القاهرة كامل العدد.. تصرخ من الازدحام.. أكثر من 5 ملايين نازح يدخلونها يوميًّا.. معظمهم من محافظات الوجه البحري.. الأغرب أن القضية تدرس منذ سنوات فيما يبدو أنها سقطت من حسابات المسئولين.. خبراء أكدوا أنها أهدرت على الدولة المليارات، وتسببت في وجود 1300 منطقة عشوائية، وطالبوا بتوزيع المناطق الصناعية للمواجهة، وسرعة الانتهاء من العاصمة الإدارية.
دراسة ماجستير بجامعة الإسكندرية، كلية التجارة للباحثة دينا نيروز لبيب، رصدت الظاهرة، وقالت: إن المشكلة الرئيسية التي تعاني منها مصر هي اختلال التوزيع الجغرافي للسكان، وتمثل الهجرة الريفية - الحضرية أحد أسباب هذا الاختلال، وهو أمر يعوق الاستخدام الكفء لموارد الدولة، حيث يتجه الريفيون إلى المناطق الحضرية المكدسة بالسكان الأصليين، ويتحولون في أغلب الأحيان إلى طاقة عاطلة، بينما مناطق أخرى تذخر بالموارد الطبيعية مثل المعادن والإمكانيات غير المستغلة لعدم توفر العنصر البشري بها.
ولفتت الدراسة إلى أن الوزن النسبي لتيار الهجرة الريفية إلى الحضر وخصوصًا إلى القاهرة قد ارتفع بمقدار 6%، مما يوضح استمرار هذا التيار في النمو مقارنة بباقي تيارات الهجرة الداخلية، وهو ما يمثل مؤشرًا لمدى خطورة استمرار هذا التيار بالوضع الحالي.
هنا يقول الدكتور صلاح هاشم، أستاذ التنمية والتخطيط ورئيس الاتحاد المصري لسياسات التنمية والحماية الاجتماعية: إن هناك معدلات متزايدة للهجرة الداخلية، خاصة من القرى إلى المدن ومن الصعيد إلى الوادي، ويعود إلى مشكلة مزمنة منذ فترة كبيرة ومفادها غياب العدالة في توزيع عوائد التنمية داخل المحافظات المختلفة ونسيان تلك المحافظات، فمحافظات الصعيد على سبيل المثال تعاني من عدم وجود برامج التنمية، علاوة على انخفاض خصوبة الأراضي بعد إنشاء السد العالي، وعدم وجود خدمات أو مشروعات قومية هناك.
وأضاف هاشم، أن هذا الأمر ترتب عليه عدم استيعاب الصعيد للطاقات البشرية؛ لتشكل الهجرة الداخلية من تلك المحافظات عبئًا على المحافظات الكبرى كالقاهرة والإسكندرية، وهو ما ترتب عليه ظهور العشوائيات التي وصل عددها إلى 1300 منطقة عشوائية تقريبًا داخل القاهرة والإسكندرية وبورسعيد، مؤكدًا أن الصعيد يعاني من الحرمان الاقتصادى والثقافي، وارتفاع معدلات الفقر، الذي يصل إلى نحو 45% مقارنة بمحافظات الوجه القبلي.
ولفت إلى أن ذلك يتطلب ضرورة إعادة النظر في محافظات الوجه القبلي؛ لأن استمرار الهجرة إلى المحافظات الكبرى يغرّم الدولة مليارات من الجنيهات عوضًا عن غياب التنمية داخل المحافظات التي تحدث الهجرة منها، مطالبًا بأن يكون هناك نقل للوزارات والمؤسسات الرسمية إلى المحافظات التي تشهد غياب الخدمات وفرص العمل، لافتًا إلى أن المشروعات القومية الكبرى التي يتم تنفيذها حاليًا لا تخدم قطاعًا كبيرًا من أبناء الصعيد نظرًا لأن أغلبها يتم تنفيذه بالصحراء التي لا يوجد بها عمران، وهو ما يتطلب الاهتمام بالمشكلة.
فيما وصف الدكتور عبدالحميد زيد، رئيس قسم علم الاجتماع بجامعة الفيوم ووكيل نقابة الاجتماعيين، القاهرة بـ"النداهة"، لافتا إلى أن محافظات الصعيد والوجه البحري تعد أكبر المحافظات التي تشهد هجرات مباشرة منها إلى العاصمة، وإلى أماكن التجمعات العمرانية الجديدة والصناعية، وذلك للمشاكل التي تعاني منها تلك المحافظات من قلة فرص العمل، والبطالة، وعدم وجود أنشطة اجتماعية واقتصادية، وضيق مساحة الأراضي التي تزرع، وهي عوامل تسهم في خلق المشكلة، وتأزم الوضع أكثر داخل المحافظات ذات الزيادة السكانية الكبيرة التي يتوافد إليها المواطنون من مختلف المحافظات.
وأضاف زيد، أن عوامل الطرد داخل المحافظات تؤدي إلى تفاقم المشكلة، وهو ما يجب أن يأخذه المخطط الاقتصادي في اعتباره، فيجب العمل على إزالة الفوارق بين المحافظات المختلفة من خلال توزيع المناطق الصناعية على تلك المحافظات المختلفة، ولذلك نحتاج إلى إعادة رسم الخريطة السكانية داخل مصر، مع أخذ تفعيل سبل تحقيق التنمية الاجتماعة والاقتصادية بالاعتبار داخل تلك شتى المحافظات، خاصة أن الهجرة الداخلية ترتبط بزيادة وجودها مع ما تتمتع به من الخدمات العامة وشبكة المواصلات والاتصالات، إضافة إلى مراكز التجارة والصناعة والتعليم.