الأربعاء 27 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

تقارير وتحقيقات

قنابل تفخخ الاتفاق الثلاثي لحل الأزمة السورية.. أمريكا تطالب بمراعاة مصالحها والحفاظ على دورها بالمنطقة.. وإيران ترغب في النصيب الأكبر من الكعكة.. والحلف الجديد يرعب إسرائيل.. وتركيا تخطط لكسر الأكراد

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لم يكن الاتفاق الروسي التركي الإيراني لحل الأزمة السورية أو خريطة الطريق الثلاثية من جانب الدول الثلاث، وليدة اللحظة وإنما جاء لسلسلة طويلة من التفاهمات والتنسيق المشترك بحثًا عن المصالح الاستراتيجية لكل طرف في سياق دولي متشابك ومعقد من التفاعلات.
فالتحالفات تتغير والعلاقات تتعمق والتحركات الدبلوماسية تنشط، هذا ما حدث خلال الفترة الماضية، فقد توطدت العلاقات الروسية الإيرانية التركية، وازدادت التفاهمات بين الأطراف الثلاثة، فعدو الأمس أصبح صديق اليوم، وداعم الإرهاب أصبح شريكا استراتيجيا في مكافحة الإرهاب، وعلى الرغم من أن هذا ليس جديدا على الاستراتيجية التركية المتخبطة، إلا أنه مثّل تحولا هاما وجذريا في الأزمة السورية، وربما في علاقات تلك الدول مع الولايات المتحدة، التي تلقت صفعة قوية بسبب التحرك الثلاثي.
وجاء (إعلان موسكو) لتحديد خريطة طريق لإنهاء الأزمة السورية غداة اجتماع ثلاثي، بين وزراء دفاع وخارجية البلدان الثلاثة، في موسكو، في ظل تجاهل للدور الأمريكي في المنطقة فضلًا عن الأدوار الأخرى للدول الإقليمية والعالمية اللازمة لتضافر جميع الجهود لحل الأزمة المستعصية في سوريا.
وتضمن (إعلان موسكو) مجموعة من الترتيبات لعل أبرزها، أولا: تأكيد الأطراف الثلاثة احترامها لسيادة الجمهورية العربية السورية واستقلالها ووحدة وسلامة أراضيها بصفتها دولة متعددة الأعراق والطوائف الدينية وديموقراطية وعلماني، ثانيا: يشير الإعلان إلى أن الدول الثلاث على قناعة بأنه لا حل عسكريا للنزاع السوري، وإن دور الأمم المتحدة في تسوية الأزمة له أهمية كبيرة، في إطار قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254.
وتضمن (إعلان موسكو) مجموعة من الترتيبات منها أيضًا، ثالثا: يؤكد (إعلان موسكو) أن وزراء خارجية روسيا وإيران وتركيا يأخذون بعين الاعتبار القرارات التي صدرت عن المجموعة الدولية لدعم سوريا، وفي المقابل، يدعو (إعلان موسكو) دول المجموعة إلى "تعاون نزيه من أجل إزالة الحواجز أمام تطبيق الاتفاقات الواردة في هذه الوثائق"، رابعا: تتعهد تركيا وإيران ورسيا، بموجب "إعلان موسكو"، بالمساعدة في فرض وقف لإطلاق النار في سوريا، وجمع الأطراف السورية، وضمان "الاتفاق، قيد التفاوض، المستقبلي بين حكومة سوريا والمعارضة"، وتطالب الدول الثلاث "سائر البلدان ذات النفوذ على الأرض بأن تحذو حذوها".
ودعا البيان إلى مواصلة الجهود المشتركة في شرق حلب من أجل الإجلاء الطوعي للسكان المدنيين والخروج المنظم للمعارضة المسلحة، ورحب بالإجلاء الجزئي للسكان المدنيين من قريتي الفوعة وكفريا المواليتين للنظام السوري في ريف إدلب، ومن مدينتي الزبداني ومضايا، اللتين يحاصرهما حزب الله اللبناني وقوات النظام السوري في ريف دمشق، مع الالتزام بمواصلة عملية الإجلاء، وأخيرا، أكدت الدول الثلاث ضرورة تمديد اتفاق وقف إطلاق النار، وإيصال المساعدات الإنسانية دون عوائق، وتمكين المدنيين من التنقل بحرية داخل البلاد، كما أكدت عزمها المضي في الحرب على تنظيم داعش وجبهة النصرة، وفصل بقية فصائل المعارضة المسلحة عن هذين التنظيمين.
ومنذ وقوع محاولة الانقلاب في تركيا منتصف يوليو الماضي، بدأت العلاقات التركية بالدول الغربية والأوروبية تتجه نحو مزيد من البرود، وكأن محاولة الانقلاب هذه كانت نقطة تحول رئيسية وكبيرة في السياسة الخارجية التركية، وهنا اتجهت أنقرة إلى المربع الروسي الإيراني من خلال إعادة الحرارة للعلاقات مع التحالف الروسي الإيراني، خاصة بعد أن خسرت أنقرة كافة رهاناتها في الأزمة السورية وأدركت جيدًا أن علاقاتها المتدهورة بروسيا والمتذبذبة بإيران والعدائية بسوريا لن تجدى نفعًا.
توافق كبير وجديد وتقريبًا الأول من نوعه بهذا الحجم فيما بين الأطراف الثلاثة الروسي الإيراني والتركي خاصة في الأزمة السورية، فعقب انتهاء القمة الإيرانية التركية في أغسطس الماضي، أكد رئيس الوزراء التركي على بن يلدريم أن أنقرة تتوقع حدوث تطورات في غاية الأهمية خلال الأشهر الستة المقبلة فيما يخص الأزمة السورية، الأمر الذي يوحي بأن الملعب السوري بات مقتصرًا على اللاعبين الروس والأتراك والإيرانيين، فيما بات الجانب الأمريكي خارج الملعب والتفاهمات والاتفاقات.
وسبقت القمة الإيرانية التركية، قمة روسية تركية وصفها مراقبون بأنها استثنائية وهامة، دعت خلالها أنقرة موسكو إلى عمليات مشتركة ضد تنظيم داعش في سوريا، وقامت روسيا وتركيا بتشكيل لجنة مشتركة حول سوريا، ضمت ممثلي المخابرات والعسكريين والدبلوماسيين من الجانبين.
ولم يقف توافق الأطراف الثلاثة عند حد الزيارات التركية-الروسية، والتركية-الإيرانية، بل شهدت تنسيقا أكثر وصل إلى حد الاتفاق الثلاثي لبحث سبل تسوية الأزمة السورية.
وفي ظل تشابك المصالح الاستراتيجية وتعقدها بين أطراف النظام الدولي، ثمة عدة تحديات أمام تنفيذ إعلان موسكو ولعل أبرزها: أولًا: الرفض الأمريكي المشروط بمراعاة مصالحها ودورها في المنطقة، ففي الوقت الذي رحب فيه المبعوث الأممي لسوريا ستيفان دي ميستورا، بالبيان المشترك الصادر عن اللقاء الثلاثي بين إيران وتركيا وروسيا، أكدت الولايات المتحدة الأمريكية أن وثيقة موسكو تأتي على حساب الدور الأمريكي في حل الأزمة السورية، وقد عبرت الولايات المتحدة الأمريكية عن استيائها من وثيقة موسكو، حيث أكد المتحدث الإقليمي باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيسان تك، أن الاتفاق الروسي الإيراني التركي بشأن الأزمة السورية لن يأتي على حساب الدور الأمريكي في حل هذا النزاع، مؤكدًا أن ما تتضمنه وثيقة موسكو الصادرة عن وزراء خارجية روسيا وإيران وتركيا حول بذل الجهود لتوسيع دائرة وقف إطلاق النار في سوريا، لا يختلف في مضمونه عما تطالب به الولايات المتحدة.
أما ثاني التحديات يتمثل في القلق والرفض الإسرائيلي من تكوين تحالف روسي إيراني تركي تكون له الكلمة العليا في المنطقة، ويعود قلق النظام الإسرائيلي إلى كون الرئيس التركي رجب أطيب أردوغان أدار ظهره لأمريكا وحلف الناتو، ويسير في طريق التحالف مع روسيا وإيران، وهو ما يشكل خطورة على الموقف الإسرائيلي، وثالثها اختلاف الأطراف الثلاثة روسيا وإيران وتركيا حول الهدف الأسمى من هذا الاتفاق أو الإعلان، فموسكو تسعى للاستفادة من فرصة السيطرة على حلب لفتح الباب أمام احتمال إعادة إطلاق مفاوضات سورية سياسية، يشكل وقف شامل لإطلاق النار محفزا كبيرا لها، وذلك للوصول لحل سياسي.
ظاهريا تبدو الشروط الروسية والإيرانية للحل السياسي واحدة، وهي ضمان بقاء بشار الأسد ضمن هذا الحل، غير أن إيران التي تريد أن تحتكر النفوذ والسيطرة الكاملة في سوريا، ستقاوم أي حل، وهو ما أظهرته عندما حاولت تعطيل اتفاق حلب، وما أعقب ذلك من رد فعل على القرار الأممي بإرسال مراقبين دوليين إلى هناك.
ويبدو الحال مختلف مع تركيا، التي يغاير موقفها روسيا وإيران بمعارضتها لبشار الأسد، لذلك هي تعلن دوما تأييد الحل السياسي، لكنها تمانع في وجود بشار الأسد ضمن هذا الحل، وجاء اجتماع موسكو في محاولة من روسيا لجمع الفرقاء على اتجاه واحد وهو استغلال اتفاق شرق حلب، لإحياء المفاوضات وصولا لحل سياسي، وفق شروط روسية تحقق مصالحها، وتتمثل في بقاء الأسد مع تشكيل حكومة تشارك فيها المعارضة.
وتبدو المصالح التركية في سوريا واضحة، وهي وأد أي نشاط كردي يمثل خطرا عليها، ويمكن لروسيا ضمان ذلك، ولكن إيران لا تجاهر برغبتها في أن تكون الرابح الأول أو الأكبر في سوريا، بجعلها مقاطعة إيرانية لا يشاركها أحد في إدارتها والتحكم بمصيرها.
ومن هنا يمكن القول أن (إعلان موسكو) سيكون واحدًا من الحلول المطروحة لحل الأزمة السورية في سياق دولي معقد ومتشابك من المصالح الاستراتيجية والتي من المأمول أن يكون هذا الإعلان بمثابة تهيئة للبيئة السورية والإقليمية والدولية لحل الأزمة السورية.