إذا كان السؤال الذي جال بخاطر العراقيين والعرب "متى التخلص من تنظيم داعش الإرهابي؟"، ومتى تنتفض الدولة العراقية للقضاء على التنظيم الإرهابي لبداية استقرار يقود العراق لمستقبل آمن، فإن السؤال الأهم الآن هو "ماذا بعد التخلص وإلى أين مستقبل بلاد الرافدين؟".
يدور هذا السؤال الآن بعد أن طفت على السطح بوادر الانقسام والصراع بين فرقاء شيعة العراق أنفسهم، وماذا عن المشهد العراقي بعد تحرير الموصل من تنظيم داعش، ومن سيعتلي السلطة وتكون له الغلبة والقوة في دولة تتحكم فيها النزعة الطائفية؛ إذ تلوح في الأفق بوادر صراع مسلح على اعتلاء منصات الحكم في العراق، والصراع هنا لن يكون طائفيًا تقليديًا بين السنة والشيعة، بل بين التيارات الشيعية ذاتها.
فبعد أن تحولت ميليشيات الحشد الشعبي (المدعومة إيرانيًا) إلى قوات نظامية تابعة للقوات المسلحة العراقية تغير المشهد كثيرًا، وأكد مراقبون أن هذه الخطوة جاءت في إطار صفقة جديدة وبمباركة إيرانية؛ حيث اعتبروا أن العراق بهذه الخطوة إحدى ولايات دولة الفقيه الإيراني.
اليوم ظهر صراع جديد داخل الجناح الشيعي العراقي وتمثل هذا الصراع بين نوري المالكي، رئيس الوزراء السابق ورئيس كتلة دولة القانون، وبين رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، فقد هدد أنصار "المالكي" أتباع "الصدر" باستخدام القوة المسلحة في حال استمرار وقوفهم في وجه "المالكي" الذي يحاول استعادة نفوذه والعودة مرة أخرى لصدارة المشهد السياسي العراقي متوليًا منصب رئيس الحكومة العراقية.
فقد استغل "المالكي" خلافه مع رئيس الحكومة الحالية حيدر العبادي، محاولًا اختراق المشهد العراقي والوصول من أي نافذة.
فقد قام "المالكي" منذ عدة أيام بجولة في دول الجنوب العراقي إلا أنه قوبل برفض عارم ومظاهرات حاشدة وكانت المفاجأة أنها من الطائفة الشيعية ذاتها، حيث عبّر شيعة الجنوب عن غضبهم من "المالكي" الذي شهد العراق خلال حكمه (2006 – 2014) أسوأ فترات تاريخه، حيث أكبر عمليات الفساد في الجهاز الحكومي للدولة وتراجع الوضع الأمني، كما تمكن تنظيم داعش في عهده السيطرة على ثلث مساحة العراق وفرار الجيش أمام التنظيم الإرهابي بملابسهم الداخلية في مشهد لن ينساه أو يتغافله التاريخ.
وبعد اضطرار "المالكي" العودة خائبًا إلى بغداد، اتهم أنصار "المالكي" من أتباع حزبه (حزب الدعوة) أنصار مقتدى الصدر بأنهم وراء المظاهرات التي انتفضت ضد "المالكي" في جولته لجنوب العراق.
ويأتي ذلك في ردود فعل متعاقبة بين القطبين الشيعيين؛ حيث قام أنصار حزب الدعوة الذي يتزعمه نوري المالكي بتهديد أتباع الصدر بـ"صولة فرسان جديدة" في إشارة إلى العملية العسكرية التي شنتها حكومة المالكي في عام 2008 ضد جيش المهدي التابع لمقتدى الصدر في وسط وجنوب العراق، حيث كانت القوات المسلحة العراقية تحت إمرة "المالكي" في ذلك الوقت.
ورغم أن "المالكي" لا يمتلك ميليشيات مسلحة، إلا أنه متحالف بقوة مع ميليشيات بدر بقيادة هادي العامري، وعصائب أهل الحق بقيادة قيس الخزعلي (منشق عن التيار الصدري).. وهي من الميليشيات الرئيسية في "الحشد الشعبي".
ولم يقف تهديد أنصار "المالكي" عند هذا الحد، فقد انضم مؤخرًا لجناح "المالكي" أحد أشرس قادة الميليشيات الشيعية في العراق، واثق البطّاط زعيم حزب الله فرع العراق لتهديد معارضي المالكي في محافظة البصرة بعملية عسكرية، واصفًا رئيس الوزراء السابق بــ"الرمز الوطني".
وفي مقابل تهديدات "المالكي" لـ"الصدر" فإن الأخير لا يفتقر إلى القوة الكفيلة لردع "المالكي"، فالصدر يمتلك ذراعًا عسكرية قوية تتمثل في ميليشيا سرايا السلام إحدى أكثر الميليشيات العراقية عددًا وأكثرها عقائدية وولاء لزعيمها.
ومن هذه الزاوية يتخوّف عراقيون من أنّ أي نزاع مستقبلي مسلح على السلطة بين فرقاء البيت الشيعي سيدخل البلد في حلقة جديدة لا تقل دموية عن مرحلة داعش التي يعاني منها البلد راهنًا.