أعلنت محافظة الأقصر عاصمة
الثقافة والتاريخ والسياحة العالمية، فجر اليوم بدء فصل الشتاء بعد أن شهدت ظاهرة
مرور الشمس علي قدس أقداس معابد الكرنك بالبر الشرقي وتعامدها على قدس أقداس معبد
حتشبسوت بالبر الغربي، بحضور محمد بدر محافظ الأقصر.
واحتشد مئات السياح من زوار الأقصر فجر اليوم، بمعابد
الكرنك حيث شارك بهذه الظاهرة التي رصدها وتوصل إليها مركز البحوث الأثرية في
جمعية المرشدين السياحيين في الأقصر، الدكتور مصطفى وزيري مدير عام آثار الأقصر
وعلماء الآثار والفلك بجانب عدد من علماء المصريات ومسئولي السياحة والشباب والرياضة
والثقافة والآثار والمرشدين السياحيين والمشاركين في رحلات قطار الشباب والعديد من
السياح الذين يزورون الأقصر حيث يأتي الاحتفال برصد الظاهرة ضمن جهود محافظة
الأقصر وغرفة شركات السياحة ونقابة وجمعية المرشدين السياحيين في جذب مزيد من
السياح والتعريف بعظمة الحضارة المصرية القديمة.
وبدأ الاحتفال بالتواجد في
ساحة معابد الكرنك لرصد الظاهرة في تمام الساعة الخامسة والنصف انتظارًا لشروق الشمس
في أرجاء المعبد، وعقب ذلك تم التوجه داخل المعبد وتتبع أشعة الشمس علي الأعمدة
والحوائط والدخول إلى قدس الأقداس في تمام السادسة لرصد الظاهرة وبعد ذلك التوجه
إلى البوابة الشرقية في نهاية المعبد لمشاهدة عبور الشمس عبر بوابات المعبد متجهة
غربًا إلى معبد حتشبسوت في البر الغربي الذي يقع على امتداد معابد الكرنك.
وأكد محمد بدر محافظ الأقصر، أن رصد ظاهرة مرور
الشمس علي قدس الأقداس بمعابد الكرنك وربطها بتعامد الشمس على معبد حتشبسوت في نفس
التوقيت يعد من أهم الظواهر الفلكية التي تحمل العديد من أسرار الحقبة الفرعونية
الأمر الذي يسهم بشكل كبير في تنشيــط السياحة والتعريف بالحضارة المصرية القديمة
وزيادة المناسبات على أجندة السياحة المصرية.
وأشار بدر، إلى أن المحافظة
تعمل كل عام على تسويق الحدث ليكون على أجندة مصر السياحية وذلك في إطار الجهود
الجارية لتنويع المنتج السياحي واستعادة التدفقات السياحية للمدينة مجددا بجانب
الاستعداد لاستضافة عدد آخر من الفعاليات والأحداث الثقافية والفنية والسياحية.
وأوضح مدير آثار الأقصر، مصطفى وزيري، أن تعامد
الشمس هي الظاهرة الفلكية التي يدرسها ويرصدها علماء وباحثي الآثار سنويًا لإيجاد
التفسير العلمي لها لافتا إلى أن هذه الظاهرة تحدث سنويًا على مدار يومي 21 و22 من
ديسمبر حيث تمر الشمس على قدس أقداس الإله آمون بمعابد الكرنك بالبر الشرقي
وتتعامد على قدس أقداس معبد حتشبسوت بالبر الغربي في نفس التوقيت الأمر الذي يطرح
التساؤل حول ماهية هذه الظاهرة والغرض منها وما قصده بها قدماء الفراعنة.
وأشار وزيري، إلى أن محاور
معبدي الكرنك والدير البحري ( حتشبسوت) تتجه ناحية الأفق الذي تشرق منه الشمس في
يوم الانقلاب الشتوي، الأمر الذي يؤكد أن قدماء المصريين كانوا على دراية تامة
بحركة الأرض حول الشمس أو الحركة الظاهرية للشمس حول الأرض، كما أن معابد الكرنك،
ومعبد حتشبسوت يقعان على محور هندسي واحد مؤكدا إن تعامد الشمس على المعابد المصرية
القديمة، ليس "محض صدفة"، وأن طرق بناء واجهات المعابد والمقاصير
المصرية القديمة تم بناءًا على مفاهيم معمارية ودلالات دينية كانت سائدة في مصر
الفرعونية، تؤكد على أن بناء المصري القديم لمعابده الدينية تم من وجهة نظر
لاهوتية، حيث أقامها ودشنها كبرزخ سماوي يسلكه قرص الشمس مع معبوده ورفقته
المقدسين في ترحالهم ما بين العالم السفلي والعالم المرئي، وعليها يتأكد لنا أن
كافة المعابد الدينية التي أقامها الفراعنة تتوجه قبلتها نحو مواطن شروق أو ظهيرة
أو غروب قرص الشمس سواء بصورة فلكية مباشرة في أيام أعياد بعينها أو بصورة رمزية
طبقًا لما ورد في النصوص الدينية، وعلى هذا يتبين صدق مقصد المصري القديم في تدشين
ظاهرة تعامد أشعة الشمس على معابده ومقاصيره المقدسة إبان شروق أيام بعينها وهو
أمر تؤكده الدلالات اللاهوتية لأشعة الشمس.
وقال الأثري أحمد عبد القادر
مرشد سياحي وأحد المهتمين بالظاهرة: إن الاحتفال برصد الظاهرة تم لأول مرة في عام
2012 ويتم الاحتفال بها 4 مرات متتالية يوم 21 من شهر ديسمبر سنويا بينما تكون
المرة الخامسة يوم 22 مشيرا إلى أنها تحدث مرتين في العام الأول في 21 يونيو وهو
موسم الفيضان عند المصري القديم أو فصل الصيف كما هو معروف حاليا والذي يمثل عندهم
موسم الخصوبة والزواج والثانية في فصل الشتاء يوم 20 ديسمبر عند الفراعنة أو 21
ديسمبر في التقويم الميلادي الحديث، أو 22 ديسمبر بسبب دوران الأرض حول الشمس كل 4
سنوات ودورة حول نفسها كل 26 ألف سنة والتي تمثل موسم الحصاد.
وأشار عبد القادر إلى أن اكتشاف الظاهرة ورصدها يرجع
إلى مركز البحوث الأثرية في جمعية المرشدين السياحيين في الأقصر، ويتزامن تعامد
الشمس على قدس أقداس الإله آمون بمعبد الكرنك مع تعامد مماثل للشمس على قدس أقداس
معبد الملكة حتشبسوت غرب الأقصر والمعروف باسم معبد الدير البحري وذلك ضمن ثلاثة
أحداث متزامنة لتعامد الشمس على ثلاثة معابد مصرية في محافظتي الأقصر والفيوم ضمن
ما يسمى بيوم الانقلاب الشتوي ونقل الشمس الذي يعد إيذانًا ببدء فصل الشتاء لدي
المصريين القدماء والذي يوافق 21 من شهر ديسمبر في كل عام.
وقال أيمن أبو زيد مدير رئيس
جمعية التنمية السياحية قال: إن مدة التعامد تستمر 6 دقائق ثم تنتقل إلي بهو
الأعمدة مشكلة علامة "الأخت" الفرعونية بمعني "الأفق" في
تأكيد لعلاقة آمون بعبادة الشمس مشيرة إلى إن ظاهرة تعامد الشمس علي قدس أقداس
المعبود آمون في معابد الكرنك تناولتها من قبل دراسات أثرية سابقة للفرنسيين
نيكولا جريمال ولوك جافلود وهما من علماء المصريات الذين عملوا لسنوات في معابد
الكرنك.
فيما أكد رمضان حجاجي، رئيس غرفة شركات السياحة
بالمحافظة، أن الجهات المختلفة بالمحافظة تسعى لتسويق الحدث ليكون على أجندة مصر
السياحية، وذلك في إطار الجهود الجارية لتنويع المنتج السياحي واستعادة التدفقات
السياحية للمدينة مرة أخرى بجانب الفعاليات والأحداث الثقافية والفنية والسياحية
الأخرى التي تنفذها سلطات محافظة الأقصر ضمن مساعيها للخروج من أزمة التراجع
السياحي التي تعانيها المحافظة.
جدير بالذكر، أن معابد الكرنك تعد من أعظم المعابد
التي شيدها ملوك مصر ولا يزال ما تبقى منها من إطلال يقـف شاهدا على إبداعات
الحضارة المصرية ؛ تعتبر معابد الكرنك بمثابة سجل تاريخي حافل لتاريخ وحضارة مصر
ابتداء من الدولة الوسطى حتى حكم البطالمة لمصر فقد قام ملوكهم بتشييد المقاصير
والبوابات في حرم الكرنك وذلك تمشيًا مع سياستهم المعهودة لإرضاء آلهة وكهنة مصر.