امتزجت أصوات الزغاريد بالنحيب، وسالت الدموع مع دقات طبول المارش الجنائزي الذي نظمه فريق الكشافة التابع للكنيسة القبطية الأرثوذكسية، خلال صلوات القداس الجنائزي على أرواح 25 شهيدًا، راحوا إثر تفجير إرهابي استهدف الكنيسة البطرسية الملحقة بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية.
حيث ترأس البابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، صلاة القداس، والذي ظل طوال القداس محني الرأس، موجهًا نظره للهيكل متأملًا صناديق الجثامين، مصليًا بصوت مرتعش يغلبه الحزن، وحملت كلماته لغة المواطنة ممزوجة بالألم، مهددًا الجناة بوقوفهم يومًا أمام الله يحاسبون على أفعالهم الإجرامية، والتي تجردت من كل صور الإنسانية، مستسلمًا لقدر كنيسة قام إيمانها على دماء الشهداء. من "دم أخيك صارخ في الأرض، لا راحة لضميره ولا قلبه، وإن كان فعل هذا لأجل أغراض أرضية، ويظن أنه يستطيع أن يقف أمام الله الحي يوم الدينونة".
واستطرد متسائلًا: هل فكرت في وقفتك يوم الدينونة والعار والهلاك الأبدي الذي بلا نهاية، لا تحسب أنك حققت شيئا؛ فالألم الذي تسببت فيه سوف يهلكك، مشيرًا إلي أن الشعب المصري لا يعرف العنف ولا الإرهاب، فالتاريخ المصري نقي، وإن كنا نتعرض لهذه العمليات علينا أن نعرف أن سفك الدم عقابه شديد عند الله ومصيره الهلاك الأبدي.
وشدد: هؤلاء الذين سبقونا للسماء ليتمتعوا بحضور الله ويعيشون في فرح سمائي، والله اختارهم لكي ما يعاينوا السماء، ففي السماء لا يوجد هم ونفرح ونتعزى لانتقالهم، نتعزى باهتمام الدولة والتكريم، الموت هو طريق الأرض.
وتابع أن الكنيسة المصرية على امتداد تاريخها الطويل، تقدم شهداء أمام الله، متابعًا: "النفوس التي نودعها اليوم يرفعون قلوبنا إلى الله أكثر وأكثر، فالحياة كلها عند الرب، نتألم لانتقال هؤلاء الأحباء، ونتألم من أجل هذا الشر الذي جرد من الإنسانية، وهذا المصاب ليس للكنيسة بل لكل مصر".
مختتمًا: نصلي ليحفظ مصر ووحدتنا الوطنية يعزينا الله كلنا نحافظ على الهدوء وكرامة الذين انتقلوا.
وفي سياق متصل تجنبت الكنيسة الصلاة بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية، وتم اختيار كنيسة العذراء مريم والقديس اثناسيوس بمدينة نصر، خوفًا من تكرار سيناريو "الخصوص" حيث كانت الصلاة على أرواح ١١ شهيدًا راحوا إثر اعتداء إرهابي، وفي طريق خروجهم بالجثامين تم الاعتداء عليهم.
فشهد محيط كنيسة العذراء تشديدات أمنية مكثفة، واقتصر الدخول على ١٥ فردا من أسرة كل شهيد، والإعلاميين ورجال الإكليروس "رجال الدين" وعدد كبير من قوات الأمن، وخلا المشهد تمامًا من السياسيين والبرلمانيين، بينما شهد الشوارع الجانبية تجمهر شعبوي كثيف، وهتافات منددة بالحادث.
وعلى صعيد أخر رفضت أسرة الشهيدة وداد إبراهيم الصلاة علي جثمانها في الصلاة المجمعة، وقاموا بالصلاة عليها بكنيسة العذراء بأرض صباح اليوم الإثنين.
وغلبت الدموع رئيس خورس الشمامسة إبراهيم عياد، فلم تتوقف دموعه ونحيبه، وصوته يعلوا مرتلًا التراتيل الجنائزية، والشمامسة يرددون "كيرياليسون كيرياليسون" يا رب ارحم يا رب ارحم، مرتدين الشارات السوداء.
وجلس شيخ المطارنة الأنبا باخوميوس مطران البحيرة، والخمس مدن الغربية، وقد جفت دموعه وتجمدت ملامحه، فلم يعد للحزن مكان على وجه، ولكن المسئولية الأبوية دفعته أن يكون بجوار ابنه الروحي البابا تواضروس، ليشد من أزره.