الأربعاء 27 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

نهاية التاريخ أم نهاية الليبرالية؟

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
على مر التاريخ الإنساني، واجهت الديمقراطية تحديات عديدة، فى بعض المراحل التاريخية، انتكست وتراجعت فيها، لكنها سرعان ما عادت قوية نشيطة، واجهت الديمقراطية فى الماضى تحديات الفاشية والنازية والشيوعية والأنظمة الديكتاتورية، وانتصرت، واليوم تواجه الديمقراطية الليبرالية الغربية، تحديين قويين جديدين، أولهما: تحدى الموجة الشعبوية اليمينية القومية المتصاعدة فى العديد من المجتمعات الغربية وفى الولايات المتحدة الأمريكية، وهى موجة عنصرية متعصبة، تعادى القيم الليبرالية كالحرية والمساواة والعدالة واحترام حقوق الإنسان، كما تعادى الآخر القادم من أصول غير أوروبية، وتنظر إليه كعدو مهدد للهوية الوطنية والقومية والثقافة الغربية، ولا سيما بعد تزايد أعداد المهاجرين واللاجئين، وارتفاع معدلات التناسل لدى الجاليات المقيمة فى المجتمعات الأوروبية والأمريكية فى مقابل شيخوخة القارة العجوز، وتراجع معدلات تناسل الرجل الأبيض!
لقد حققت الموجة الشعبوية اليمينية انتصارات عديدة مؤخراً، أوصلت دونالد ترامب إلى منصب الرئاسة الأمريكية، مكذبة كل الاستطلاعات التى رجحت فوز المرشحة الديمقراطية هيلارى كلينتون، ورجحت كفة الغالبية البريطانية التى صوتت للخروج من الاتحاد الأوروبي، وكانت وراء الأغلبية الشعبية الإيطالية التى رفضت خطة الإصلاح الاقتصادي، وكانت من مسببات فوز اليمينى «فيون» على منافسيه الأكثر اعتدالاً فى الترشح للمنصب الرئاسى الفرنسي، وفى ظل هذا الاكتساح للموجة الشعبية، فإن جميع المؤشرات تشير إلى أن القادة الشعبويين هم الذين سيحكمون أوروبا، السنة القادمة، وخاصة أن الأحزاب اليمينية الشعبوية حققت معدلات انتخابية متقدمة فى العديد من دول الاتحاد الأوروبي، بل إن مصير المنظومة الاتحادية الأوروبية، ككيان اقتصادي، مهدد بالتفكيك والانقسام إذا وصل الشعبويون إلى السلطة، لأنهم كما يكرهون الأجانب يكرهون أيضاً الاتحاد الأوروبى الذى سمح للمهاجرين بغزو أوروبا وفرضهم على بلدانهم، وسلب منها السيادة الوطنية وطمس هويتها الأصلية.
أما التحدى الثانى فهو الأخطر للديمقراطية الغربية، وهو التحدى الإرهابى «المعولم»، الذى نجح فى ضرب العواصم الأوروبية، فى عقر دارها، بل على يد أبنائها المنحدرين من ذوى الأصول الشرقية، لقد أثبتت كل العمليات الإرهابية البشعة التى ضربت باريس وبروكسل ولندن وغيرها من المدن الأوروبية والأمريكية، أن الديمقراطية -كنظام سياسى أمنى- عاجزة تماماً عن حماية مجتمعاتها أمام الخطر الإرهابي، بسبب تغليبها «الجانب الحقوقي» المتعلق بحقوق الإنسان على «الجانب الأمني»، بدليل أن الإرهابيين والمشتبه فيهم وأصحاب السوابق الإجرامية، كانوا يتنقلون بحرية وسهولة بين الدول الأوروبية، وتحت أنظار رجال الأمن الذين كانوا يقفون عاجزين عن اتخاذ أى إجراء ضدهم، ينقذ المجتمعات من مخططاتهم العدوانية، بل إن «الفلسفة العقابية الغربية» وصلت فى تساهلها وتسامحها وتسيبها إلى حد «تدليل السفاحين»، وكل ذلك بحجة حماية حقوق الإنسان، وحرياته!
هذا التساهل والتسامح الذى يصل إلى حد تدليل المجرمين والإرهابيين، هو الذى ولّد فى النهاية «ردود فعل» قوية لدى شعوب المجتمعات الديمقراطية، وهز قناعاتها وثقتها، ليس فقط بسياسات حكوماتها الأمنية «المتراخية» فى حمايتها، بل أيضاً، وهو الأخطر، بالديمقراطية نفسها، كنظام وقيم وسلوكيات وآليات وإجراءات.
أخيراً: فإن موجات الطوفان البشرى المتدفق الذى يغزو أوروبا، وانتشار الإرهاب المعولم، وعجز المنظومة الأمنية الأوروبية عن مواجهته، والهجمة القومية المندفعة للأيديولوجية الروسية المدججة بالسلاح الثقيل، والمسمى بـ «النظامية» orderism، فى مقابل عجز الديمقراطية الأمريكية وفشلها فى المواجهة، طبقاً لوحيد عبدالمجيد، كلها عوامل زلزلت قناعات الشعوب -هنا وهناك- بجدوى الديمقراطية، كنظام كفء فى مواجهة التحديات المستقبلية، وهذا يفرض على الأنظمة الديمقراطية، سرعة المبادرة إلى تصحيح أوجه القصور والخلل فى السياسات المتبعة، وإلى مزيد من الإصلاحات الداخلية، وإلا فإن مستقبل الديمقراطية، وكذلك مستقبل «الليبرالية» التى راهن عليها فوكاياما فى «نهاية التاريخ» معرضان لمزيد من التراجع والانحسار، وقد تراجعت الديمقراطية اليوم، فعلاً، فى ٤٨ دولة.
نقلًا عن الجريدة الكويتية