لم يتورع إرهاب الإخوان من أن يقتحم قداس الكنيسة البطرسية، نسبة إلى عائلة بطرس غالى، وكان صديق عمرى الدكتور بطرس بطرس غالى آخر من دفن فيها وحضرت قداسًا مهيبًا وقتها بجانب شريكة حياته «ليا بطرس غالى»، وحينما تجرأ هؤلاء الإرهابيون المجرمون بالاعتداء على قدسية هذه الكنيسة التاريخية كانوا يقصدون عمدًا أرواح شهداء بلغ عددهم ٢٥ شهيدا وإصابة ٤٩ آخرين.
وحينما نظرت إلى القداس وأنا أشاهد أصدقاء عمرى من قيادات الكنيسة وعلى رأسهم الأب أرميا والأب يوأنس ونخبة من قيادات الكنيسة الأرثوذكسية، وعلى رأسهم صديق عمرى الأنبا بسنتى، فضلًا عن قيادات الكنيسة الأنجليكانية، وعلى رأسها المطران الدكتور منير حنا، وكذلك الكنيسة الإنجيلية والكنيسة الكاثوليكية، كل هؤلاء عرفتهم وأحببتهم على مدى سنوات، وشاركتهم أحزانهم وهم يحيطون بجثمان الشهداء.
ونتذكر جميعًا أحزاننا المشتركة. ومن ناحيتى أنا أتذكر صفحات من الماضى مع علاقة لن أنساها أبدا مع الراحل قداسة البابا شنودة، وقبل أن يستقر فى مسئوليته قداسة البابا تواضروس، فاجأنى بقوله «يا دكتور على أود أن يربطنا سويا ما كان يربطك بقداسة البابا شنودة، ونحن نعرف عمق علاقته بك، وقد اعتبرت هذه الرسالة عهدًا باستمرارية المحبة والمودة».
هذه لمحات من ذكريات تربط مسلمًا مثلى بإخوته من أقباط الوطن ورباط روحى وعاطفى بيننا.
وكنت وأنا أنظر عبر شاشة التليفزيون إلى وجه قداسة البابا تواضروس وهو يملؤه الحزن والأسى وهو يحيط به الشهداء.
ومن ناحيتى بجانب مشاعر الحزن والألم كانت تملؤنى مشاعر الثورة والغضب من هؤلاء المجرمين الذين استحلوا دم أخوتنا وأحبائنا بغير ذنب جنوه إلا التواجد فى دار العبادة بالكنيسة البطرسية.
ماذا يمكن أن يقال وماذا يمكن أن نفعله للتصدى لهذا الجرم البشع من جانب من نزعت الرحمة من قلوبهم؟ لا بد أن تجمعنا كلمة وإرادة موحدة تقول بيقين: لن يغفر الله للأيادى التى أجرمت والعنف الذى تم ضد إخواتنا من أقباط ومسلمى وطننا مصر.
وحينما دعانا قداسة البابا تواضروس أن نذهب للصلاة لله أن يعطى قوه الروح والمقاومة والسلام رغم قسوة الآلام.
بقيت كلمة صريحة نقولها للأمن ورجاله إن هناك فارقًا فى القدرة والاستعداد للتصدى لهذا العدوان الإجرامى، ولا يجب أن يشعر الضحايا وأهلهم وذووهم أنهم ما زال ينتظرهم قصاص لم يتحقق.
وبمناسبة القصاص الذى لم يتحقق ليروى قلب أهل الضحايا وذويهم، والقصاص هنا لا يعنى روح الانتقام الأعمى، ولكن أن نرى بأعيننا أن المجرمين الإرهابيين يدفعون ثمنًا غاليًا لما ارتكبوه، ضد الأبرياء الذين يدفعون ثمنًا غاليًا دفاعًا عن الشرفاء.
إذًا عودة إلى ما يجب أن يدفعه المذنبون فى حق أوطانهم ومواطنيهم لما ارتكبوه، هناك إجماع شعبى أن الجزاء والعقاب يجب أن يكون هنا نموذجيًا، وأن يمثل أمام المجتمع ردعًا قاسيًا يدخل الرعب فى قلوب هؤلاء الإرهابيين الذين لا قلوب ولا رحمة لديهم.
أما من يريدون أن يخلطوا بين الشفقة الكاذبة والقصاص العادل والكامل الذى يشفى الغليل، فهم مخطئون فى حساباتهم.
وباعتبار أن المجتمع لا يمثل كله ملائكة، فإنه يجب التعامل مع من يثبت جرمهم بعقوبة كبرى تكون بمثابة نموذج رادع للآخرين.
وحينما أكرر هنا كلمة الردع، فأنا أقصد رد الفعل النفسى الذى يجب أن يدخل فى نفوس الجبناء والخوف من تكرار الجرم، نتكلم دائمًا عن المواجهات الممكنة والواجبة بين قوى الإرهاب واستعداد رجال الأمن وأجهزتهم للتصدى لعدوان الإرهاب، وأضيف أيضًا على مسئوليتى أن الرأى العام والقوى الشعبية تساهم بإرادتها فى مقاومة وضرب الإرهاب. وحينما أشرت فى مكان آخر من المقال حول قلقى وغضبى من قدرة الأمن على الردع الحقيقى والكافى للإرهاب، كنت أقصد أن نفس قوى الأمن التى أنتقدها حينما لا يكون دورها كافيًا للتصدى هى نفس قوى الأمن التى وجهت إليها فى مناسبات أخرى تقديرى لما قامت به من جهد فى مواقع أمنية أخرى. وفى نهاية المطاف أقول إنه حينما يقتحم الإرهاب قدسية الكنيسة البطرسية، ويقتل ويصيب هذا العدد الهائل من الضحايا، فنحن جميعًا مسئولون ليس للدفاع عن مواطنين مسيحيين، بل عن مواطنين مصريين فى نهاية الأمر. وأقول أيضًا وبصراحة إنه يجب أن نوجه تحية شكر وإجلال إلى السرعة التى استطاع بها رجال الأمن القبض على منفذى العملية الإرهابية، وكانت محل تقدير معلن من السيد الرئيس. وأحب أن أختم مقالى بقول الله تعالى فى سورة المائدة: «مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِى الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا»، صدق الله العظيم.