الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ملفات خاصة

"أكاذيب صغيرة".. حلقات خاصة من مذكرات راقصة متقاعدة "3"

الكاتب  مصطفى بيومى
الكاتب مصطفى بيومى
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تنشر «البوابة» رواية - تحت الطبع - للكاتب مصطفى بيومى، تحمل عنوان «أكاذيب صغيرة» وهى عبارة عن مذكرات راقصة معتزلة اعتمد فيها «بيومى» على طريقة جديدة فى الكتابة حيث ينشر نص الكلام كما جاء على لسان بطلته التى أشار إليها باسم «ليلى رمزى» ثم يعيد صياغته أدبيًا مرة أخرى من خلال كاتب محترف.
من لسان لیلى
زى الفل يا مختار يا حبيبى، الله ينور عليك، والله العظيم أنت صنايعى بريمو مفيش زيك، بتعمل تسبيكة مفيش منها، حظك قليل صحيح، لكن مخك دهب، اوعى تكون زعلان من الدنيا، ربنا هو اللى بيوزع الأرزاق، سبحانه وتعالى ليه حكمة، يمكن منعرفهاش، وبعدين الرزق مش فلوس وشهرة بس، لا، نعم ربنا كتير، وكل واحد بياخد نصيبه، ضحكتنى يا شيخ، بقى المرحوم رياض كان صاحب شركة إنتاج؟، وسعت منك دى، الله يرحمه بقى، شركة إيه بس، دا كان كل كام سنة يتلم على بنت يشغلها وياكل عرقها، ويمكن يتجوزها، مع إن مالوش فى النسوان قوى، نسيت أقولك إنه مات فى السجن، قضية آداب، ما علينا، الكلام ده فات عليه خمسة وعشرين سنة، مين فاكر، الدنيا تلاهى، بينى وبينك فيه كلام كتير من اللى أنت كاتبه أنا مش فاهماه، فلسفة إيه بس اللى فى الرقص، النبى عربى، الحكاية كلها شوية فرفشة وأنس، موضوع الكتاب ده حلو قوى، بس إنجليزى وفرنساوى يا مفتري ماشى الحال، إنما تصدق بالله؟، قول لا إله إلا الله، حدوتة المعهد دى كانت على بالى، مش سنتين سنتين يعنى، ولا محاضرات ونظرى وعملى وكده، لا، لكن والله فكرت ألم البنات وأعلمهم وأكسب فيهم ثواب، شوية بشوية لقيت الموضوع فيه وجع دماغ وتصاريح ومصنفات فنية وآداب، دوشة، خلعت بدرى بدرى، بس والنبى عندك حق فى حكاية الست نادية الجندى دى، رزقها تحت رجليها، الفرق اللى بينى وبينها هو الفرق بين جوازى من رياض وجوازها من عماد حمدى، ربنا هو اللى بيسبب الأسباب يا مختار، أنا عملت أفلام أحسن منها، مقاولات مقاولات بس أحسن منها، يعنى تصدق يا راجل إن واحدة بطولها تخش الموساد وتستخبى تحت المكتب وتسرقهم، ولا يخيل عليك إنها حلوة لدرجة إن أى راجل يشوفها يريل عليها؟، أرجع أقولك رزقها كده، أنت كنت بتقول إيه؟، أيوه افتكرت، عايز تعمل فصل فى الكتاب عن الدروس اللى طلعت بيها من دنيتى، قول يا باسط، أنا من خمسة وأربعين سنة كنت بنت صغيرة حلوة، واخدة دبلوم تجارة، أبوها موظف غلبان سُكرى، وأمها ست بيت، وأخوها الوحيد طفش واتطوع فى الجيش، لما اتوظفت فى وزارة الصحة كان كل أملى أتجوز شاب ابن حلال، وأجيب عيال، وأبقى زى غيرى، بس ربنا كان مقدر سكة تانى، كله مقدر يا حبيبى، واللى مكتوب على الجبين لازم تشوفه العين، أجيب م الآخر، بص يا سيدى، خلاصة الخلاصة يعنى، أنا كنت برقص وأعرى جسمى، وأسمع كلام وسخ من الزباين السكرانين، لكن ورحمة أبويا عمرى ما ضريت حد ولا آذيت بنى آدم، اتجوزت كتير صحيح، رسمى وعرفى، ومشيت مع كام راجل فى الحرام، صحيح، شربت وضحكت وسافرت واتفسحت، أنا مش ملاك يا أستاذ مختار، مش رابعة العدوية اللى بتنور فى الضلمة، عكيت كتير، ربنا يسامحنى، لكن أنا مش شيطان برضه، بقالى ييجى عشر سنين بعمل عمرة كل سنة، وحجيت كتير، مش قادرة أبطل شرب، الله غفور رحيم، بفطر فى رمضان عشان الصيام بيتعبنى، لكن بطلّع كتير لله، وبعمل موايد رحمن من غير اسم، وأوزع صدقات فى السر، بينى وبين ربنا عمار، دى تشيل دى، بيقولوا الرقص حرام؟، ماشى يا سيدى، ربنا هو اللى يحاسب، والرك ع النية، ربك رب قلوب، الأعمار بيد الله، والموت علينا حق، تعرف، أنا كاتبة وصيتى عند الأستاذ عبدالرحيم محسن المحامى بتاعى، راجل عظيم من أولياء الله، كل فلوسى اللى فى البنك، اتنين وعشرين مليون جنيه، سبتهم لمستشفى سرطان الأطفال، أنا عايشة من الفوايد بتاعتهم، عندى دهب وألماظ بأكتر من تلاتة مليون جنيه، متبرعة بيهم لجمعية الأورمان عشان يجهزوا عرايس يتامى وغلابة، الفيلا دى، معرفش تمنها كام دلوقتى، لكن أكيد أكتر من خمستاشر مليون، ويمكن عشرين، أنت عارف تمن متر الأرض فى المهندسين كام؟، وصيتى يبيعوها ويحطوا تمنها وديعة لأعمال الخير، أنا مقطوعة من شجرة وماليش حد يا مختار، والحمد لله عايشة مستورة، ونفسى لما أموت أسيب ورايا حاجة حلوة عشان الناس يترحموا عليا ويفتكرونى بالخير، أنا مش متعلمة زيك وقارية كتب، ومعرفش أقول كلام مترتب ومتزوق، لكن والله العظيم أنا قلبى أبيض زى الفل، ياما شفت ناس من برا الله الله، ومن جوا يعلم الله، ربنا أمر بالستر، أهم حاجة اتعلمتها فى دنيتى إنى محكمش على حد بالظاهر والمظاهر، تصدق بالله، قول لا إله إلا الله، أنا اتجوزت الحاج صلاح عرام سنة ونص، كان عنده ملايين بالكوم، ويتكلم بالقرآن والسنة، قال الله وقال الرسول، ودقنه قدامه شبرين، جواز على سنة الله ورسوله، لكن فى السر، شفته مرة بيضرب السواق بالقلم والشلوت عشان اتأخر عليه نص ساعة بسبب الزحمة، الراجل كان عجوز عنده ييجى سبعين سنة وشفت الدموع فى عينيه زى العيال، الحاج صلاح الله يرحمه كان بيدفع فلوس زى الرز للإخوان، وعامل شهريات بالألوف لناس فى الشرطة والصحافة، ولما الأسطى مرعى الغلبان طلب ميتين جنيه سلفة عشان مراته عيانة، سمعته بيديله دروس فى الرضا والزهد، الراجل مراته ماتت بعديها بأسبوعين، كان عندها سرطان، بعيد عنك، عمرها كده، لكن الميتين جنيه دول كانوا عند الحاج أقل من نفس فى السيجارة اللى أنت بتشربها دى، على فكرة يا مختار يا حبيبى، مش قلتلك تبطل السجاير المصرى اللى تقصر العمر، اضحك يا شيخ وما تكشرش كده، أنا بهزر معاك، كنا بنقول إيه؟، أيوه افتكرت، اوعى تحكم بالظاهر، ياما تحت السواهى دواهى، عايز تعمل فصل عن اللى طلعت بيه من الدنيا، حكم ومواعظ يعني؟، شوف يا سيدى، هقولك تلات حاجات اللى يعرف يعملهم يبقى سلطان زمانه وسيد الناس، أول حاجة الرضا باللى قسمه ربنا وأراده، رضا بجد مش كده وكده، تانى حاجة تنضيف القلب من الكره والحسد والغل، تالت حاجة إنك ما تحكمش بالمظاهر، البنى آدم لغز وفزورة، ممكن تعاشره عشرين سنة ومتعرفوش، أجدع واحد هيعيش كام سنة؟، سبعين تمانين تسعين؟، وآخرتها إيه يعني؟، متر فى متر، والكفن مالوش جيوب، مفيش تربة خمس نجوم، تعرف أكبر نعمة فى الدنيا إيه يا مختار؟، راحة البال، عارف يعنى إيه راحة البال؟، يعنى تحط راسك على المخدة فى الليل تنام على طول، ارمى ورا ضهرك يا حبيبى، هى دى خلاصة الحكاية، راحة البال، لا الحزن بيعيش على طول، ولا الفرحة بتدوم، خليها على الله، تعالى بقى لما أوريك ألبوم الصور بتاعى، فيه صورة وأنا عندى شهرين تلاتة، وفيه صور وأنا برقص عريانة، وكمان فيه صور عند الكعبة، هى الدنيا كده، من ده وده، خلص الكاس اللى فى إيدك ونطلع أفرجك، هنقلب فى الصور وإحنا بنسمع أحلى أغنية للست أم كلثوم، رباعيات الخيام، هى اللى فيها الخلاصة يا حبيبى، اسمع واتمعن، إن لم أكن أخلصت فى طاعتك، فإننى أطمع فى رحمتك، أيوه والله يا ست، رحمة ربنا واسعة، خلص كاسك على مهلك، الدنيا مش هتطير.
.. وحین أصبح نصا أدبیا
لكل إنسان فلسفة يستخلصها مع اقتراب نهاية رحلته فى الدنيا، والفلسفة التى أعنيها هنا لا ينصرف معناها إلى المفهوم الشائع عن الكلمة التى تبدو ثقيلة الظل عند الكثيرين ممن يضيقون بالمصطلحات المعقدة، التى تقترن عادة بالغموض. الأمر فى حقيقته أبسط من ذلك، ووليد تراكم الخبرات والتجارب بعيدًا عن القراءة والثقافة والأطر النظرية المنفرة. من العبارات التى تتردد كثيرًا فى الحياة اليومية: «بلاش فلسفة»، فهل يدرك قائلو هذه العبارة الساخرة أنهم بالضرورة يملكون فلسفة ما، يتحركون فى إطارها دون وعى أو عمدية؟!.
على الصعيد الشخصى، أقول دائمًا لنفسى وللآخرين: لست ملاكًا أو شيطانًا، ولا يوجد إنسان واحد فى هذا العالم ينتمى إلى قبائل الملائكة أو كتائب الشياطين. فى أعماق كل إنسان سوى، خليط معقد من الخير والشر، الحب والكراهية، التفاؤل والتشاؤم، الأمل واليأس، الفرحة والحزن، الأحلام والكوابيس. عندما أستعرض صفحات حياتى، أجد فيها هذا كله، ومع اقتراب إسدال الستار يزداد يقينى بأن الوصول إلى جوهر الحكمة لا يتحقق إلا بعد فوات الأوان.
القراءة عادة يومية فى حياتى منذ عشرات السنين، ولا شك أن كثيرًا من أفكارى وآرائي، التى تشكل محاور فلسفتى، مستمدة من الكتب وأطروحات الأدباء والمفكرين والمؤرخين، لكن الخبرات والتجارب الشخصية تلعب دورًا محوريًا لا يقل أهمية. كل إنسان عرفته بمثابة الكتاب الذى يضيف، وقد يكون الإنسان، الكتاب سيئًا أو جيدًا، لكن الإضافة مؤكدة بالسلب والإيجاب معًا. المؤلفون فى مختلف المعارف يكتبون من وحى تجاربهم، والذين لا يجيدون القراءة، أو ينصرفون عن القراءة، يتورطون فى فعل المعرفة من خلال البشر: الأهل والأصدقاء والجيران، الطبيب والمحامى ورفيق السفر. هؤلاء جميعًا، وغيرهم من العابرين، ليسوا إلا كتبًا تسير فى دروب الحياة.
لا أزعم امتلاك اليقين المطلق والحقيقة النهائية الحاسمة، ولا شيء أقوله عن نفسى إلا أننى مواطنة مصرية عادية، اسمها ليلى رمزى حشمت، اجتهدت لتقدم فنًا يسعد الناس، وتمتعت بكثير من النعم، وحُرمت أيضًا من الكثير. أكرمنى الله بالمال والصحة والشهرة وحب الناس، ولم أحظ فى المقابل بنعمة الأمومة والاستقرار الزوجى والاستمتاع بدفء الأسرة. المعادلة متوازنة، فلا أحد من أبناء آدم يملك كل شيء، والأرصدة متقاربة فى التقييم الأخير.
المحور الأول فى فلسفتى هو الإعلاء من شأن الرضا، فهو عندى الطموح الأعظم والهدف الأسمى الذى يسعى إليه الإنسان. لا يقترن الرضا بالثراء والصحة والنفوذ والمكانة الاجتماعية، فما أكثر الذين يملكون هذا كله ويسكنهم السخط وتعشش التعاسة فى أرواحهم. مفهومى للرضا يتجاوز غياب الألم والحرمان والفقدان، ذلك أنه يتمثل فى القدرة على التعايش والإصرار على معانقة السلام الروحى، تلك النعمة التى لا يظفر بها إلا أصحاب القلوب النقية الذين لا يعرفون الكراهية والحقد.
فى حياتى نجاحات كثيرة أحمد الله عليها، وهى لا تخلو أيضًا من الخيبة والفشل، لكننى أدرك الآن أن المشهد لا يكتمل إلا باجتماع اللونين الأبيض والأسود، فالحياة خليط من هذا وذاك، والسعيد من يتسلح بالقدرة على الاستيعاب والفهم والتعايش بلا مرارة. بكل يقين وصدق، أقول إن الرضا هو الثروة العظمى التى أعتز بها، وأجمل ثمرات الرضا غياب الشعور المدمر بالندم. أؤمن بالحكمة العربية القديمة: العجز عجزان، التقصير فى طلب الشيء وقد أمكن، والجد فى طلبه وقد فات. نعم، هذه هى القضية فى إيجاز. لا نملك آلة الزمن لنعود إلى الماضى ونصحح مساره، ولا نستطيع أن نقفز إلى المستقبل ونرى ما فيه. البطولة للرضا بالمتاح، والاجتهاد فى فهم أبعاده. لا يعنى هذا كسلًا أو امتناعًا عن الطموح، لكنه يقود إلى العمل بجدية لتنقية القلب والروح من عكارات التطلع إلى اقتناء كل شيء على أشلاء الهدوء النفسى.
الرضا الحقيقى يقود إلى ما أسميه بالزهد الإيجابى، حيث التعالى على الشكليات التافهة التى يتوهم الكثيرون أنها ضروريات لا غنى عنها. لقد أتاحت لى الحياة أن أسكن قصورًا، وأتحرك فى سيارات فارهة، وأرتدى ثيابًا باهظة الثمن، وأتزين بمجوهرات تخطف الأبصار. لن أتحدث بالطبع عن الطعام والشراب، لكننى أؤكد أن هذه الأشياء المادية جميعًا لا تصنع السعادة، وقد عرفت فى حياتى فقراء بسطاء أكثر توافقًا من أصحاب الملايين والمليارات. من هؤلاء سائق نوبى كان يعمل فى خدمة أحد أزواجى، وهو عجوز فى السبعين وربما أكثر، تعانى زوجه من مرض خبيث لا يُرجى شفاؤه، ويتعذب أبناؤه بالفقر ومحدودية الموارد. كان متواضع الثياب، نحيل الجسد، يسير فى بطء وتثاقل لفرط التعب، لكن الابتسامة المشرقة لا تغادر وجهه، ويشع منه نور لا يظهر مثله عند زوجى الذى يملك الملايين، ويقتنى القصور والشركات، ويضن عليه القدر بابتسامة صافية.
أرجو ألا يتبادر إلى الأذهان أننى امرأة ثرية تمدح الفقر وتشيد بالفقراء من منطلق الشفقة، فلا شيء من هذا على الإطلاق، ولست ممن يجدون فى حياة الترف عيبًا، أو يزينون للفقراء فقرهم. المسألة ليست على هذا النحو، وغاية ما أهدف إليه هو التأكيد على أن السعادة هى المطلب الأعظم للإنسان، لكن السؤال الذى لا يمكن حسم إجابته: ما السعادة؟.
عندما أستمع إلى إسماعيل ياسين فى مونولوجه الشهير عن السعادة، أقول إنه يعبر بطريقته البسيطة العميقة عن الحيرة التى لا تنتهى، ويصل بى الاستماع والاستمتاع إلى المحور الثالث فى منظومة فلسفة الحياة، وأعنى بذلك تجنب الاندفاع فى إصدار الأحكام عبر الظاهر الشكلى الذى قد يكون مخادعًا مضللًا. الأشعث الأغبر قد يكون الأقرب إلى الله كما يقول الحديث القدسى، وما أكثر الفقراء الذين يتسلحون بالكرامة والتعفف فيبدو للناس أنهم أغنياء لا يحتاجون أحدًا أو شيئًا. لقد عرفت فى حياتى من يلبسون ثياب الصداقة والمودة، وهم يضمرون العداء والكراهية والحقد، وصادفت أيضًا خصومًا متحضرين يستحقون الاحترام والإجلال، وأستطيع أن أكتب عشرات الصفحات عن الذين ينم ظاهرهم عن التدين والورع والتقوى، وهم فى أعماقهم أوغاد بلا خلق أو دين.
أؤمن بصحة المثل الشعبى الحكيم العميق: «من برا الله الله، ومن جوا يعلم الله»، فليس مثل هذه الكلمات البسيطة فى تجسيد المعنى الذى أقصده، حيث الازدواجية المدمرة التى تتحول معها الحياة إلى غابة يسكنها الوحوش.
إننى راضية عن نفسى بشكل عام، ولا أزعم الكمال الذى لا يمكن أن يُتاح لبشر. فى حياتى شوائب وعكارات لا أنكرها، وفيها أخطاء فادحة جسيمة، لكننى أعتز كثيرًا بسجلى الذى يخلو بفضل الله من داء الكراهية، ولا متسع فيه لإلحاق الأذى. أقول لنفسى كثيرا: لا صفحات سوداء فى سيرتى، ونواياى طيبة دائمًا. اجتهدت فأصبت وأخطأت، وتبقى ثقتى فى مغفرة الله ورحمته بلا حدود.
يتسع وقتى فى السنوات الأخيرة للتأمل وتقييم فصول حياتى، وكثيرًا ما أجلس فى مكتبتى لأقلب صفحات الألبومات الكثيرة التى تضم مئات الصور، مذ كنت رضيعة فى شهورها الأولى، حتى اللقطات الأخيرة فى الاحتفال بعيد ميلادى قبل شهور، وسط الأصدقاء والصديقات. أرانى طفلة مع أبى وأمى وأخى، رحمهم الله جميعًا، فى شقة الدقى، وأقفز مع التذكارات إلى فيلا المعادى وصورتى على الأرجوحة فى الحديقة الصغيرة الأنيقة، وأكر صورًا أخرى فأرانى أرقص وأبث البهجة، وأمثل فى أفلام متفاوتة الحظوظ من النجاح، وأتزوج فلا أظفر بما أنشده من الاستقرار، ثم أجد صورى بملابس الإحرام فى الأراضى المقدسة، فأحمد الله على نعمة الإيمان.
كل ابن آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون. ما أكثر أخطائى وخطاياى التى تستدعى التوبة ودموع الندم، لكننى أزعم أن احترافى للفن ليس خطأ أو خطيئة، وأن اعتزالى لا يعبر عن رغبة فى التكفير. كل صاحب مهنة يتقاعد فى نهاية المطاف، ويحق له أن يراود الراحة والسكينة، لكن هذا لا يعنى السقوط فى براثن الخطيئة التى تقترن بالعمل. أقول لنفسى، ولمن ينشغل بقضية العلاقة بين الفن والالتزام الدينى والأخلاقي: إنما الأعمال بالنيات، ولكل امرئ ما نوى.
أحببت وتزوجت، قرأت واستمعت وشاهدت واكتسبت خبرات فى السياسة والحياة الاجتماعية. كنت هدفًا لحملات إعلامية ظالمة متحاملة، وعرفت عشرات كان لهم فى حياتى بصمات لا تُنسى، سلبًا وإيجابًا، ثم انتهى بى الأمر إلى الاعتزال والوحدة ذات الإيقاع الهادئ. لا أخفى شيئًا فى مذكراتى، فلا شيء أخجل منه، ولا أتجمل أو أضع المساحيق، والله وحده أسأل أن تكون نهايتى بلا ألم أو وجع.