لا نرسل خطابًا ولا مناشدة.. ما يطلب هنا أراده بالفعل شعبُ خرج خروجًا كبيرًا ملأ الشوارع والأزقة والطرقات ليسقط حكم المرشد، وسقط حكم المرشد بإرادة شعبية جمعية ثورية راديكالية.. فصلت الدين عن السياسة وذلك لب العلمانية فى الفصل ما بين الدين والدولة.. الدولة بتشريعاتها وقوانينها الوضعية المتمدينة.
شعبنا علمانى بالفطرة.. وإن لم يدرك ذلك، أو بعبارة أدق لم تعنه وقتئذٍ التسمية، انشغل بالفعل دون تسميته أو توصيفه، وما قد يعتبره البعض (هواجس التسمية) يراه آخرون ضرورة قصوى بعد أن عمد الظلاميون وبشكل ممنهج لتشويه كل المصطلحات والمفاهيم التى بات من الضرورى بل الحتمى تصحيحها ورفع الغبن عنها وحمى التشويه، لم تسلم الليبرالية ولا حتى الديمقراطية من ظلامية عبّاد العتمة.. ممن يودون ليس فقط طمس معالم أى تنوير بل العودة بنا لعصور القبح ضد أى بهجة أو ألق راغبين فى أن يقود القبيح الأعمى بصيرًا!!.
وبالمثل لم تسلم العلمانية من تشوهات هؤلاء الفكرية والعقلية والفطرية.. يهاجمونها وكأنها الطاعون وهم الداء عينه والسم الأكيد.
العلمانية بالنسبة إليهم غول وعنقاء وهم ليسوا ولن يكونوا خلنا الوفى
أدعياء الفضيلة يلصقون أبشع الأوصاف والتهم بمكتسبات الحضارة الإنسانية ومن آمنوا بها على مر العصور على قدم المساواة. لم يسلم من شرورهم من مات ليسلم الأحياء.
باسم الفضائل قتلوا مفكرين وشردوا وهجّروا أناسًا وأخرجوا مسيحيين من ديارهم وسمموا أفكارًا وخصوا عقولاً ودمروا شعوبًا وأجيالا بجهل منقطع النظير وظلامية مقيتة.. وآن الأوان بعد ثورتين أو موجتى غضب كبيرتين أن ينحسر مد هؤلاء فيلزموا بيوتهم أو جحورهم.. هم كالزبد يذهب جفاء أما ما ينفع الناس فيمكث فى الأرض، الأفكار والرؤى تحلق دومًا بعقولنا عاليًا لتثبت أقدامنا على الأرض الصلبة.. أرضية الوطن الواحد بتماسكه وصلابته وهيبته ضد من يدعى وصاية عليه باسمه أو باسم الإله.. الوطن وأهله أدرى بشعابه ومكوناته الثرية المتحولة.. وطننا مرت به ثقافات وحضارات وأناس جاءوا إليه ليأخذوا ويعطوا.. لدينا إرث لم يعد ولا يمكن أن يظل لنا وحدنا وهنا بيت القصيد.. إرثنا ليس لنا.. هو إرث كونى إنسانى يشترك ويشتبك معنا فيه جميع سكان الكوكب على اتساعه.. ولا يمكن بحال تطويعه لصالح جماعة أو جبهة أو حزب يفرض هيمنته وثقافته الأحادية المنغلقة على جموع البشر.. تدخل الدين وجماعاته فى السياسة والحياة العامة يؤدى لفرض طابع ثابت على أمور متغيرة.. تغيرها خاضع لقانون الصيرورة وسنن التطور ومكتسبات الحضارة التراكمية.. ومن هنا تأتى الفواجع الكبرى والحروب التى سببتها القراءة السياسية للنص الدينى.. والتى تهدف دومًا لجذب النصير ونبذ المخالف بما فى ذلك من هيمنة وسلطوية.
النص الدينى على مر العصور تحول إلى معارك وسلاح لا إلى تفاعل ولقاء.
تأويل النصوص المقدسة كان يصب دومًا لصالح الجماعة التى قامت بتأويله لا لصالح الإنسان فى العموم.. وبالتالى أصبح التأويل حكرًا على هؤلاء دون غيرهم.. ثم صار لكل جماعة تأويلاتها.. وهذا قد يبدو عاديًا واختلافًا برحمة فى حين أنه فى واقع الأمر اختلاف تحركه أهواء ومآرب أدت فيما بعد لخلافات حادة.. وللتخلص من تلك الكارثة الخلافية وهذا الالتباس القاتل فى أغلب الأحيان والمربك دومًا والذى تستحيل معه قواعد السلامة وحيث النهايات التى لا تحمد عقباها.. بات من الأحوط والأسلم أن يكون الدين تجربة فردية خاصة حرة، واعتقاد والتزام فردى لا يلزم إلا صاحبه وذلك يضمن حرية الفرد المطلقة والكاملة فى اختيار ما يشاء ومن ثم احترام ذلك احترامًا كاملاً.. ويجرد فى نفس الوقت الدين من العنف الكامن فى تسييسه وتوظيفه لمآرب هذا أو ذاك.. والمآرب عادة ما تكون حروبًا وقهرًا وقتلًا.. تحول الدين لأداة سلطة وقمع.
الجماعات والكيانات – حتى الرسمى منها والذى أسبغت عليه صفة الوسطية – تستولى دومًا على النص الدينى.. والاستيلاء عليه يعنى أولاً احتكاره ثم تحديده فى حدود ضيقة تؤدى فى النهاية لتوظيفه على النحو الذى أشرت إليه.
والأسبوع القادم نكمل..