ع الفيس، أصبح كل شيء مباح، بدءا بالحوارات الساخنة، مرورا بالشائعات ودردشة السفسطة، وصولا للاستشارات الطبية والعلاج من خلال فتاوى غير المتخصصين ومواطنين عوام،.. هل تصدق ذلك ؟ وللأسف يحدث وواقع وكأس خطر يشربه البعض الآن عبر الفيس في غياب ضمير ورقيب.
جولة سريعة عبر صفحات الإنترنت، تكشف أن آلاف الصفحات تقدم لك استشارات وطرق علاج الكثير من الأمراض المستعصية والمزمنة أحيانا مثل السكر والأمراض الموسمية كالبرد والكحة وأمراض الجلد والجهاز التنفسي والرشاقة مثل السمنة والنحافة.
هذا شاب على الفيس يؤكد أن والده مصاب بالبلغم منذ سنوات، ولم يستطع التخلص من المرض، فجأة انتهى به الحال أسيرا لشخص ادعى أن لديه الحل، وظل يتابعه لفترة ولم تختف علة والده، ومازال البلغم يطارد الأب المريض، الشاب اكتشف انه ضحية "هاوي" اشتغل ممرضا لفترة، وفجأة قرر أن يتقمص دور المعالج الطبيب.
وهذا آخر يطلب علاجا لالتواء وتورم القدم علمًا بأن القدم تم وضعها في الجبس ومازال الورم موجودا، متسائلا "يا ترى إيه أفضل علاج يزيل التورم وايه افضل مضاد حيوي ممكن يتاخد في الحالة دي ". "
وهذه أم، أصيب ابنها " 8 شهور" بالسخونية وحينما ذهبت للطبيب أكد لها أنه مصاب بنزلة معوية، مشيرة إلى أن الطبيب كتب لها علاج للسخونية ولكن السخونية تعود وتأتي مرة أخرى كما أن يد ابنها وقدميه باردين باستمرار ورأسه برقبته وبطنه مرتفعة الحرارة، متسائلة عن حقنة للسخونية قائلة: "الكدمات لم تفعل شيئا"، وجاءها الرد: اطمئني تابعينا ع الفيس، علاجك عندنا ".
وتقول سيدة " ابنتي عندها ١١ سنة وعندها سمنة مفرطه ووزنها ١١٥ كيلو والحرق عندها ضعيف جدا وعندها شراهة في الاكل، متسائلة عن علاج للأطفال يحرق الدهون ولا أعراض جانبية له ".
، وعشرات الحالات التي ضبطناها على الفيس تلهث خلف علاج وهمي.
الدكتور سمير عنتر نائب رئيس مستشفى حميات إمبابة، يندهش من الظاهرة، ويقول الوضع ينم عن قلة الوعي والجهل المجتمعي السائد من قبل بعض المواطنين حيث لا يأخذون في حسابهم المشاكل الصحية الخطيرة التي قد تحدث لهم لاحقا "، مشددا على أن مواقع التواصل الاجتماعي لا يمكن اعتبارها مصدرا موثوقا منه للحصول على أي معلومة طبية، وتابع لا يمكن تشخيص أي حالة بدون معرفة ظروف المريض وحالته الصحية وتاريخه المرضي، فالطب ليس بسؤال وجواب أو برسالة، حيث يوجد ١٠٠ حالة مرضية متشابهة في الشكوى والأعراض الطبية، ولكن لكل حالة "علاج مختلف" عن الحالة الأخرى.
وأضاف: من بين المعلومات الخاطئة أن علاج ضغط الدم يتم من خلال شرب الكركديه، وهي معلومات سائدة في الوسط الشعبي بالرغم من خطأ المعلومة، وذلك كون الكركديه يحبس المياه بالجسم، لافتا إلى إنه حينما يصاب أي شخص بالأنفلونزا أو البرد فينصحه الكثير بتناول مضادات حيوية معينة رغم أنهم ليسوا أطباء ولا يعرفون تشخيص حالته، وهو أمر يترتب عليه أن استعمال المضادات الحيوية تكون غير فعالة ويكون لها نتائج عكسية، وكذلك فالحديث عن أن علاج السكر لا يحتاج إلى أدوية السكر والاعتماد على ما يسمي بنواة البلح والثوم، وينتج في النهاية أن المريض يصاب بمضاعفات السكر والتأثير على قلبه.
ويقول الدكتور هاني الناظر، استشاري الأمراض الجلدية والتناسلية، رئيس المركز القومي للبحوث سابقا: " يوجد عشوائية كبيرة في تداول المعلومات الطبية الخاطئة، لاسيما عبر شبكات التواصل الاجتماعي، خاصة "فيس بوك"، وأحيانا ما تصبغ تلك المعلومات بصبغة دينية في محاولة لإقناع المتلقين بالمعلومات الخاطئة، ويتم نشرها بواسطة مصادر غير طبية تحاول أن تثير ضجة عبر الـ"سوشيال ميديا" من أجل الحصول على أعلى نسبة مشاركة للموضوع ولتحقيق الربح المادي من الإعلانات التي يعرضونها بصفحاتهم المختلفة.
وأوضح الناظر أنه على سبيل المثال هناك معلومات خاطئة في مجال الأمراض الجلدية تنتشر عما يسمي بعلاج الجلد وتساقط الشعر عن طريق الخلايا الجذعية وإزالة النمش وحب الشباب، كما يتم وصف أدوية في صورة دهانات للجلد، وهو ما لا أساس لها من السند الطبي أو العلمي، لافتا إلى أن المصيبة كذلك أن هناك مواقع وصفحات تواصل اجتماعي تبيع أدوية مجهولة المصدر وغير مصرح بها من وزارة الصحة بدعوى معالجة الأمراض الجلدية المختلفة مثل الصدفية والبهاق مع أنها لا تقوم بذلك، وقد يترتب عليها أعراض خطيرة للمرضى، فجميع الأدوية عبارة عن مركبات كيميائية لها آثار ضارة متعددة ولها أيضا فوائد علاجية إذا أعطيت طبقا لتشخيص صحيح وبجرعة صحيحة.
ولفت الناظر إلى أنه لا يقتصر الأمر على ذلك فمن بين الشائعات التي يتم إطلاقها أن الاحتفاظ بالثوم بالفريزر في الثلاجة يؤدي إلى الإصابة بالسرطان والوفاة وكذلك أن الاحتفاظ بالخبز في الفريزر يؤدي إلى الإصابة بالسرطان، وكذلك تناول الموز بعد البيض يؤدي للتسمم، وتناول النسكافيه بالحليب يؤدي للإصابة بالسرطان والفشل الكلوي، وكلها معلومات خاطئة ولا يوجد أي أساس من الصحة لها..
فيما شدد الدكتور هشام الوصيف، استشاري العلاج الطبيعي والسمنة والنحافة، على أن الاستشارات الطبية التي تقدم عبر مواقع التواصل الاجتماعي وعبر محرك البحث جوجل قد تتسبب في أضرار كبيرة لصحة مريض السمنة أو النحافة، وتسبب له مضاعفات مختلفة مثل الحساسية وغيرها، على نقيض ما يعتقد الشخص المقبل على استخدامها وذلك للعديد من الاعتبارات التي من بينها أنه في العادة طبيعة الشخص وتكوينه الجسماني لا تتماثل أو تتوافق مع غيره من الأشخاص.
وأضاف الوصيف، أن القاعدة الطبية تؤكد أن "ما يصلح لفرد لا يصلح للآخر"، وفي أحيان كثيرة من الممكن أن يصاب الفرد بمضاعفات أخرى نتيجة استخدامه تلك الأدوية والوصفات الطبية الخاطئة فتحدث له مشاكل صحية أو عدم وصوله للنتيجة المرجوة، موضحا أن مريض الضغط على سبيل المثال لا يمكن إعطاؤه إلا وصفات محددة وإذا تناول وصفة خاطئة فذلك قد يعمل على إصابته بمضاعفات مرضية خطيرة مثل قرحة المعدة، وكذلك نجد من ينادي باستخدام خل التفاح في حين أنه لا يستخدم إلا لحالات معينة، ومن الممكن أن يسبب مشاكل بالمعدة أيضا، وهناك من يصف الفشار واللب لمن يريد وسائل تساعد على التخسيس، في حين أن الأمر عكس ذلك.
وأكد الوصيف أن المشكلة تكمن في تصديق الكثير من المصابين بأعراض السمنة أو النحافة لتلك الاستشارات التي تخرج من مصادر مجهولة في وقت يفترض فيه الاعتماد على المصادر الطبية الموثوقة.