كثيرًا ما يعمينا الإحباط عما نملكه من نعم، فننظر كما يقال للنصف الفارغ من الكوب وننسى الجزء الممتلئ.. ومنذ فترة انتابتنى تلك الحالة بسبب الفساد المتفشى فى بعض المؤسسات التى أحتك بها مباشرة، والتى أعلم قدر الفساد الذى استفحل بها أكثر من ذى قبل.. لأن «من أمن العقاب أساء الأدب».. فما بالنا إذا كان جزاء الفاسدين الترقى والوصول إلى أعلى المناصب بحكم إجادتهم فى تكوين شبكات علاقات اجتماعية واستغلال أموال الدولة لتوسيع نفوذهم من خلال الرشاوى المقنعة أيًا كان نوعها كالهدايا والدعوات.. فنجد هبوطًا هائلًا بتلك المؤسسات ولكن بكل أسف بسبب الجهل لا يدركه سوى الذين يعملون فيها والذين ينقسمون إلى (٤)فئات: الفئة المستفيدة ذات المصالح المباشرة والتى تصفق وتهلل ولا يزيدها الانحدار سوى المزيد من التطبيل.. والفئة الثانية: التى تحاول اللحاق بالأولى من خلال النفاق والذى تحصل من خلاله على الفتات فى بعض الأحيان أو«العظمة» التى يرميها المسئول حتى يخرسها فى أحيان أخرى.. أما الفئة الثالثة: فهم الأغلبية الذين يعانون ويسخطون على الأوضاع ولكنهم ينتقدونها سرا فى دوائرهم المغلقة ويبلعون ألسنتهم خوفا على أرزاقهم.. أما الفئة الرابعة، وهى قليلة للغاية، فهم من يملكون الجرأة على قول الحق فى وجه السلطان الجائر ويرفضون الانصياع للمسئول الفاسد الذى يرى نفسه «إلهًا» لمؤسسته.. فيجدون أنفسهم فرادى فى مواجهة فساد المسئول ومعاونيه ومستشاريه وإدارته القانونية فيحاطون بالمشكلات من كل جانب.. ويرون تصعيد الأنصاف والفاشلين ليشعروا أنه لا قيمة للعلم أو الكفاءة حتى يفقدوا الأمل، أو يكونون من أصحاب النفس الطويل الذين يظلونا يحاربون حتى يقضى الله أمرا كان مفعولا.. وبعد أن انتابتنى تلك الحالة ووجدت نفسى مرتدية النظارة السوداء التى لا ترى سوى السواد وتعظمه، فلم أعد أرى سوى الفساد والغلاء ونقص الخدمات وغياب المعايير وقلة الضمير.. حتى جاءتنى رسالتان شعرت أنهما من الله حتى يعيدنى إلى صوابى.. الرسالة الأولى كانت من خلال ما روته لى إحدى صديقاتى عن زيارتها منذ فترة وجيزة إلى الهند وعاصمتها نيودلهى وبعض المدن الأخرى، وكان من المفترض أن تركب طائرتين إحداهما لمسافة ٢٧٠ كم.. والأخرى تزيد على الألف كم حتى تصل للعاصمة ولأنها من كارهى الطائرات قررت ألا تركبها سوى للمسافة البعيدة، ووجدت أن مسافة ٢٧٠ كم لا تستحق معاناة الطائرة فقررت الذهاب بالسيارة ولكنها ندمت بشدة لأن الرحلة استغرقت ٧ ساعات بسبب سوء الطريق!!.. والذى وصفته بأنه مثل طرق الريف فى مصر، رغم أنه من المفترض «طريق سريع»!!.. ثم جاءت صدمتها بعد مشاهدة العاصمة والتى وجدت شوارعها أيضا مثل القرى المصرية التى لا تلقى رعاية من الدولة.. ورغم انبهارها بالفندق الذى أقامت فيه لشدة فخامته إلا أن بمجرد الخروج منه يظهر التناقض بوضوح، حيث المظهر غير اللائق ومياه الصرف الصحى، مما جعلها تقرر عدم الخروج إلا للضرورة حتى عادت وهى تقول: «عمار يا مصر يا أم الدنيا»!!.. فتعجبت مما سمعته لأننى أعلم مدى التقدم الذى وصلت إليه الهند والذى جعلها إحدى القوى الاقتصادية والتكنولوجية الصاعدة!!..وقد علق أحد الجالسين على كلامها بأن ما ترويه لا يظهر فى أفلامهم التى غزوا بها العالم والتى تشوق المشاهدين لزيارة الهند، فكان تعليقى أن أفلامهم لا تظهر ذلك لأنهم لا يمتلكون مخرجينا حتى يظهروا أسوأ ما فى الهند بدعوى عرض الواقع!!.. وهو ما أصبح موضة فى أفلامنا ومسلسلاتنا حتى اعتادت أعيننا وآذاننا على القبح!!.. ورغم أن هذه القصة العابرة قد لا يلتفت إليها البعض إلا أننى استقبلتها وكأنها رسالة من الله تذكرنى بما نمتلكه من إمكانيات وخيرات وما تتمتع به بلدنا من جمال يجذب العالم كله رغم كل السلبيات من فوضى المرور وعدم نظافة الكثير من الشوارع وكافة المشكلات التى نعانى منها بفعل أيدينا، فشعرت أنها رسالة توقظ الروح الإيجابية داخلى وتدفعنى لرؤية الجانب المضىء.. أما الرسالة الثانية فكانت بعد مشاهدتى للفيديو الذى نشره الوجه المشرف لقواتنا المسلحة العميد محمد سمير (المتحدث العسكرى) وذلك على صفحته الرسمية على الفيسبوك، والتى أصبحت قبلة سواء للشعب أو الإعلاميين لاستقاء أخبار جيشنا العظيم من مصادرها.. الفيديو بعنوان «اتحدى نفسك» ويتناول قصة أحد أبطال الصاعقة المصرية الملازم أول أحمد محمد عبداللطيف والذى كان أحد أبطال العالم الرياضيين إلى أن أصيب فى انفجار بسيناء أدى إلى بتر ساقه ولكنه رغم الإحباط الذى أصابه فى البداية لم يستسلم واستمر فى التدريب حتى أصبح بطلًا للعالم لذوى الإعاقة.. بروح يملؤها التحدى والبطولة والقوة والعزيمة التى لا تقهر رغم شدة الإصابة والألم.. فشعرت بأننى خرجت من حالة الإحباط والاستسلام وعدت مجددا لروحى المقاتلة والإصرار على محاربة الفساد فبلدنا يستحق أن نقاوم من أجله.. وكما يحارب أبطالنا من القوات المسلحة والشرطة ويضحون بحياتهم كل يوم فداءً له علينا أيضا أن نحارب كل فى موقعه ولا نتركه للمفسدين والفاشلين ليعبثوا به، وإذا كان الثمن هو ما ندفعه من أوقاتنا وأعصابنا فهو ثمن بخس أمام ما يقدمه خيرة شبابنا ورجالنا من تضحيات لكى تحيا مصر وهى لن تحيا إلا إذا قاومنا جميعا حتى لا تذهب تضحياتهم وأرواحهم سدى.
آراء حرة
ورغم كل شىء.. عمار يا مصر
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق