كان الأدب ولا يزال مرآة للواقع وكاشفا للحقيقة لذا لم تأت المقولة الخالدة عن الشعر العربي القديم باعتباره ديوان العرب من فراغ وكما سجل بايرون وشيلي شاعرا انجلترا الكبيرين في أواخر القرن التاسع عشر ما كانت تعانيه بريطانيا من طبقية وتمسك المجتمع الإنجليزي بالقيم القديمة والمتحجرة ومواجهته لكل محاولات التغيير والتطور وكما فعل تشارلز ديكنز وبلزاك وغيرهما سجل اثنان من كتابنا الكبار في أدبنا الحديث محاولات أنصار الجمود والتخلف والإرهاب وأد كل القيم النبيلة والحديثة للنهوض بالمجتمع ورفع دعاوى الفرقة والقتل والتعصب فها هو الروائي الكبير الراحل إدوار الخراط الذي يبرز الفلكلور القبطي في روايته الخالدة "ترابها زعفران" وكذلك الروائي الكبير الراحل عبدالحكيم قاسم الذي كشف في رائعته القصيرة "المهدي" محاولات الإخوان لشق الصف وإحداث الفتن بين قطبي الأمة.
إدوار الخراط أحيا فلكلور مصر القبطي
"ترابها زعفران" رواية للأديب الكبير الراحل إدوارد الخراط تعتبر من باكورة أعماله الأدبية؛ يتغنى الخراط في هذا العمل بجمال الإسكندرية وحبه لها حيث يقدم جانبا من طفولته وصباه في ربوع الإسكندرية فيسرد تفاصيل حياة المجتمع السكندري بطوائفه العديدة، وطبقاته الإجتماعية المختلفة كما تسرد أحداث هذه الرواية في تسعة قصص قصيرة في عناوين وهناك خيط سحري يربط بين فصول الرواية، وهو وصف علاقة المسلمين بالمسحيين في الإسكندرية، فمن أول قصة في الرواية يصف لنا علاقتهم بجيرانهم المسلمين، فيقول عن زوجة حسين أفندي جاره "كانت زوجته الست وهيبة صديقة أمي جدا، وكانت تقول لها أحيانا إن نبيهم أوصانا بنا وأن عيسى نبينا هو أيضا رسول من عند الله مثل موسى وإبراهيم، وكانت أمي تحلف لها أحيانا بالمسيح ابن الله الحي، وكانتا تضحكان على أشياء لا أعرفها، وتنتهي زيارتها اليومية لنا بأن تقبل إحداهما الأخرى "
كما يذكر في روايته طريقة عمل فطير الملاك وطريقة احتفالهم بعيد الميلاد والقيامة، ومشاركة المسلمين لهم الاحتفال ويؤكد على علاقة المودة بين المسلمين والمسحيين فكانت أمه ترسله برقائق الفطير إلى الجيران والحبايب كما كان المسلمون يرسلون إليها أطباق العاشوراء في موسمها وأباريق الخشاف في رمضان، وكانوا يتبادلون أطباق الكعك والبسكويت في أعياد الميلاد والقيامة والأضحى والميلاد والفطر "؛ كما صور لنا كيف تجمع شعب الإسكندرية في المظاهرات الثورية دون التفرقة بين مسلمين ومسيحيين فكلهم اسكندرانيون " وانتظمت الجموع بقيادة صديقي عبد القادر نصر الله وكان قد انضم إلى جماعتنا الثورية، ورأيت على جانبي شارع النبي دانيال جثث الأطفال المرمية هامدة".
المهدي لعبد الحكيم قاسم تكشف دور الإخوان في تفكيك الوحدة الوطنية
يتطرق الأديب الراحل عبد الحكيم قاسم في روايته القصيرة "المهدي" _التي نشرها في أواخر سبيعينيات القرن الماضي_ إلى قضية شائكة تنخرط في دائرة المسكوت عنه، ذلك أنه يعالج فكرة التحول شبه الاضطراري من المسيحية إلى الإسلام؛ فالمعلم عوض الله صاحب مهنة غير شائعة، فهو يحترف صناعة الشماسي، عمل موروث عن الأب الذي أقعده المرض قبل موته، ولم يترك للابن إلا شهادة بالبراعة ونصيحة بالسعي وراء الرزق؛ وقد تزوج عوض الله وأنجب واستقر في طنطا، لكن الفقر يلاحقه ويطيح باستقراره، ويصل به التدهور إلى مرحلة يعجز فيها عن دفع الإيجار الزهيد لصاحبة البيت الطيبة الست جبونه؛ عوض الله مواطن مصري مسيحي فقير، وجبونة صاحبة البيت مسيحية طيبة، وما أكثر المسيحيين والمسلمين الذين يرزحون تحت ضغط الحاجة قبل ثورة 23 يوليو وبعدها؛ فتشير الرواية إلى أن الدين لا يمثل أهمية خاصة في حياة الأسرة الفقيرة، والمعاناة التي يكتوون بنيرانها لا شأن لها بالانتماء الديني. الحوار بين الزوجين، وهما مقبلان على فصل جديد معقد في كتاب الحياة المشتركة، يكشف عن إيمان بعيد عن شبهة التعصب والانغلاق.
ملخص الرواية أن مسيحي فقير تجبره جماعة الإخوان المسلمين على الدخول في الإسلام، لكنه يلفظ أنفاسه الأخيرة وسط حشد من أهل قرية تابعة لمحافظة الغربية جاؤوا ليشهدوا إعلان دخوله في الإسلام. وقد أحدثت الرواية ضجة عند صدورها لأول مرة في طبعتها الأولى سنة 1977.
ويرى الناقد الأدبي جابر عصفور في دراسة تحليلة له عن الرواية أنّ مؤلفها أراد بها أن تكون احتجاجًا على بداية تصاعد تطرف الجماعات الدينية في مصر، وجنوحها إلى العنف تأكيدًا لحضورها السياسي، وفرضًا لتأويلاتها التي لا تقبل الاختلاف، ولا تعترف بوجوده أصلًا. وكانت اعتداءات هذه الجماعات على المجتمع المدني في مصر قد بدت واضحة تمامًا في عيني قاسم عندما كتب روايته أواخر عام 77، في أثناء غيابه عن مصر وإقامته في ألمانيا مشيرًا إلى أنها تبرز قبح نتائج التعصب في مواجهة احتمالات التسامح، وذلك من خلال النهاية الفاجعة للأمثولة المضفورة بمتناصات دينية لافتة، ومن ثم تلفتنا إلى سعيها لاستعادة لوازم الإسلام السمح الذي يدعو إلى المجادلة بالتي هي أحسن.