كان عنوان مقالنا السابق بجريدة «البوابة» بعددها الصادر يوم الأربعاء الماضى ٧/١٢/٢٠١٦ «لمصلحة من هذه الضجة؟!»، ونعنى العويل والصراخ اللذين أصابا قيادات منظمات تلقى الأموال الأجنبية، وذلك بعد مناقشة قانون الجمعيات الأهلية بمجلس النواب، ومراجعته من قبل مجلس الدولة، والاستماع لملاحظاتهم، واعتراضاتهم، والأخذ بعدد منها فى الصياغة النهائية، وموافقة مجلس النواب عليه، وإرساله لرئاسة الجمهورية تمهيدًا لإصداره، وكان هذا الصراخ والعويل على المستوى المحلى من خلال الصحف الخاصة وقنوات الفضائيات الموالية لهم وعلى الصعيد الخارجى بالاستقواء بالخارج من خلال الدول الأجنبية المانحة التمويل والتى تعتبر هذه المنظمات إحدى أدواتها للتدخل فى شئوننا الداخلية من خلال تقاريرها التى تقوم بإعدادها عن جميع أوضاعنا الداخلية مخلوطة بالأكاذيب والشائعات، واللافت للنظر تعامل الحكومة مع هذه المنظمات وتدليلها خوفا من صوتها العالى، فتركتها تعمل دون أن توفق أوضاعها عملا بنصوص القانون الحالى، ومنحها مهلة سنة لهذا التوفيق فى القانون الجديد؟! والاستماع لملاحظاتها واعتراضاتها وإدخالها فى الصيغة النهائية كما أوضحنا فى مقالنا السابق، وهذا دفعنا إلى مراجعة ملفات هذه المنظمات القديمة من خلال التحقيقات التى بدأت فى منتصف ٢٠١١، بعد قيام وزير العدل آنذاك، المستشار عادل عبدالحميد، بحكومة عصام شرف، بتشكيل لجنة تقصى حقائق برئاسة وزير العدل وعضوية عدد من الوزراء، على رأسهم الدكتورة الفاضلة فايزة أبوالنجا، وزيرة التخطيط والتعاون الدولى، فى يوينو ٢٠١١، وعقب انتهاء عملها وعلى ضوء المعلومات التى تم تجميعها وتشكل خطرًا داهمًا على الأمن القومى المصرى، أصدر وزير العدل قراره بانتداب قاضيى تحقيق هما المستشار سامح أبوزيد وأشرف العشماوى وكان هذا التحرك عقب الإعلان عن تفاصيل جلسة لجنة الشئون الخارجية بمجلس الشيوخ فى شهر مايو ٢٠١١، والتى شهدت إدلاء السفيرة الأمريكية، آن باترسون، المرشحة كسفيرة للولايات المتحدة الأمريكية لدى مصر، حيث أكدت فى شهادتها أن الولايات المتحدة الأمريكية قدمت خلال الفترة من فبراير ٢٠١١ حتى مايو ٢٠١١ مبالغ مالية تزيد على ٤٠ مليون دولار بحجة نشر الديمقراطية فى مصر، وأن قرابة ٦٠٠ منظمة مصرية تقدمت بطلب الحصول على منح مالية أمريكية وعلى أثر ذلك قام فريق التحقيق بإجراء تفتيش لبعض مقرات هذه المنظمات سواء المحلية أو الأجنبية من بينها المركز العربى لاستقلال القضاء ومقرات المهدين الجمهورى والديمقراطى فعثروا فى أحد المقرات على خريطة تقسيم مصر إلى أربع دويلات وعلى مستندات تضمنت ٦٧ موقعا للقوات المسلحة بالسويس.
وهذا يوضح غرض هذه الكيانات والأعمال التى تقوم بها والتى تصب فى نشاط التجسس على الوطن وتجميع المعلومات عن كل مناحى الحياة فى مصر كما أن الأموال التى تتلقاها ليست من أجل سواد عيونها أو نوع من العبط والهبل لدى المنظمات الأجنبية المانحة وكشفت التحقيقات أن حجم أموال التمويل لتلك المنظمات قبل ثورة ٢٥ يناير بلغ حوالى ٦٠ مليون دولار كما قامت أمريكا بفتح ثلاثة مقرات لتلك المنظمات دون ترخيص وهى المعهد الدولى الأمريكى والمعهد الديمقراطى الوطنى الأمريكى ومنظمة بيت الحرية، وعندما تمت مداهمة مقار هذه المنظمات تم العثور على الوثائق الهامة والأموال السائلة والأشخاص وتم توجيه الاتهام لـ٤٣ ناشطا فى مصر وأمريكا وألمانيا والنرويج ولبنان وفلسطين وأهم التهم هى إنشاء جمعيات أهلية دون ترخيص والحصول على أموال دون إذن وكان من بينهم ١٩ ناشطا أمريكيا من بينهم سام آدم لحود، مدير مكتب المعهد الجمهورى الدولى فى القاهرة، وهو نجل وزير النقل الأمريكى الذى حصل على ٢٠ مليون دولار، بينما حصل المعهد الديمقراطى على ١٨ مليون دولار، وفريدوم هاوس على ٤.٤ مليون دولار، والمركز الدولى الأمريكى للصحفيين على ثلاثة ملايين دولار، ومؤسسة كونراد أرينا الألمانية على ١.٦ مليون دولار وصدر قرار بمنعهم من السفر من السيد المستشار النائب العام، واكتشف هذا سام لحود ومن معه حينما توجهوا لمطار القاهرة للسفر حيث تم منعهم من السفر فقاموا باللجوء للسفارة الأمريكية بجاردن سيتى بالقاهرة طالبين اللجوء السياسى خشية ملاحقتهم الشخصية، إلا أن السفارة لم تستجب لهذا الطلب بسبب أنها رأت أنه لا يوجد أى تهديد لسلامتهم الشخصية.
وفى ٢٦ فبراير انعقدت أول جلسة لنظر هذه القضية، وحضر جميع المتهمين المصريين الـ١٤ بينما تغيب كل المتهمين الأجانب مما أدى إلى قيام محكمة جنايات شمال القاهرة بالتنحية لاستشعار الحرج، وتأجلت لجلسة ٢٦ إبريل، وفى ٢٩ فبراير تم رفع حظر سفر المتهمين الأجانب للخارج.. إلا أننا فوجئنا فى ٣ مارس ٢٠١٢ بمغادرة ١٩ أمريكيا وأجنبيا على متن طائرة أمريكية خاصة، ووصلت الوقاحة الأمريكية إلى منتهاها باقتطاع جزء من المعونة الأمريكية وتخصيصها لهذه المنظمات، مما يعد تدخلا سافرا فى شئوننا، وهناك العديد من المنظمات الأخرى للدول التى تدور فى الفلك الأمريكى - الصهيونى.
حيث تمت إقامة العديد من مراكز التدريب لعناصر هذه المنظمات فى الخارج سواء فى كرواتيا أو صربيا أو جنوب إفريقيا أو تركيا أو تونس أو لتوانيا والتشيك وقطر.
وشملت التدريبات كيفية إعداد التقارير والتقاط الصور وكيفية القيام بأساليب الاحتجاج سواء الاعتصامات أو قيادة المظاهرات والشعارات السياسية التى ترفع، وجميعها تصب فى إطار كيفية إسقاط الأنظمة والدول التى لا ترضى عنها أمريكا وإسرائيل وحلفاؤهما، واستغلال التناقضات الاجتماعية والسياسية والدينية كالأقليات والخلافات المذهبية لبث الفوضى، وهذه الأعمال تصب لصالح الدول المانحة للتمويل من أجل تنفيذ مخططات التقسيم والتفتيت، وهذا ما حدث فى سوريا والعراق وليبيا والسودان والبقية كانت ستأتى لولا ثورة ٣٠ يونيو المصرية، وانضمام الجيش وجهاز الشرطة للشعب، الأمر الذى أدى إلى وقف وفضح هذه المخططات وكشف حقيقة هذه المنظمات، وهذا لن يغفر لنا وسيستمر التآمر علينا ونأمل ألا نتعامل بتراخ مع هذه المنظمات، وآن الأوان لفتح ملفات التحقيقات معها التى بدأت منذ منتصف ٢٠١١، خاصة القضية رقم ١٧٣ لسنة ٢٠١١ والتصرف بالإحالة، وكذلك القضية رقم ٢٥٠ أمن دولة عليا، ورفع حظر النشر عنهما حتى يعرف الشعب حقيقة هذه المنظمات وتمهيدًا لإقامة منظمات المجتمع المدنى الحقيقية وليست المشوهة.