فقدت الرغبة والمتعة لأي شيء بعد مشاهدة فيديو ذاك المجرم المسمى والد، ذاك الذي فخخ ابنتيه وأرسلهما للموت وأعتقد أن هذا حال أي إنسان ما زال لديه ذرة من إنسانية.
أتخيل أن العالم بأسره بات حزينا أو لم يستطع أن يغفو مثلي تماما، العالم ُيعاني حالة ذهول، عمليات اغتيال ودهس بدم بارد، تفجير دور العبادة، حرق أحياء، تفنن في الإجرام واغتيال الفرح والبهجة، حتى بتنا وكأننا قد اعتدنا كل هذا وأصبح جزءا من روتيننا اليومي، لم يعد يُفجع إلا المفرط في مشاعره وإنسانيته.
لكن المشهد الأخير فاق كل هذا، أب يسوق ابنتيه مبتهجا للموت!! وياليته حتى أخذهما غدرا دون أن يخبرهما، لكنهما كانتا تعرفان أنهما تساقان للموت، ُيضللهما المجرم بأنهما بعد دقائق ستكونان في الجنة مع النبي محمد،، وكأنه ُيمنيهما باصطحابهما في رحلة لمدينة الألعاب!!
وما عسى الطفلتان أن تفعلا حتى وإن لم تبتهجا بهذه الأمنية، ما حولهما وقوتهما لترفضان أو تحتجان؟!
في اتصال مع جار هذا المجرم أجراه المذيع المتألق وائل الإبراشي، لم يترك الجار الذي يفترض أنه ليس إرهابيا كجاره، من وسيلة للتبرير والتذكير بالقصف والطائرات والبراميل المتفجرة، وأن هذا هو ما أوصل الناس لليأس، وهي تماما الرسالة التي أراد الإرهابي إيصالها عبر اغتيال الطفلتين، فقد قال ما معناه:" إن الأب لم يجد من وسيلة للفت الأنظار للمعاناه سوى بشيء صادم كهذا".
لكن المذيع أجابه غاضبا وهو طبعا لا يعني مايقوله حرفيا لكنه كان يتعمد تحقير منطقهما وإهانته:" أنتم هكذا تفقدون قضيتكم تضيعونها، لو أراد الموت كان قتل نفسه أو قتل زوجته نفسها عوضا عن إرسال الأطفال".
هذا الجار الذي يبرر ما لا يبرر يذكرنا بكل أصدقائنا المتعلمين، والبعض منهم مثقفون، الذين أعتادوا أن يربطوا الإرهاب بالبطالة والفقر والفساد والحروب والاحتلال والاستيطان وجرائم الحرب، ما أكرره دوما مع هكذا تفسيرات أنتم تبررون للقتلة تمنحونهم حججا ومسوغات مهما أدعيتم أنها أسبابا مفسرة.
التفسير الوحيد تجدونه في الفكر، فكل من ينخرط ويخضع لهذه الآلة الفكرية هو مشروع قاتل بالضرورة، لكن ليس كل فقير أو متبطل أو خاضع للاحتلال أو ضحية لجريمة حرب يفعل الشيء نفسه، أنتم هكذا تهينون الفقراء والمتبطلين وتزيدون همهم بالتحريض على ضرورة الحرص منهم وتوخي الحذر!!
لكن حال هذا الجار الذي يبدي الاعتراض وإن اتضح من خلال تبريره أنه يضمر البهجة حال الكثيرين ممن يفكرون بنفس المنطق.
المجرم والمجرمة الأم التي احتضنت طفلتيها وقبلتهما وكأن لديها مشاعر، وهي تعلم أنهما تنتزعان للموت، وهي تعلم أن جسد طفلتها الذي تقبله الآن سيتناثر بعد سويعات أشلاء، وأن هذه الدماء التي تتدفق في وجنتيهما الآن ستنسكب بعد سويعات على الرصيف!! لن أقول تخلين عن إنسانيتهما لأن حتى الحيوانات والحشرات والطيور الجارحة تحارب من أجل أولادها وتحميهم لا ترسلهم للموت،
فكروا جيدا أي فكر وأي تلقين تلقاه الأبوين ليصلان لهذه الدرجة من التغييب؟!!!
قريبا انتظروا حتى الأطفال سيخضعون للتحقيق والاعتقال والملاحقة، كل أطفالنا، فقد منح الإرهابيين المسوغ لذلك، لم يعد يحق لنا التبجح بحقوق الطفولة، فكل طفل من أطفالنا بنظر العالم، يمكن ان يستخدم كأداة للقتل وبالتالي سيطبق عليه مايطبق على غيره من إجراءات احترازية وعقابية، واحسرتاه!!