الأربعاء 23 أكتوبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

اقتصاد

استراتيجيات الدول الخليجية لمواجهة أزماتها الاقتصادية

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
باتت دول مجلس التعاون الخليجي تعاني من اختلالات هيكلية اقتصادية، بعد أن أفرطت في اعتمادها على الإيرادات النفطية بشكل تعذر معه التعامل مع تبعات انهيار أسعار النفط، وقد انعكس ذلك في تراجع عدد من المؤشرات الكلية للاقتصاد، مما يشير إلى وجود أزمة على أعتاب الدول الخليجية.
ولذا اعتمدت دول مجلس التعاون الخليجي استراتيجيات لمواجهة الأزمة ارتكزت على التنويع الاقتصادي لموارد الدولة، وضبط أوضاع المالية العامة من خلال برامج تقشفية، إلا أنها مازالت بعيدة عن تحقيق التوازنات المالية المرجوة.
وتواجه دول مجلس التعاون الخليجي تعثرات مالية قوية، وارتفاعا لنسب العجز في بعض المؤشرات الكلية في الوقت الراهن، ويرجع ذلك لمجموعة من الأسباب، يأتي في مقدمتها: انهيار أسعار النفط الذي بدأ في عام 2014، حيث هبط إلى ما دون الـ100 دولار للبرميل، واستمر انهياره خلال العامين اللاحقين.
ثانيًا: اعتماد الهيكل الاقتصادي للبلدان الخليجية بشكل أساسي على الإيرادات النفطية بنسب تتجاوز الـ 50 % من إجمالي اقتصادياتها، وهي نسب تعد خطرة وتهدد المصالح الاستراتيجية للدول في حالة انهيار أسعار النفط.
ثالثًا: اعتماد ميزان المدفوعات ومعاملات القطاع الخارجي على الصادرات النفطية في دول الخليج، فطبقًا لبيانات صندوق النقد الدولي، فإن عائدات الصادرات النفطية تمثل 88،9% من إجمالي عائدات صادرات البضائع والخدمات في قطر، بينما تقل هذه النسبة في الكويت إلى 87،6%، وتبلغ 83% في السعودية، فيما تقل هذه النسبة في كل من سلطنة عمان وتبلغ 64،3%، وفي الإمارات العربية المتحدة وتبلغ 32،6%.
تداعيات خطيرة
انعكست أزمة تراجع الإيرادات العامة لموازنات الدول الخليجية في تراجع عدد من المؤشرات الكلية الهامة، ومع امتداد الأزمة لأعوام متتالية ارتفعت حدة التراجعات، ومن أهمها ما يلي: أولًا: تراجع معدلات النمو الاقتصادي، فالتراجع الذي أصاب الإيرادات العامة لبلدان الخليج، قد ترجم إلى انخفاض في الاستهلاك والاستثمار بالقطاع العام أي حدوث تراجع للطلب الكلي، مما أدى في المحصلة إلى انخفاض في معدلات النمو الاقتصادي الكلية والقطاعية.
وتتوقع تقارير اقتصادية أن تشهد نهاية العام الجاري 2016 انخفاض معدل النمو الاقتصادي لدول مجلس التعاون الخليجي إلى 1،6%، مقابل 3،5% في العام السابق، طبقًا لبيانات البنك الدولي في أكتوبر2016، ويطال التراجع القطاعات غير النفطية أيضًا، فمن المتوقع أن يتراجع نمو هذه القطاعات من 5،5% في عام 2014 إلى 1،75% مع نهاية عام 2016.
ثانيًا: ارتفاع عجز الموازنة العامة، فقد أدت الأزمة الاقتصادية إلى حدوث تراجع حاد في الإيرادات العامة للموازنات بنسبة أكبر من تراجع الإنفاق العام، وطبقًا للأداء المالي لدول مجلس التعاون الخليجي هذا العام 2016 الذي أوشك على الرحيل، من المتوقع أن يرتفع عجز الموازنة العامة للدول الست من 7،6% في 2015 إلى 10،1% في عام 2016، وتبلغ هذه النسبة أعلاها في سلطنة عمان حيث سيصل العجز إلى 15،9%، بينما من المرجح أن تقل نسبة العجز في الإمارات العربية المتحدة عند 3،5%، وذلك يرجع إلى أن الإمارات أقل الدول الخليجية في الاعتماد على النفط.
ثالثًا: تراجع التدفقات الخارجية إلى الاقتصاد، وبما أن الإيرادات النفطية تشغل الحيز الرئيسي من هيكل الصادرات الخليجية، ونتيجة لتراجعها فقد تراجعات التدفقات الخارجية القادمة للاقتصاد الخليجي، محدثة عجزًا في حساب المعاملات الخارجية.
ومن المتوقع أن يصل هذا العجز إلى 5% من الناتج المحلي الإجمالي لدول الخليج مجتمعة مع نهاية عام 2016 أي ما يعادل 77،1 مليار دولار، وذلك مقابل عجزًا يقدر بـ 1،8 % من الناتج المحلي الإجمالي للعام السابق.
رابعًا: تأثر قطاع الأعمال الخليجي، ترتبط أعمال عدد من القطاعات غير النفطية بالإنفاق الحكومي لدول الخليج، وبالتالي فقد تأثرت بتراجعه وتراكمت خسائر لشركات عملاقة، في حين ألغت شركات أخرى مشاريعها، ومن أهم هذه القطاعات؛ العقارات، والمقاولات والبنية التحتية، والاتصالات، والتأمين.
خامسًا: ارتفاع معدل التضخم، ولعل أبرز تجليات خفض الإنفاق العام تتمثل في الدعم الحكومي للخدمات العامة والسلع، وبالتالي إرتفاع تكلفتها على المستهلكين، من جانب آخر تسعى شركات لتخفيض خسائرها من خلال رفع أسعار السلع والخدمات، لتكون المحصلة هي إرتفاع في معدل التضخم العام للأسعار، ويتوقع صندوق النقد الدولي أن يرتفع معدل التضخم لدول مجلس التعاون الخليجي إلى 3،6% مع نهاية عام 2016 مقابل 2،5% في عام 2015.
آليات واستراتيجيات المواجهة
اعتمدت دول الخليج استراتيجيات لمواجهة الأزمة الاقتصادية، مرتكزة على عنصرين رئيسيين، وهما؛ التنوع الاقتصادي لموارد الدولة بجانب الإيرادات النفطية، علاوة على تنفيذ برامج تقشفية من شأنها ضبط أوضاع المالية العامة بها.
فعلى صعيد آليات التنوع الاقتصادي، فقد اندرجت ضمن رؤى التنمية طويلة الأجل التي اعتمدتها دول مجلس التعاون الخليجي، فاعتمدت السعودية "رؤية 2030"، والتي ترتكز على القوة الاستثمارية للمملكة، وشملت التوسع في استثمارات الصناديق السيادية، بينما اعتمدت الكويت رؤية استراتيجية لعام 2035، وذلك منذ عام 2007 وتهدف هذه الرؤية إلى تحويل الكويت إلى مركز إقليمي للتجارة والمال لشمال الخليج، في حين اعتمدت البحرين رؤيتها لعام 2030 منذ عام 2009، وتضمنت خطط قصيرة ومتوسطة الأجل، آخرها الخطة الراهنة "2015-2018"، والتي تستهدف تحويل البحرين لاقتصادها من اقتصاد نفطي إلى اقتصاد منفتح على العالم الخارجي، وقادر على التنافسية.أما قطر فلديها رؤيتها للعام 2030، والتي تهدف إلى تحويل الاقتصاد القطري من اقتصاد نفطي إلى اقتصاد قائم على المعرفة، أما سلطنة عمان فقد وضعت رؤيتها الإستراتيجية 2040، واعتمدت الخطة الخمسية التاسعة للتنويع الاقتصادي، وتعتمد على نمو القطاع اللوجيستي، وقطاعات الخدمات، والسياحة.
فيما تعد أنجح الدول الخليجية في الوصول إلى هدف التنويع الاقتصادي هي الإمارات العربية المتحدة، والتي اعتمد رؤية متوسطة المدى حتى عام 2021، في حين اعتمدت العاصمة إمارة أبوظبي رؤيتها التنموية الخاصة لعام 2030، والتي تهدف من خلالها لخلق بيئة أعمال منفتحة، واعتماد سياسة مالية ونقدية مرنة، كذلك تسعى إلى رفع النمو بقطاع الخدمات والأسواق المالية.
أما فيما يخص برامج التقشف الاقتصادي كآلية لمواجهة الأزمة الاقتصادية، فقد شهد العام الجاري 2016، بدء تنفيذ عدد من آليات التقشف، أهمها؛ خفض الأجور والمرتبات لموظفي القطاع العام والدولة، وفرض ضرائب جديدة - مباشرة وغير مباشرة - مثل ضريبة القيمة المضافة، وخفض الدعم من خلال رفع أسعار المحروقات، والكهرباء، والمياه، واستتبع ذلك إصدار سندات حكومية تقدر بـ 88 مليار دولار – على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي الست - بهدف تمويل برامج التقشف، وضبط أوضاع المالية العامة.
يبقى القول: إن انهيار أسعار النفط تعد السبب الرئيسي للأزمة الخليجية الاقتصادية والتي من المتوقع أن تستمر لبعض الوقت، ولذلك اتخذت دول الخليج خطوات حقيقية نحو التنويع الاقتصادي، وظبط العجز المالي، إلا أنها مازالت خطوات أولى لم تصل لأهدافها بعد، فضلًا عن أن دول الخليج تواجه تحديات تتمثل في تنمية رأس المال البشري، ورفع مستويات الكفاءة، والتدريب للأيدي العاملة، والتوسع في استخدام التطبيقات التقنية المتطورة.