فى مساء يوم الجمعة الثالث والعشرين من نوفمبر ٢٠١٢، باتت مصر مقسمة إلى فريقين، الأول فى ميدان التحرير يشجب ويدين ويرفض الإعلان الدستورى الذى أصدره مرسى ويطالبه بالتراجع عنه، والثانى فى محيط قصر الاتحادية يؤيد ويدعم ويصفق لهذا الإعلان الذى اعتبره عصام العريان ثورة جديدة يقودها الرئيس للإصلاح، وكان مرسى قد خرج لمؤيديه وخطب فيهم كما ذكرنا فى المقال السابق واصفًا إياهم بأهله وعشيرته، وواصفًا من يعارض قراراته الأخيرة بأنهم قلة مندسة ومتآمرة فى حارة مزنوقة ولا تمثل جموع الشعب، وعقب انتهائه من إلقاء خطابه المرتجل، والذى ساهم بشكل كبير فى زيادة الاحتقان وخفض شعبيته، التقى صفوت حجازى ومحمد البلتاجى وعصام سلطان عند بوابة الاتحادية، وأخذوا ينقلون له بعض أحاديث النميمة عما حدث بين أعضاء جبهة الإنقاذ أثناء اجتماعهم الذى تم فى مقر حزب الوفد، وكيف اختلفوا فيما بينهم عندما أراد كل واحد فيهم أن يقرأ البيان الذى اتفقوا عليه بأعجوبة، وأن صباحى والبرادعى أرادا دعوة الجماهير للنزول، بينما رفض ذلك أيمن نور وعمرو موسى والدكتور غنيم، وعللوا ذلك بأن الجماهير إذا خذلتهم فهذا يعنى هزيمة فريقهم، ولما سألهم مرسى عن سر هذا الحشد الذى يراه عبر شاشة التليفزيون فى ميدان التحرير أخبروه بأن فلول الحزب الوطنى قد خرجت معهم، بالإضافة إلى بعض المأجورين الذين حصل الواحد منهم على مائتى جنيه للتظاهر وزجوا بأسماء بعض رجال الأعمال من أعضاء الحزب الوطنى خاصة محمد كامل، وقالوا له أيضًا إن الإعلام يهول المشهد وذلك بتصوير الميدان بطريقة تشعرك بأن الآلاف يقفون بداخله، وطلب مرسى منهم ضرورة الخروج إلى وسائل الإعلام، وشرح الأسباب التى دعته لإصدار هذه القرارات، وقبل أن يهم بالتحرك نحو مكتبه بالقصر استوقفه حجازى، وأخذ يقسم له أن ما يحدث فى ميدان التحرير سينتهى بمجرد حلول الليل، فهؤلاء لا طاقة لهم على الاعتصام، وجاء الليل بعكس ما تخيله حجازى وأقسم عليه، فقد نصبت الخيام بميدان التحرير وقرر البعض الاعتصام حتى يتراجع مرسى عن قراراته، وفى اليوم التالى أصدر المجلس الأعلى للقضاء بيانًا يؤكد فيه أن هذا الإعلان الدستورى هو اعتداء غير مسبوق على استقلال القضاء وأحكامه، وعلى الفور طلب مكتب الإرشاد من حركة «قضاة من أجل مصر» إصدار بيان لتأييد الإعلان الدستورى، وهكذا صارت مصر مقسمة أمام العالم ولم يفكر مرسى لحظة واحدة لا هو ولا جماعته فى أن ينصت لمعارضيه وأن يلم شمل الوطن، بل ازداد الطين بلة بدعوة الإخوان والتيارات السلفية لمليونية الشرعية والشريعة، فى الوقت الذى اجتمع فيه أعضاء الجمعية العمومية لنادى القضاة برئاسة المستشار أحمد الزند ليعلنوا رفضهم التام لهذا الإعلان الدستورى، ومطالبة الرئيس بالتراجع عنه، ومناشدة المستشار طلعت إبراهيم أن يعتذر عن قبول منصب النائب العام، كما تقرر شطب جميع القضاة المنتمين لحركة «قضاة من أجل مصر» الذين أيدوا الإعلان الدستورى من عضوية نادى القضاة، واتفق بعض القضاة على الاعتصام داخل النادى ابتداء من يوم الثلاثاء ٢٧ نوفمبر، فى هذا الوقت كانت مظاهرات الرفض تحدث بشكل يومى، ابتداء من الثالثة عصرًا، وانتقل الأمر من القاهرة إلى مختلف المحافظات، بينما راح أعوان الرئيس وأتباعه يبررون عبر وسائل الإعلام السبب الذى قاد مرسى إلى إصدار هذه القرارات، وأخذوا يؤكدون أن مرسى يواجه حربًا شرسة مع بقايا النظام السابق الذين يسيطرون على أجهزة الدولة، وأنه يعانى من عدم قدرته على مواجهة الفساد أو الثأر للشهداء، فالمحاكم تبرئ كل رموز مبارك، وتعمل على حل المجالس النيابية وتعرقل مسيرة النهضة التى ينوى مرسى الانطلاق إليها. وقام أعوان الرئيس بمغازلة التيارات السلفية حين أكدوا أن المعارضين للإعلان الدستورى هم من العلمانيين فقط الذين يرفضون الحكم الإسلامى وتطبيق الشريعة، وجاء يوم السبت الأول من ديسمبر، ليتم حشد ما يقرب من مليون شخص، جميعهم من التيارات السلفية إلى جانب أعضاء جماعة الإخوان، وقد جاءوا من كل حدب وصوب بواسطة أتوبيسات كانت تنقلهم من مختلف المحافظات، وأقيمت عند جامعة القاهرة منصة خطب عليها الملوثة أيديهم بدماء السادات ورفعت المحجوب وغيرهما من ضحايا إرهاب الثمانينيات والتسعينيات، حيث وقفوا يتوعدون بالذبح كل من سيعارض الرئيس مرسى ونعتوا جبهة الإنقاذ بجبهة الخراب، وشتموا فى القضاة وبعض الإعلاميين وهتفوا «إسلامية اسلامية رغم أنف الليبرالية» و«أنت يا زند يا رئيس النادى آخرك شاى وعصير وزبادى»، ودعوا إلى الاعتصام حول المحكمة الدستورية، كى لا تصدر حكمًا بحل مجلس الشورى، وقال يسرى حماد المتحدث الرسمى لحزب النور إن مليونية الشرعية والشريعة أنذرت كل من يداعبه خياله للوقوف ضد إرادة الشعب وطلب مرسى خروج طائرة خاصة لتصوير هذه المليونية، لكى يرى العالم أن أنصاره أكثر عددًا من معارضيه.. وللحديث بقية.
آراء حرة
30 يونيو المقدمات والنهايات «24»
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق