الذهول والحزن، حين تأكد لى خبر رحيله عن دنيانا، وهو الأمر الذى لم يكن مفجعًا فقط لعائلته، بل امتد الأمر إلى عشاقه ومحبيه ومريديه وتلاميذه الذين تربوا على يده ووقفوا بجواره أمام الكاميرات، جاءنى الخبر الذى تمنيت كثيرًا أن يكون كاذبًا شأنه كشأن الشائعات التى تحيط بنا إلا أن سقوط العصا من يد المايسترو محمود عبدالعزيز أكد أن أوتار فنه قد توقفت. 
وصحفيًا هو من الفنانين الذى يحيطون حياتهم الخاصة بسياج عالٍ من السرية التامة مكتوب عليه «ممنوع الاقتراب منها أو الخوض فيها»، منذ أن بدأ مسيرته الفنية إلى أن وافته المنية. 
وهنا أتذكر لحظة دخولى كلية الإعلام، ومنذ العام الأول التحقت بإحدى الجرائد للعمل بها، وخطوت أولى خطواتى فى بلاط صاحبة الجلالة، وعملت بكثير من المؤسسات الصحفية، وأجريت العديد من الأحاديث الصحفية مع كبار النجوم رغم صغر سنى، إلى أننى فى السنة الدراسية الأخيرة فى الكلية، راودتنى فكرة إجراء حوار مع الأستاذ الكبير محمود عبدالعزيز، وتحدثت مع بعض المقربين منى إلا أن الرد الأغلب الذى جاءنى وقتها: «من الصعب والمحال أن تقومى بإجراء حوار صحفى معه أو تحصلي على تصريح واحد منه حتى، فهو لا يتحدث مع الصحافة ولا يقوم بإجراء أى أحاديث صحفية أو تليفزيونية منذ زمن بعيد وإذا حدثت له أزمة أو استعد لأى أعمال فنية جديدة فكل صحفيي مصر يقومون بالاتصال بزوجته الثانية المذيعة بوسى شلبى أو أحد أبنائه أو المساعد الخاص به، لكى يتابعوا أخباره وأعماله الفنية، إلا أن ما قالوه لم يجعلنى أصرف نظرًا عن الفكرة بل عزمت على الوصول إليه بأى طريقة، بل وإجراء حوار صحفى كبير معه وليس فنيًا فقط ولكن إنسانى أيضًا، حتى أحل اللغز الذى يحير جميع الصحفيين، وبالفعل جاءتنى الفرصة، فأثناء عملى فى إحدى المؤسسات الصحفية الكبيرة، قرأت خبرًا فىأحد المواقع عن الساحر ولا أحد يعرف حقيقة صحته، فقمت بالاتصال به ولم يرد كالعادة، فأرسلت له عبر تطبيق واتس آب، وعرفت نفسى له وأرسلت إليه صورة من الخبر الذى كتب عنه لأعرف منه حقيقته، وكانت المفاجأة غير المتوقعة منه، أنه تجاوب معى لمعرفة الحقيقة وقلت له آنذاك: اسمح لى أن أقوم بنشر التصريح على لسانك لكى أوضح الحقيقة، فوافق دون تردد فكنت فى ذهول، وشعرت وقتها أننى فعلت ما لم يستطع فعله أحد من الصحفيين وقتها، وانتصرت على من كانوا يشككون فى قدرتى على الوصول إليه، فأنا وصلت إليه دون إلحاح أو إزعاج له وكان ذلك توفيقًا كبيرًا من عند الله وعندما قمت بتنزيل التصريح أرسلت له لينك الخبر عبر «الواتس»، كى أكسب ثقته، فقال بالمعنى الدارج: «وحياة ولادى أنتى هتكونى حاجة مهمة فى الإعلام لأنك عملت معايا اللى محدش يعرف يعمله من الصحفيين الصغار»، سعدت كثيرًا وكأننى أحضن العالم أجمع بعد هذه الشهادة التى قالها فى حقى، لم تنقطع الاتصالات بينى وبين الساحر بعدها، وعرفته كإنسان فهو عملة نادرة صعب أن تجدها، كل هذا عرفته جيدًا من خلال جلسة جمعتنى به عندما رتب القدر لى لقاء معه لأجرى حوارى الصحفى الشامل عن الفن والحياة معه، واكتشفت وقتها جوانب إنسانية لا يعرفها أحد حتى المقربين منه، وبعد عدة اتصالات هاتفية بيننا تحدد ميعاد اللقاء، وعندما وصلت إلى مكان المقابلة فى الميعاد المحدد، وصل هو أيضًا فى نفس الميعاد، ونظرت إليه من بعيد وظننت أنه سيأتى بسيارته الخاصة يقودها أو مع سائقه الخاص، إلا أننى رأيته يجلس بجوار السائق، فاندهشت كثيرًا وقلت لنفسى: هل فنان بحجمه يكون بهذا التواضع؟، وكان اللقاء بالشقة الكائنة بأحد شوارع العجوزة التى قام بشرائها بعد أن جاء من الإسكندرية مسقط رأسه وحولها إلى مكتب بعد فترة ليعقد فيها اجتماعاته المهمة، وتزامن اللقاء مع وفاة شقيقه، فما كان منى إلا تقديم واجب العزاء ومواساته، وبمجرد دخولى من الباب تعجبت كثيرًا من كمية اللوحات المعلقة فوق الجدران، بالإضافة إلى الأنتيكات والتحف الأثرية الكبيرة والجرامفون القديم الذى يبدو أن له معزة خاصة لديه، لأنه كان يلمع من شدة الاهتمام، ووجدت أيضًا تمثال السيدة العذراء، أطلت النظر كثيرًا فى جنبات الشقة، وعندما لاحظ ذلك قال لى: لا تتعجبى هذه الشقة تحديدًا تعد ملهمتى الوحيدة، ولها مكانة خاصة لدىّ، وأثناء حديثه معى كان يقسم لى كثيرًا وربما كانت لازمة فى لسانه «وحياة ولادى»، مما دفعنى لسؤاله: لماذا تقسم بأولادك كثيرًا؟، فرد: أولادى هم كل حياتى والثروة الحقيقية التى خرجت بها من هذه الدنيا مهما جمعت من أموال، فهم الكنز الحقيقي لى، جاء وقت الصلاة فتفاجأت بأنه استأذن منى وذهب لأداء الصلاة وبعد انتهائها ظل يسبح كثيرًا ويقرأ الكثير من آيات القرآن، عاد إلى المكتب ليواصل حديثه معى: وقال أعرف أن الناس تعتقد أن الفنانين لا يهتمون بالصلاة مثل اهتمامهم بأعمالهم الفنية، ولكنى دعينى أقول لكِ إن هذه القاعدة خطأ فالناس دائما تظلم الفنان، فلا تتعجبى فأنا منذ صغرى أقوم بأداء الصلاة فى وقتها ولا أترك فرضًا واحدًا، فكونى فنانًا هذا لا يجعلني أبتعد عن ربى وتنفيذ فروضه التى أمرنى بها. وشعرت وقتها أننى أمام إنسان من نوع خاص فهو حالة خاصة لن تتكرر، وبعيدًا عن موهبته الفنية التى لا يختلف عليها اثنان، فهو مثال للفنان الكبير والعظيم والإنسان المثقف المتواضع ابن الإسكندرية التى يحتفظ لها بمكانة خاصة للغاية لديه، هذه المدينة التى ولد فيها ورحل منها فى شبابه وعاد إليها مرة أخرى ليدفن بها، وتظل محفورة فى وجدانه وعقله وكيانه، فعندما أتحدث عن الساحر محمود عبدالعزيز حتمًا أتحدث عن جزء لا يتجزأ منا، ومن تاريخ هذا البلد هرم رابع يضاف إلى أهراماته الثلاثة، وأستطيع أن أقول فى ذكراه الـ«٤٠»: إنك نعم رحلت عن دنيانا لكن ستظل فى قلوبنا وضحكتك وابتسامتك الصافية لا تفارق عيوننا لحظة.. الله يرحمك ويجعل مثواك الجنة.