نُخطئ إذا أهملنا ردات فعل بعض المصريين مسلمين ومسيحيين على الجريمة الإرهابية بالكنيسة البطرسية، فقد جاءت عاكسة لنزعات طائفية غير حميدة تكمن تحت السطح، وإن لم تصل بعد إلى حد اعتبارها جمرا تحت الرماد.
لكن مفردات ردود الأفعال تلك وطريقة واتجاهات حركتها جعلتها تبدو كاحتكاك الأحجار قبل اشتعال الشرر؛ حيث تولد عنها حرارة مجتمعية تُنذر بخطر ربما بات وشيكاً.
صحيح أن رد الفعل الغالب عكس وحدة النسيج المصرى وإيمان الجميع بأننا واحد صحيح لا يقبل القسمة على اثنين، وقد تجسد ذلك فى اندفاع المئات من المواطنين المسلمين للتبرع بالدم للمصابين.
ومع ذلك لم يخل الأمر من خطاب طائفى سرى فى بعض مواقع التواصل الاجتماعي، ووجدنا من يهاجم ترحم مصريين مسلمين على الضحايا ووصفهم للمتوفين بالشهداء، وظهرت عبارات تعكس تطرفاً وتشدداً لا يقود سوى إلى هاوية الفتنة، أغلب تلك العبارات جاء موافقاً لفكر وأدبيات، بل وألفاظ التيار السلفي، وعموم ما تسمى بالجماعات الإسلامية؛ حيث تم تكفير المسيحيين واستنكار وصفهم بالشهداء، وفى أحسن الحالات صحب ذلك الاستنكار بعض عبارات التعاطف.
الخطير فى الأمر أن أصحاب ذلك الموقف الطائفى يبدون أناس عاديين يسمعون الأغانى ويذهبون إلى السينما ويتفاعلون فى مواضع أخرى بشكل طبيعى لا يبدو فيه هذا التأثير السلفى الوهابي.
الأخطر من ذلك أنهم ساقوا آيات قرآنية وأحاديث نبوية للتدليل على صحة موقفهم، وفى المقابل قام مصريون مسيحيون بتجميع تلك المنشد ورات وأعادوا ترويجها مصحوبة بعبارات تؤكد أن مثل هذه المواقف الطائفية تعكس ثقافة غالبة لدى معظم المصريين المسلمين.
انظروا كيف بدأت المشاعر الطائفية تتولد وكيف أخذ كل فريق يحتمى بجماعته الدينية، وقد وصل الأمر فى بعض الأحيان إلى مستوى الحديث عن أن المصريين المسيحيين هم أصحاب الوطن الأصليين، والباقون مجرد دخلاء؛ وقد عبر عن ذلك بوضوح مواطن مسيحى فى مداخلة هاتفية مع الإعلامى وائل الإبراشي، ليهدأ من حدة انفعال أحد ضيوفه، قائلاً: «اهدأ يا مايكل نحن متفقون أننا أصحاب الأرض الأصليين، ومن ثم نحن الأولى بدفع الثمن».
فى هذا دلالة خطيرة لما يروج فى بعض الأوساط المسيحية، خاصة بين الفئات الأقل وعياً وثقافة بغض النظر عن مستوى التعليم، وللأسف زاد الإعلامى إبراهيم عيسى الطين بلة كعادته؛ حيث قال بغضب يشبه غضب شخصيات أفلام الكارتون: «لا يجب أن ننسى أن الأقباط هم أصحاب الأرض الأصليين إذا حبينا نتكلم بجد». ونسى نظرياته العيساوية عن المواطنة والدولة المدنية الحديثة، بل وبدى مُصراً على نعت المصريين المسيحيين بالأقباط ليؤكد مصريتهم دون غيرهم، رغم علمه يقيناً أن جميعنا أقباط أى مصريون، بيننا مسلم ومسيحى ويهودى وبهائى وربما لاديني.
المتلاعبون بالأفكار؛ حيث وجه المصلحة مثل إبراهيم عيسى لا يقلون خطورة عن نُظار المدرسة الوهابية المنتشرين فى الأزهر والأوقاف، وأمراء ما يسمى بالإسلام السياسي، وإن كان هؤلاء هم أصل الداء.
فما كان لمصرى أن يكفُر مصرياً لو لم تكن للوهابية هذه السيادة على الفكر الدينى المصري؛ وهى السيادة التى زرع بذورها إمام الإرهابيين والمكفرين حسن البنا وخلفائه من مرشدى ومفتى وشيوخ الجماعة الإرهابية الذين انتشروا كأورام السرطان فى جسد الأزهر الشريف بفضل أموال الخليج.
الوهابية للأسف ليست حكراً على الملتحين والمعممين، وإنما باتت تتحكم عن بعد فى عقل البيروقراطية المصرية؛ وهذا ما يفسره استبعاد المسيحيين من وظائف إدارية ومناصب علمية بعينها؛ وهو تراث موجود منذ سبعينيات القرن الماضي، ولا أظن هدمه سيكون سهلاً اللهم إذا جعلت الدولة سيف القانون ماضياً حاداً على رقاب الجميع.
أن يُسمح لشيوخ حزب دينى يصف نفسه بالسياسي؛ وهو حزب النور بتحريم تهنئة المواطنين المسيحيين بأعيادهم دون أن يُزج بهم إلى السجون بتهمة التحريض على الكراهية وإثارة الفتنة كفيل بتأجيج المشاعر الطائفية وخلق وجدان عام مشوه ومعيب.
أن تحاول وزارة الداخلية مع بيت العائلة الالتفاف على دولة القانون والمواطنة فى جرائم تحاول إشعال الفتنة الطائفية، بإنهاء الأمر عبر الجلسات العرفية، لأمر كاف بأن يشعُرنا بغصة فى حلوقنا لأن الدولة لا تبدو واعية بواقع مجتمعى مضطرب ومشوه قد يتحول إلى خطر طائفى محقق.