أخجل من نفسى حين أجلس أمام مائدة طعام، فأتذكركم وأتذكر مصابكم مع كل لقمة أزدردها غصبًا داخل حلقى، أو حين أوارى جسدى بأكثر من بطانية فى ليل البرد القارس وبعضكم يلتحف السماء الممطرة والمسقطة للثلوج.. ولكن ليس لى من الأمر شيء، ندعمكم بدعائنا كل ليلة، قلوبنا معكم، وأفئدتنا وأجسادنا تهفو للقياكم والصمود بجانبكم، لكن تلك مشيئة الله أن تبقوا وحدكم فى ميادين الحق تصارعون الباطل وأعوانه، والله إنه لشرف لكم ورفعة فى الدارين، ودنية لغيركم من البشر ولا أستثنى من ذلك نفسى!!
لقد تكالبت عليكم السباع والضباع فى كل ضاحية وفى كل زقاق ومدق وتنهش فى أجسادكم وأعراضكم.. بينما وقفنا نحن شعوب ٢١ دولة عربية وأكثر من ١٥ مليار مسلم نتفرج.. ونرى أجساد أطفالكم ونسائكم وشيوخكم وهى تخرج مشوهة من تحت الأنقاض وكل ما نفعله هو مصمصة الشفاه ثم تحويل مؤشر القناة لنستمتع بفيلم أمريكى أو مسلسل تركى أو مباراة كرة قدم.
لن أقف فى خندق من يرون أن ما يفعله جيش البشار الأشر والقوات الروسية والإيرانية فى حلب هى معركة تحرير وانتصار للشرعية أو مع الذين يقفون فى صف السعودية وقطر ومن وراءهما ويؤكدون أن ما يحدث فى حلب هو مجزرة ضد الإنسانية وضد الإسلام والعروبة، ولكن سأقف مع بنى جلدتى الذين يقتلون ويصلبون ويخرجون من ديارهم قسرا وقهرا بلا ذنب أو جريرة سوى أنهم يريدون الحرية من نظام علوى شيعى مقيت.. أنا مع الشعب العربى السورى الذى كان قادته عبر التاريخ أمناء على شرف الأمة، وهذه قبورهم تحتضنها الشام شاهدة على ذلك، فهذا سيف الله خالد بن الوليد، وهذا عمر بن عبدالعزيز، وهذا نور الدين محمود زنكى، الناصر صلاح الدين، وهذا الظاهر بيبرس وغيرهم من قبل ومن بعد، ومن عجب أن يتولى مثل هذا «البشار الأشر» مقام أولئك العظماء الذين نصروا الأمة على أعدائها!!
نعم.. نعلم أن المعركة فى سوريا لم تكن يومًا معركة مع مجموعات إرهابية عابرة للقارات، بقدر ما كانت ولا تزال معركة مع نظام عالمى جديد يرسم للمنطقة، وينسج خيوط مؤامرته فى سوريا ليعلن عن قيامه بقيادة قوى الإمبريالية العالمية.. وإن حلب أصبحت الحلقة المفصلية فى الصراع بين الدولة والمقاومة من جهة والإرهاب والعمالة والتبعية من جهة أخرى، بعد أن نجح الجيش السورى وحلفاؤه فى إبعاد التهديد عن عاصمة البلاد وحصره فى زاوية كمقدمة للقضاء عليه.
كما نعلم أنّ عدد الدول التى تصدر المرتزقة إلى سوريا تجاوز ٩٢ دولة وأنّ هناك غرف عمليات منظمة ضمن بعض المناطق المحاذية لسوريا، لتدريب وتسليح هؤلاء المرتزقة ثم توريدهم وتسهيل عبورهم من أغلب المنافذ الحدودية، خصوصًا الحدود التركية.
لكن ما يجرى الحديث عنه من اتفاق أمريكى - روسى بشأن إنهاء أزمة حلب، هو فى الحقيقة تخلى واشنطن عن خيار حلفائها الذى دعمته على مدى السنوات الماضية، بعد أن عجزت وحلفاؤها الأتراك والخليجيون والأوروبيون عن تحقيقه بإزاحة بشار وتفتيت سوريا من ناحية وتذبذب الموقف التركى والاستدارة نحو روسيا من ناحية أخرى، بسبب سياسات أمريكا والغرب المصلحية والتآمرية التى لم يسلم منها حتى الأصدقاء والعملاء.. وهذا ما أحدث خللًا كبيرًا فى جبهة الإرهاب التى باتت مفككة ومواقفها متضاربة وتنظيماتها ستعود إلى تناحرها واقتتالها.
إن هذه الحرب القذرة خلفت أكثر من ٢٩٠ ألف قتيل وهجرة أكثر من نصف الشعب إلى خارج البلاد وتعرضت مناطق كاملة للدمار، فى أضخم مأساة إنسانية منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، بحسب الأمم المتحدة، ناتجة عن الحرب المستمرة فى سوريا منذ حوالى خمس سنوات.. ولا تشمل الحصيلة آلاف المفقودين الذين لا يزال مصيرهم غير معروف، وبينهم معتقلون فى سجون النظام والمئات من عناصر قوات النظام الذين اعتقلتهم المعارضة المسلحة والمجموعات المسلحة وبينها تنظيم الدولة الإسلامية.
وبحسب حصيلة نشرها المرصد السورى لحقوق الإنسان.. قضى حوالى ١٣ ألف سورى تحت التعذيب فى سجون النظام منذ بدء النزاع، ولا يزال هناك أكثر من ٢٠٠ ألف شخص فى هذه السجون.
ونددت منظمة إنسانية سورية بعمليات القصف المتواصلة على المستشفيات «وتداعياتها الكارثية» على السكان. وقالت إن ١٧٧ مستشفى دمرت وقتل حوالى ١٥٠٠ من العاملين فى القطاع الصحى منذ ٢٠١١.. اللهم انتقم من بشار وأعوانه القتلة.