تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
لا يسمع نظام الحكم الحالي إلا صوت رجاله، ولا يلتفت إلا لمطالب أنصاره ودعاويهم، أُذن من طين وأخرى من عجين، وعين ناعسة، أو متناعسة، لا ترى إلا المؤيدين والمصفقين والمزغردين من راكبي الموجة الجديدة.
النظام القديم يُبعث حيًّا، وكأن لا ثورة ولا شهداء. نفس الأسلوب الإقصائي، وذات المنطق الاستعلائي. وحتى الرئيس المنتخب، الذي تسلم حكم مصر في احتفال شعبي بميدان التحرير، سمح بعد شهور قليلة بجدار العزلة بينه وبين الناس، وخاصم كل معارض للإخوان، وتغاضى عن الوضع غير القانوني لجماعته، بل دفع فاتورة ترشيحه ودعمه على حساب الوطن عندما بذر أعضاء الجماعة في المناصب الإدارية والتنفيذية في الحكم المحلي.
في كل لقاء رئاسي كانت الناس حريصة على طرح مخاوفها من سيناريوهات “,”الأخونة“,”، وكان السؤال المتكرر عن موعد حل الجماعة التي تحولت إلى حزب سياسي، وكان الرد الجاهز أن ذلك سيكون قريبًا، وصار واضحًا أن شيئًا لم يتغير؛ فلا الجماعة ذات الوجود غير الشرعي تحللت وذابت في الحزب السياسي، ولا هي وفَّقت أوضاعها كجمعية أهلية لا شأن لها بالسياسة، ولا رئيس الجمهورية اهتم بعلاج ذلك التشوه السياسي، ولا تحرك لإزالة مخاوف الساسة والقانونيين.
قلت وأكرر: إن بقاء جماعة الإخوان المسلمين بكيانها غير الشرعي هو إخلال متعمد بمبدأ تكافوء الفرص، فالأحزاب لها ميزانيات معلنة، وتخضع لرقابة الجهاز المركزي للمحاسبات، ومعلوم مصدر كل جنيه يدخل إليها، لكن «الجماعة» غير المقننة حرة أن تتلقى التمويل من أي جهة أو دولة أو فرد دون حدود.
تحضرني قصة لا علاقة لها بالإخوان، لكن الذاكرة تستدعيها لتوصيف المشهد.. يحكي الدكتور محمود إسماعيل، أستاذ التاريخ الشهير، في مذكراته التي حملت عنوان «جدل الأنا والآخر»، أنه كان يحاضر في جامعة القاهرة في بداية السبعينيات عندما اشتبك بسرواله مسمار صغير خارج عن حدود الأدب على سطح الكرسي الجالس عليه. غضب الرجل، وطلب من العامل ثني المسمار كي لا يتكرر المشهد المحرج ويتمزق سرواله أمام الطلبة، وفي المحاضرة التالية فوجئ الرجل بنفس المسمار يعبث بملابسه ويمزقها مرة أخرى. اشتكى الرجل لعميد الكلية، وحصل على وعد بإصلاح الكرسي احترامًا لهيبة الأستاذية، ثم سافر الدكتور «إسماعيل» في إعارة إلى إحدى جامعات المغرب طالت عدة سنوات، وعندما عاد وجلس ليلقي بمحاضراته مرة أخرى في نفس الجامعة فوجئ بنفس المسمار يمزق سرواله. في تلك اللحظة لم يجد الدكتور محمود إسماعيل بُدًّا من تحطيم الكرسي تمامًا أمام طلابه، الذين انفجروا في الضحك فحكى لهم قصة المسمار.
وفي ظني -وليس كل الظن إثم- أن جماعة الإخوان المسلمين هي المسمار الناتئ، والوطن هو الكرسي، والشعب هو الجالس عليه، ولا حل للموقف إلا بخلع المسمار تمامًا.
لذا فإنني أتصور أنه لا حل للأزمة السياسية إلا بحل جماعة الإخوان المسلمين، خاصة أن هناك حزبًا سياسيًّا قائمًا اسمه «الحرية والعدالة».
[email protected]