السبت 23 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

تغيرات المجتمع المصري

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كانت تركيبة المجتمع المصري حتى أواخر الخمسينيات من القرن الماضي شديدة الوضوح، ويمكن بسهولة تقسيمه إلى طبقات اجتماعية بشكل دقيق ودون لبس، كانت كل طبقة ذات ملامح واضحة، ويمكن رصد سلوكها الاجتماعى والثقافى وموقفها السياسى، كان المستويان الإجتماعي والاقتصادي وأثرهما على النواحي التعليمية هى العامل الأساسي للتصنيفات التي تنعكس على المناطق الجغرافية التي تجمعهم، وكانت المناطق الأرستقراطية تحدد وبشكل مباشر طبيعة سكانها ومنها يمكن تحديد أين تفضل هذه الطبقات السفر وأين تقضى مصايفها ومشتاها، وأين أماكن تنزهها.
وكذلك الحال حين نذكر المناطق الشعبية حيث يغلب على قاطنيها نوعية معينة من التعليم والأعمال مثل طبقة العمال والحرفيين، وهنا نوضح أن المناطق الشعبية ليست منطقة عشوائية بمفهومنا الحالى، فهذه الطبقة أيضا كانت واضحة المعالم ويمكن بسهولة دراسة سلوكها الثقافى والاجتماعى والتعرف على ميولها السياسية، وكذلك الحال حينما تذكر أى محافظة ريفية أو اسم قرية، يمكنك توقع شكل زي سكان هذه القرية وشكل منازلهم وكيف يديرون حياتهم اليومية.
إلى أن بدأ تبدل حال المجتمع المصري أواخر الخمسينيات من القرن الماضي وصولا إلى منتصف السبيعنيات من  القرن ذاته وما شهده من سياسات الانفتاح التي أحدثت تغييرا في التركيبة المجتمعية في مصر وما تبعها من سفر المصريين لمنطقة الخليج وبداية ظهور الجماعات المتطرفة بشكل واضح.
ومع بداية حقبة الثمانينيات انهارت التعريفات الطبقية داخل المجتمع المصرى وصارت طبقاته فى تداخل شديد، انتشرت ظواهر اجتماعية لم تكن موجودة قبل ذلك والتي منها ظهور سكان المقابر، ثم الأسر التى تعيش على جمع القمامة، وتزامن مع ذلك صعود القوة الاقتصادية لكبار الموظفين الذين حصلوا على تعليم جامعى مجانى من أبناء الفلاحين والعمال وأصحاب الحرف، وبدلا من أن يتطبع هؤلاء بطباع الطبقة المتوسطة المتوارثة لقرون، أتوا بقيمهم وطباعهم وسلوكهم، ففرضوا سيطرتهم على المجتمع كله، من خلال قوتهم الاقتصادية وأماكن نفوذهم.
عادة ما تذهب النخبة خصوصا ذات الميول الناصرية، إلى الهجوم المباشر على فكرة الطبقية باعتبارها شر مطلق، وإفتراض أن طبقات المجتمع العليا كانت مغلقة فى وجوه الطامحين من أبناء الريف والعمال والطبقات الفقيرة، غير أن هذه الفرضية ليست صحيحة، فكانت هذه الطبقات مفتوحة بشرط الحفاظ على قيمها وإتباع تقاليدها.
غير أن آخرون استطاعوا رؤية ما يحدق بقيم الطبقة المتوسطة والمدينة وظهرت مصطلحات "معركة ترييف المدينة"، وحفل تاريخ السينما المصرية بالأفلام التى تحكى تاريخ الصراع بين فئات مثل الأطباء والمهندسين والمدرسين وأساتذة الجامعات، أمام أفراد من شرائح إجتماعية أقل تعليما وثقافة ليفرضون ثقافتهم وقيمهم على سكان المدن المتمدنين ثقافيا بفضل ثرواتهم الناشئة حديثا والتى ألحقتهم اقتصاديا بالطبقات المتوسطة والعليا، لكن ظلوا ينتمون قيميا للطبقات التى أتوا منها.
ومع دخول حقبة التسعينيات اكتشف المصريون أن بين سكان المناطق الراقية مواطنين فقراء، وأن هناك بين سكان المقابر ومقالب القمامة من يمتلكون ثروات طائلة، وهناك أميين يمتلكون ثروات مكنتهم من السكن فى أماكن سكان الطبقات العليا.
ومع هذا التداخل الشديد بين الطبقات لم يعد هناك معيارا واحدا يمكن أن تصف به طبقة محددة فى مصر، فهناك فقراء يسكنون فى مناطق الأغنياء والعكس، فلم يعد التصنيف الجغرافى آلية يمكن من خلالها تصنيف المجتمع وتوقع تصرفاته، وعلى الجانب الاقتصادي فإن جامعى قمامة لديهم ثروات غير مسجلة وليسوا فقراء رغم سكنهم فى مناطق عشوائية تماما نتيجة طبيعة عملهم، فيما بعض أستاذة الجامعة يعيشون على حد الكفاف.
لم يعد فى مصر طبقة يمكن وصفها وتحليلها بسهولة، كما لم يعد هنا منظومة قيمية مسيطرة يمكن الارتكان إليها، لمعرفة مقوماتها الإقتصادية ومستويات دخولها وبالتالى نمط سلوكها الإجتماعى وتوجهاتها وميولها السياسية.
إنهيار الطبقات فى العقود الماضية لم يزامنه تشكيل وعى أو ثقافة بديلة للقيمة التى انهارت مع المدافعين عنها من سكان المدن، فأصبحت العشوائية هى السائدة على سلوكيات كافة شرائح المجتمع.