الإثنين 06 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

تَرَانيمُ الآلامِ وأنْهَارُ الدَمِ والدُمُوع

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لم يكن يفصلنا عن عيد الميلاد المجيد ورأس السنة الميلادية سوى أيام قليلة تتهيأ فيها الكرة الأرضية بكنائسها وأجراسها ذات الأصوات المجلجلة سعادة وفرحًا بالأعياد، ويتناغم الكون مع هذه الأعياد بالثلوج وهدايا الكريسماس وبرودة شهر ديسمبر والبحث عن الدفء فى أحضان الأعياد وأطعمتها الدسمة، ونحن كمصريين لنا سمة خاصة ومميزة وهى أننا نتشارك أعيادنا، سواء كانت عيد الفطر المبارك أو كانت أعياد رأس السنة، فكلنا نحتفل بالأعياد سويًا، لنطلق ونردد فيها ترانيم الفرح والسعادة والسلام والمحبة التى تهبط على الكون فى كل هذه المناسبات الدافئة ذات المشاعر الدافقة.
كان المصريون منذ بداية الأسبوع المنصرم يحتفلون بالمولد النبوى الشريف، وكم كان رائعا تبادل التهانى بين المصريين أقباطًا ومسلمين بذكرى المولد النبوى فى توحد لن تجده إلا فى مصر، وكم كانت سعادتى بشراء عديد من الإخوة الأقباط حلاوة المولد لتعيش أسرهم هذه الأجواء المصرية الصميمة التى لن تجدها فى أى دولة أخرى.
إلا أن الإرهاب الأسود كان يقف هناك بعيدًا متربصًا بالمصريين أقباطًا كانوا أو مسلمين، لأنه حسم أمره منذ أمد بعيد بأننا جميعًا كُفار نحيا فى فسطاط واحد، وأن هذا الإرهاب والتكفيريين هم الذين يعيشون فى فسطاط الإيمان، وأنهم حتمًا سيفتون فى عضد هذه الدولة الأبية، ويزرعون الفتنة بين مواطنيها، لكى يحققوا أغراضهم الدنيئة التى يقودها فكرهم المتطرف والمنحرف، وتموله دول ومخابرات معادية للدولة المصرية، وتتآمر عليها ليل نهار، بغية إسقاط الدولة الوحيدة الباقية فى المنطقة التى ما زالت مرفوعة الهامة بفضل قواتها المسلحة التى تعتبر الأخيرة المتماسكة فى المنطقة التى انهارت فيها كل الجيوش.
وفى خلال ٧٢ ساعة ضرب الإرهاب الأسود ثلاث ضربات، اثنتيْن منها يوم الجمعة الماضى، وكانت إحداهما لرجال الشرطة البواسل الذين كانوا يستعدون لأداء صلاة الجمعة، والثالثة يوم الأحد الماضى أثناء صلاة الأخوات المسيحيات بالكنيسة البطرسية بالعباسية، لتتحول ترانيم الفرح إلى ترانيم للآلام التى لا تنتهى للمسلمين والأقباط على حدٍ سواء، حزنًا وكمدًا على السيدات الفضليات والفتيات اللاتى كن يتطلعن إلى المستقبل والأطفال الذين فى عمر الزهور وضباط وأفراد الشرطة الذين يذودون عن شرف هذا الوطن وكرامته ضد أعدائه المتربصين به.
لقد كانت صور الضحايا فى الحالتيْن مؤلمة، وأطلقت سحبًا سوداء قاتمة على أعياد المسلمين والأقباط فى وقت واحد، وكانت القصص الإنسانية الواردة عن الأب الذى فقد الزوجة والابنة، أو الأخ الذى فقد شقيقتيْه، أو الطفل الذى كان أمل أسرته ومضى دون أن يعرف بأى ذنب قُتل، والطفل الذى ذهب إلى دورة المياه، لتنقذه العناية الإلهية من مصير كان محتومًا؛ كلها قصص موجعة مكتوبة بدم الشهداء على صفحات مخضبة بدماء من كانوا يصلون من أجل المحبة والسلام.. محبة إخوانهم المسلمين.. وسلام مصر والمصريين من كل سوء.
لقد كان القداس الجنائزى الذى ترأسه البابا تواضروس على أرواح الشهداء الطاهرة مؤثرًا وحزينًا، بدت فيه أمارات الحزن والذهول وهول الصدمة وألم الفقد والفراق على الحاضرين من أقارب الشهداء ومحبيهم، ليأتى المشهد المؤثر الذى لم نتحمله جميعًا كمصريين، وهو مشهد الدموع فى عينيْ البابا تواضروس وبكائه وهو يودع بناته إلى الأبدية، ثم أسند رأسه على عصاه لثوانٍ معدودات مرت كالدهر على قداسته وعلينا، فى صورة أبوية تعبر عن عِظَمِ الفقد الذى أحسه البابا لبناته اللاتى لم يهنأن بالأعياد التى كانت منهن على بُعد أيام.
لم يبكِ قداسة البابا تواضروس وحده ولكن سبقه الرئيس عبدالفتاح السيسى عندما بكى أثناء استماعه لأم أحد شهداء القوات المسلحة فى الندوة التثقيفية الثالثة والعشرين فى ١٣ أكتوبر الماضى، لم يبكِ الرئيس السيسى وقتها وحده ولم تلمع عيناه بالدموع وحده، ولم يذرف تلك الدمعات العزيزات علينا جميعًا وحده، بل اشتعل المكان بتلك الأحاسيس والمشاعر الدافقة داخل القاعة فى مشهدٍ مؤثر، ووجدتُ البعضَ من الحاضرين ينخرطون فى البكاء، وهذه الدموع المؤثرة للبابا تواضروس والرئيس السيسى أبكتنى وأبكت ملايين المصريين على زهرة شبابنا التى يقطفها الإرهابيون لا يفرقون فى ذلك بين مسلم ومسيحى، ولكنهم يستهدفون الوطن والدولة ووحدة الشعب المصرى وتماسكه واصطفافه من أجل مصر، دون وازعٍ من دينٍ أو ضمير رغم حُرمة الدم فى كل الإسلام، بافتراض أن هؤلاء الإرهابيين مسلمون، لأنهم لو كانوا مسلمين لما قتلوا جنودًا يحرسون فى سبيل الله، ولما قتلوا جنودًا يستعدون لتناول طعام الإفطار فى رمضان، أو يتوضأون استعدادًا لأداء صلاة الجمعة، أو اغتالوا فرحة الأعياد لنساءٍ وبناتٍ وأطفالٍ كانوا يصلون من أجل مصر، وكانوا صائمين للرب المعبود.
إن ترانيمَ الآلامِ وأنهارَ الدمِ والدموع هى حديث الصباح والمساء فى بر مصر منذ فض اعتصاميْ رابعة والنهضة فى أعقاب ثورة الثلاثين من يونيو التى أطاحت بالإخوان وجماعتهم الإرهابية من حكم مصر، ومنذ ذلك الحين تسعى الجماعة الإرهابية بكل ما أوتيت من قوة وقتل وحرق وتدمير وإراقة دماء أن تعود ثانيةً إلى فردوس الحكم المفقود، أو على الأقل المشاركة فيه من خلال صيغة للمصالحة مع الدولة دعا إليها عددٌ من كبار قادتها، وهو ما ترفضه الدولة المصرية والشعب كله إلى جانبها، وكان ردها الحاسم هو الحكم بإعدام عادل حبارة مجرم مذبحة رفح الثانية والقبض على ابن الرئيس المعزول محمد مرسى، وهما الحدثان اللذان وقعا يوم الخميس، ولم تمر ساعاتٌ معدودات حتى أتت الرسائل الدموية لجماعة الإخوان الإرهابية.
إن ترانيمَ الآلامِ وأنهارَ الدمِ والدموع لن تزيد المصريين ورئيسهم وقواتهم المسلحة وقداسة البابا تواضروس والأزهر إلا صلابةً فى مواجهة الإرهاب حتى اجتثاثه من جذوره، فمصر لن تمد يدها لكى تصافح أو تصالح القتلة وسافكى الدماء ولو أُريقت دماؤنا جميعًا قطرةً قطرة، ولو زرفنا الدموعَ على أحبائنا وشهدائنا دمعةً دمعة إلى أن يقضى اللهُ أمرًا كان مفعولا، وسيعلمُ الذين ظلموا أى مُنقلبٍ ينقلبون.