أحترم الأسلوب التربوى الذى يعمق الحرية ويقوى الشخصية وينمى القدرة الفكرية، وذلك بإعلاء قيمة الصداقة بين أفراد الأسرة، فتجمعهم الأحاديث فى الفن والثقافة والدين والسياسة بلا حواجز، وينصت الكبار باهتمام مهما فرغت كلمات الصغار من محتوى ثمين، وهو ما يذكرنى بطفولتى عندما كانت تشتد الحوارات وتختلف الرؤى فيمازحنى أبى رحمه الله ويقول: «طيب يا فيلسوف الجماعة».. هكذا تكون الديمقراطية بمفهومها الصحيح والإيجابى، فلا قمع للأبناء بفرض الآراء عليهم، ورفض مناقشتهم وتقبلهم، أو بغلق التليفزيون ومنع الخروج والزيارات، لقرب الامتحانات.. علينا أن نعلمهم تحمل المسئولية، وكل ينظم وقته كيفما يريد وبلا ضغوط ويتحملون النتائج بكل هدوء وأريحية.. وعلينا أن نبسط لهم الأخطاء ونحللها لتلافيها مستقبلا، ونعلمهم أن هناك أخطاء منطقية تحكمها المرحلة السنية فيقع فيها الكثيرون، لتعميق ثقتهم بأنفسهم، وهو ما يختلف عما تفعله بعض الأسر من تعنيف وانفعال على الأطفال مما يصيبهم بالانزواء والتردد والتلعثم وتأتى النتيجة عكس ما يسعون إليه.. فلابد من الاهتمام بالفهم واحترام العقل وقدراته، وليس السعى فقط لتحقيق أعلى الدرجات!!.. وهو ما يجعل أولياء الأمور يلهثون وراء المدرسين قبل بداية العام الدراسى، وبعد أن كانت الدروس الخصوصية هى الاستثناء أصبحت القاعدة!!، وتفاقمت ظاهرة التكالب على الدروس الخصوصية للحصول على المجموع المرتفع والالتحاق بكليات القمة!!.. ومع ذلك يخفق أغلبهم فى ذلك، فتتحمل الأسر مزيدا من الأعباء بإلحاقهم بالجامعات الخاصة، لتستمر دائرة الدروس الخصوصية!!..وهى ثقافة مقيتة لأنها تجعل أفراد المجتمع يسعون إلى تفوق زائف لأبنائهم، فالأسر التى تعانى التكاليف الباهظة فى الدروس الخصوصية، يظنون أنهم يشترون نجاح أبنائهم وهم يخربون عقولهم بطريقة التلقين التى تعطل الفهم وتعلمهم الاتكالية والتواكل، والناتج العام تخرج أطباء ومهندسين وخريجين من كافة المهن ضعاف المستوى، لأنهم ليسوا بالعقول المؤهلة لتلك الدراسات، فمن المستحيل أن نجد شخصا ينبغ فى أى مجال باعتماده على التلقين والحفظ، دون أن يتعلم البحث والفهم وكيفية استخلاص النتائج، حتى يستطيع التطوير والتقدم بمجاله.. وأتعجب من الدعوات التى تطالب بضرورة القضاء على الدروس الخصوصية وعودة التلاميذ إلى المدارس!!.. فالدروس خطأ أولياء الأمور الذين يريدون تحقيق أمانيهم الشخصية بأن يمتهن الأبناء مهنة معينة حتى وإن كانت لا تتناسب مع قدراتهم وميولهم الشخصية، فهم سبب الابتلاء بالدروس الخصوصية، وانتقلت تلك العدوى فيما بيننا وتحولت من مكمل إلى ضرورة إلى محور يدور المجتمع حوله!!..أما المدارس التى يقال إنها خالية من التلاميذ والمدرسين فهى ظاهرة مخجلة، فالمدرسة ليست بناء نتلقى التعليم بداخله، بل مجتمعا كاملا يعلمنا العلاقات الاجتماعية وتبادل الثقافات، فهى بداية مواجهة الواقع وفهم أن هناك كبيرا وصغيرا.. غنيا وفقيرا.. حاكما ومحكوما.. بناء الوطنية وتحية العلم، الخضوع لأوامر الانضباط والالتزام.. المدرسة ليست لتلقين العلم كالدروس الخصوصية!! هى معلم الترابط والتراحم والتعاون والتنظيم والإدارة والمنافسة والإرادة وبناء الشخصية السليمة، كل ذلك وغيره نكتسبه من الحياة المدرسية والتى تكون النواة لمواطن صالح.. وهناك محاولات من الدولة لعودة الطلاب للمدارس، والقضاء على مراكز الدروس الخصوصية.. فقد حاول وزير التعليم العام الماضى إعادة الانضباط إلى المدارس ومنع الغياب غير المبرر، بخصم الدرجات حتى وصل العقاب إلى تحويل الطالب للنظام المنزلى، ولكن سرعان ما انتفض أولياء الأمور للدفاع عن جريمتهم، وانبرى الإعلام فى الدفاع عن حقوق الطلاب فى الغياب!!، لأنهم يرون أن المدرسة مضيعة للوقت!!.. وحاول أحد المحافظين غلق مراكز الدروس الخصوصية فى محافظته، ونال من الإعلام ما ناله وزير التعليم، ليتراجع المحافظ والوزير ويبقى الحال على ما هو عليه!!.. وكأنها مسرحية عبثية، تحول الحق إلى باطل!!.. ولم أتخيل أن يدافع أحد عن الغياب عن المدرسة، وكأنها محاولة لهدم الأجيال!!، ولا أعلم أين أساتذة الاجتماع والعلوم الإنسانية مما يحدث؟!.. أين المنظمات المدنية وحقوق الإنسان والمرأة والطفل؟!، أين أنتم؟!.. أم منشغلون فقط بالسياسة وإشعال الفتن وعقد المؤتمرات والندوات بالكلام فقط؟!. كيف نتفاجأ بأن الخريجين ليسوا على المستوى المطلوب وهم أبناء التلقين والملخصات والدروس الخصوصية حتى فى المراحل الجامعية!!، تلك الأجيال مجنى عليها بفعل أيادى أسرهم، وفى عدم المصداقية باتهام الدولة بفساد وإفساد التعليم، وهى جريمة الأسر التى تدمر أجيالا طمعا فيما لا يستحقه أبناؤهم، ليمارسوا الفخر الزائف بالدرجات والكليات، التعليم ليس تلقينا أو تكديسا للمعلومات، ولكن فهم يأتى من الخطأ والصواب والبحث عن المعلومة والمنافسة، والمناقشة والنجاح والرسوب مقياس للقدرات الحقيقية للإنسان، فليس من العيب الإخفاق فى تعليم معين ربما يدفع المرء إلى إظهار مهارات وقدرات قد لا يراها الأهل.. علينا أن ندرك أن القدرات العقلية مختلفة ولا تفوّق إلا بممارسة قدراتنا الفعلية لا الافتعالية.. على أولياء الأمور العودة إلى رشدهم باحترام قدرات أبنائهم ومساندتهم فيما يحبون، كى يستطيعوا التفوق الحقيقى ويصلوا إلى النبوغ، فيصبحوا بحق سندا لأوطانهم.
آراء حرة
ظلمتم أجيالًا بالتفوق الزائف
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق