يثار بين الحين والآخر، «كلام» عن صلح ما مع جماعة الإخوان! ولا ندرى عن أى صلح يتحدثون، مع جماعة منذ تأسيسها وإلى الآن: تمزج بين «التخلف الذى بلا حدود»، و«العنف الذى بلا تردد»، نعم: تجنح إلى العنف على الدوام كأداة وأسلوب، دون وازع أو ضمير، لتحقيق مصالح وتصورات وأوهام، بدءا من تطهير المجتمع من جاهلية جديدة مقيتة، والتبشير مجدداً بإسلام وشرع كما يتصورون، بلوغاً إلى وهم دولة الخلافة الجديدة التى تبسط نفوذها من إندونيسيا إلى نيجيريا، وتواصل غزوات أو فتوحات إمبراطورية المسلمين المجاهدين على كل ربوع المعمورة.. وليس أقل من استعادة الأندلس.
والحقيقة أن جماعة الإخوان تفكر هكذا منذ نشأتها، وليس فحسب فى الطور الذى يسيد فيه تفكير سيد قطب، والحقيقة أيضاً أن التفكير على هذا النحو، والتكفير لكل ما يخرج عليه، هو توجه كل الذين ينتمون إلى ما صار يعرف فى العقود الأخيرة «بالإسلام السياسي».. وهو مصطلح أو تعبير لا يرتاح له كاتب هذه السطور، لأنه أكثر رصانة واحتراماً أو جدية مما يستحق أصحاب ذلك التوجه الشائه، والهزيل بقدر ما هو هزلى، ولعل المفاجأة المريرة، خاصة مع «الفرز الكبير» الذى جرى ويجرى منذ «ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١ فى مصر وما صاحبها فى كل الأمة»، أنه يكاد لا توجد أقلام أو شخوص، ممن يقفون تحت أعلام ورطان وغطاء ما سمى «بالإسلام السياسى»، خارج ذلك التوجه ذاته.. «الشائه الهزيل الهازل»!!.. حتى لو كانت أسماء من طراز «فهمى هويدى، أو سليم العوا، بل وطارق البشري!! وغيرهم».
ولسنا نطالب «باجتثاث» أو استئصال هؤلاء من المجتمع، ولكن نطالب «بالعزل السياسي» لجماعة الإخوان ومجموعات السلفيين وأصحاب التوجه المتخلف الوهابى، بحيث يجب أن تكون لهم كل الحقوق الإنسانية والمجتمعية، وجميع حقوق «المواطنة» بكل معنى الكلمة، بدون أدنى تمييز أو تفرقة ضدهم، ولكن لا يجب السماح لهم بالاشتغال بالعمل السياسى والحزبى، ولا ما يسمونه «العمل الدعوى» أى الاستمرار فى نشر دعوتهم على الطريقة ذات النزوع الواضح التخريبى الإرهابى.. وفى كلمة واحدة: «الوهابى»!
إن هذا.. مع دستور ٢٠١٤، هما أبرز وأجدى إنجازات لشعبنا بعد ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١، ولا ينبغى التفريط فيما أنجزنا، بل ينبغى أن نزيد عليه: تجاوز ودحر كل الإخفاقات والترديات.. مرة بعد «٢٥ يناير» على يد رجعية وهابية باسم الدين.. ومرة بعد «٣٠ يونيو» على يد الرجعية العائدة، رجعية نظام الثلاثين سنة «١٩٨١ - ٢٠١١»، والذى تأسس خاصة منذ ١٩٧٤، وأسس للجمهورية الثانية على الدعامتين الملعونتين: الاستبداد والفساد.
يبقى أن الخواطر، والهوامش.. ذات الصلة بالموضوع، كثيرة بطبيعة الحال والموضوع!.. وقد نختار منها هنا اثنتين:
١-الكذبتان الأشهر والأحط.. فى حياة الإخوان:
الأكاذيب فى تاريخ أعضاء جماعة الإخوان لا تعد ولا تحصى!.. وكثير من تلك الأكاذيب مشهور، وإن كان كلها منحط إلى أبعد حد!.. وفى رأينا أن كذبتين على الخصوص، فى مقدمة الأشهر والأحط:
الكذبة الأولى: أنهم لم يحاولوا على أى نحو اغتيال جمال عبدالناصر، وأن كل القصة تمثيلية أو مسرحية، وتجن على الإخوان وافتراء من الألف إلى الياء، كل ما قيل عن عمليتهم تلك محض اختلاق، من قبل نظام وإعلام عبدالناصر ويوليو!
الكذبة الثانية: أنهم هم صناع ٢٥ يناير ٢٠١١.. ثورتها وحشودها ومراميها وشعاراتها!.. هم أصحابها ومبدعوها بالأساس، تأليفاً وإخراجاً وأدواراً وأداء.. بل أيضاً أبطالاً وجرحى وشهداء!
إن دأب دهاقنة وأقطاب «الإخوان» يكون عادة، هو تكرار مثل تلك الأكاذيب ليل نهار.. والإصرار عليها والاستمرار والاستمراء، وتلقينها لأعضائهم جيلاً بعد جيل.. حتى أنهم من كثرة التكرار والإلحاح، يكادون يصدقون كذبتهم.. ويبدون استغرابهم وانزعاجهم إذا ما واجههم أحد بزيف هذا الذى يدعون، وبالحقائق الدامغة والساطعة التى هى بالتمام والكمال عكس ما يزعمون ويزيفون.
٢- نعم: كاتب هذه السطور معارض بوضوح وجلاء لكل رجعية وعلى أى نحو فى نظامنا، ومنذ ١٩٧٤ إلى اليوم.. لكن لن أضع يدى فى يوم من الأيام فى يد «الإخوان» والتيار الرجعى الدينى، بكل فصائله وأشكاله.. بكل عناصره وصوره!
أولاً وأساساً: من منطلق موضوعى عقلانى فكرى ضد كل وأى رجعية.. وثانياً: من منطلق، هو بالنسبة لى وطنى بقدر ما هو إنسانى «أو حتى «شخصى» إن شاء أحد أن يقول! لأنهم حاولوا فى يوم من الأيام: قتل جمال عبد الناصر.. بل وأنهم حتى الآن لم يعتذروا، وحتى لم يعترفوا.
وأحسب أن هذا الموقف «بالبعدين فيه: الموضوعى، والذاتي»، هو الذى حمانى دائماً وطول عمري! من الوقوع فى فخ التعامل أو التعاون مع «الإخوان»، وما خرج من جوفهم من «فصائل تدعى أنها الإسلامية!».. وهو الذى جعلنى أتوقع بل أوقن من سقوطهم، ولفظ الشعب لهم، أول أن يجربهم فى الحكم، وهو ما حدث بالفعل، بعد عام واحد فقط لا غير.